مقاتلون في داريا يعودون إلى منازلهم بعد ثلاث سنوات.. كيف وجدوها؟
بقي «حلم» أبو فهد العودة إلى منزله، الذي لا يبعد عنه سوى عشرات الأمتار، قرابة ثلاث سنوات، بعد أن اقتحمت قوات الأسد المنطقة الشمالية في تشرين الثاني 2012؛ حتى عاد إليه مقاتلًا خلال معارك «لهيب داريا» في آب 2015، ليحمل لعبة أخيه الصغيرة، لكنه كان «مكسور الخاطر»، كما يقول.
عنب بلدي – داريا
ويروي أبو فهد، الذي يبلغ من العمر 27 عامًا، أنه لم يستطع المشاركة في اليوم الأول للمعركة (2 آب) لرباطه على جبهة أخرى، ومساء نفس اليوم وصله من رفاقه أن المساحة التي تقدم فيها مقاتلو الجيش الحر، تضم منزل عائلته.
المنزل مدمرًا
اتصل أبو فهد بأهله النازحين، منذ بداية الحملة العسكرية، وبشرهم بتحرير المنزل، لكنه فوجئ عند وصوله صباح اليوم التالي إلى المنطقة بأنه أصبح «ركامًا»، ويقول لعنب بلدي «كنت على يقين أنه سيدمر عاجلًا أم آجلًا ببرميل أو صاروخ لشدة القصف في المنطقة، لكنني لم أستطع إيقاف دموعي».
«بحثت في حديقة المنزل عن شيء من ذكرياتنا، لأجد لعبة أخي الصغير بين الركام، جلست على الحجارة المتناثرة أتأمل منزلي الذي قضيت فيه أجمل أيام حياتي وتذكرت كل تفاصيلها، ثم عدت إلى الجبهة لأكمل القتال علّي أتناسى المسألة».
أبو فهد كان يعمل نجارًا قبل الثورة، ورغم ما يعنيه أثاث المنزل له إلا أن ما شغل باله هو ماذا يقول لأهله الذين انتظروا خبرًا عما آل إليه، «منزلنا بخير لا زال على حاله، وينتظر عودتكم إليه سالمين»، قال لهم.
ذكريات العمر
قصة أبو فهد تختلف قليلًا عن محمد أبي قصي، الذي بات يرابط في منزل صديقه الشهيد ويتأمل منزله الذي يبعد عنه أمتارًا قليلة ولا يستطيع الدخول إليه.
وينقل أبو قصي قصته لنا بكلمات تظهر السرور في وجهه والدموع تتساقط من عينيه، «طلبت أن أكون من بين مجموعة الاقتحاميين في معركتنا الأخيرة، كوني من سكان المنطقة وأعرف جميع مداخلها»، مردفًا «كان بداخلي أمل أن أرى بيتي مرة أخرى بعد غياب طويل وما إن بدأنا الاقتحام حتى بدأ عناصر النظام يهربون أمامنا».
تعمّد محمد القتال على محور المشفى الوطني، الذي يبعد عن بيته أمتارًا قليلة، وتمكن مقاتلو الجيش الحر التقدم عشرات الأبنية في المنطقة، ويقول «بدأت أتذكر كل تفاصيل الأبنية والمحلات التجارية وحتى سكانها وأقول يا ترى ماذا حل بهم بعد هذه المدة، وعند وصولنا إلى البيوت العربية قرب منزلي بدأت حرب الطلاقيات، لأن قناصات النظام رصدت جميع الطرق».
ويضيف محمد «تحولنا إلى حفر الطلاقيات داخل البيوت ولم يعد بإمكاننا تحديد موقعنا بدقة، وعند تمشيطنا أحد المنازل وجدت كتابًا لفت نظري وشعرت بأنه يخصني، فتحته فوجدت اسمي مكتوبًا عليه، عادت بي الذاكرة، إنه كتابي الذي أعطيته لصديقي مروان رحمه الله، أنا في منزل صديق العمر»، ويردف «نظرت من النافذة فشاهدت بيتنا لكنني لا أستطيع دخوله بسبب تمركز الجيش فيه».
«لا أستطيع وصف شعوري في هذه اللحظة، منزلي بقربي ولا أستطيع دخوله بسبب تمركز الجيش فيه»، يتابع محمد «عدت إلى منزل صديقي وتجولت فيه أسترجع ذكريات الطفولة التي عشناها، ودخلت غرفة مروان وبحثت عن ذكرياتي فوجدت كتبي التي كنا ندرس بها، بدأت أقلب بين الصفحات وتمنيت لو يعود الزمان للوراء».
كانت فرحة محمد بدخول بيت رفيقه أكبر من فرحة التحرير، لكن تبعها غصة كبيرة، لأن مروان لم يكن معه في هذه اللحظات، ويوضح «استشهد قبل عامين ولحقه أخوه أيضًا خلال قتالهما ضد قوات الأسد والميليشيات المساندة له».
منازل «على العظم»
لم يبق في المنطقة المحررة، التي تزيد مساحتها عن 2 كيلومترٍ مربع، إلا جدران الأبنية، فقد سرقت قوات الأسد و»الشبيحة» أثاث المنازل والمفروشات والكهربائيات، وحتى أدوات الصحية والمياه وأسلاك الكهرباء الممدة في جدران المنازل، حتى عادت «على العظم».
وكانت صورٌ مسربة أظهرت خلال العامين الماضيين انتشار أسواق للمستعمل في منطقة السومرية القريبة وحي المزة 86، وهما معقلان لضباط النظام وشبيحته، بأسعار رخيصة جدًا مقارنة بالأسواق، وقد وجد عددٌ من الأهالي النازحين بضائع بيوتهم معروضة للبيع.
كثيرون من مقاتلي الجيش الحر في المدينة عادوا إلى حاراتهم خلال المعركة، ورغم فرحتهم بالانتصار إلا أنهم يصفونها بالمنقوصة حتى عودة أهالي هذه البيوت النازحين إليها.
يختم محمد «نعيش اليوم بين ذكريات الماضي وأحلام المستقبل، وأصبحنا نبحث عن ذكرى جميلة تنسينا همنا، نتحدث عنها آخر النهار لننام ونحلم بغد أجمل».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :