إعداد محمد رشدي شربجي
بالتعاون مع أرشيف المطبوعات السورية
أنتجت الثورة السورية واحدة من أكبر المآسي الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة فاق عدد النازحين داخل سوريا 7 ملايين، في حين أن النازحين خارج سوريا زاد عددهم عن 4 ملايين، عدا عن مئات الآلاف من الشهداء والمعاقين والمفقودين، ودمار شامل للمدن والبنى التحتية، ولا يبدو أن هناك حلا قريبًا لهذا الصراع.
عاجلًا أم آجلًا سيتم التوصل في نقطة ما إلى حل سياسي ترضى بموجبه جميع الأطراف لإيقاف الحرب وشلالات الدماء، وحينها فإن معالجة الانتهاكات الجسيمة ومحاسبة المتسبيين بهذه الكارثة والسعي لتضميد الجراح سيكون من تحديات المرحلة الانتقالية، وسيكون بلا شك دور الإعلام مهمًا في تهدئة النفوس وتغليب المصالحة على الانتقام.
نقدم في المادة التالية بحثًا موجزًا عن مفهوم العدالة الانتقالية، ونسلط الضوء بشكل خاص على تعاطي صحف الإعلام السوري الجديد مع هذا المفهوم، ونختم ببعض التوصيات.
ما المقصود بالعدالة الانتقالية؟
يتحدث الكثير من المفكرين والمنظمات عن تاريخ العدالة الانتقالية الطويل، أي منذ الحرب العالمية الثانية وسبعينيات القرن الماضي، في حين لم تصل هذه العبارة حقيقة إلى الاستعمال إلا عام 1992، بحسب الباحث صباح المختار، إذ استعملت أول مرة في مؤتمر مبادرة الميثاق 77 الذي عقد في أستراليا، وهي مبادرة لمناهضة الشيوعية في بلدان شرق أوروبا.
وفي تقرير للأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، يعرّف العدالة الانتقالية بأنها «تشمل كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم وتجاوز تركة الماضي الواسعة النطاق بغية كفالته للمساءلة وإحقاق العدل وتحقيق المصالحة»، وقد ربط كوفي عنان ذلك باستراتيجيات شاملة بحيث تتضمن الاهتمام على نحو متكامل بالمحاكمات الفردية ووسائل جبر الضرر وتقصي الحقيقة والإصلاح المؤسسي أو أي شكل يدمج على نحو مدروس هذه العناصر على نحو ملائم.
فالعدالة الانتقالية هي مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر، وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات، وضمان عدم التكرار، وقد تشتمل هذه العمليات لجانًا لتقصي الحقائق، بالإضافة إلى طرق لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وهو ما قد يتطلب صياغة دستور جديد أو إصلاح الدستور القديم جنبًا إلى جنب مع تبني قوانين جديدة وإيجاد المؤسسات اللازمة».
وتعتبر الحقيقة والذاكرة من مواضيع العدالة الانتقالية، فيحق للمجتمعات معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان عقب نزاع مسلح أو ممارسات القمع.
متى بدأ الاهتمام بهذا المفهوم
تزايد الاهتمام بهذه القضية بدءًا من منتصف القرن العشرين، حين كانت النزاعات تؤدي إلى معاناة إنسانية هائلة تؤدي في الغالب إلى وفاة الملايين ومعظمهم من المدنيين، وكان الرأي العام الدولي يزداد مطالبة عقب حدوث متل تلك الانتهاكات بإيجاد نظام يستجيب لمتطلبات العدالة وصولًا إلى الحقيقة بما يؤمن المصالحة أيضًا، ولاسيما بعد المساءلة، وأحيانًا كان يطلق على هذا النوع من العدالة مصطلح «عدالة ما بعد النزاعات»، وعلى أساسه تم وضع مبادئ شيكاغو التي أعدت لتحقيق عدالة ما بعد النزاعات. فـ «العدالة الانتقالية تندرج ضمن أفق في التفكير يرى أن التحول الديمقراطي يمكن أن يحصل بالتوافق التاريخي الذي يعتمد جملة من الخطوات والإجراءات المسنودة بإرادة سياسية».
وأيًا ما كانت التسمية التي أطلقها الباحثون على هذا النوع من العدالة، فإنه من المهم الإشارة إلى أن الخبرة والدوافع السياسية والأخلاقية والقانونية أخذت بالتبلور وإن ببطء في عدد من التجارب الدولية وفي عدد من مناطق العالم، ولاسيما في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يخص ضحايا النازية، من ثم في أمريكا اللاتينية بعدما حصل في تشيلي إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بينوتشيه، ومن ثم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في شرق أوروبا وبعد توحيد الألمانيتين.
نماذج من أوروبا الشرقية
ويشير الباحثون في تجارب دول أوروبا الشرقية إلى نموذجين أساسيين تم تطبيقهما هناك: الأول دعا إلى الاستمرارية القانونية، وهو الذي مثلته تجربتا بولونيا وهنغاريا، وخصوصًا أن التغيير فيهما كان سلسًا وسلميًا وتواصليًا.
أما الثاني فهو تجربة ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا، حيث ارتفعت دعوات القطيعة مع الماضي واستخدام العدل العقابي والتاريخي.
وفي تجارب أخرى ساهم المجتمع الدولي في تحقيق المصالحة السياسية داخل مجتمع بعينه باستخدام منظور العدالة الانتقالية، كما هي الحال في عمليات بناء السلام بعد انتهاء حروب أهلية، كما حصل في السلفادور وغواتيمالا.
المغرب.. أولى التجارب العربية
بدأت منذ نحو ثلاثة عقود فكرة العدالة الانتقالية تدخل الأدب الحقوقي والسياسي الحقوقي على المستوى العربي، بدءًا من المغرب مرورًا بمصر ووصولًا إلى بلدان المشرق العربي، وهو أمر له علاقة بانتشار الثقافة الديمقراطية بوجه عام والثقافة الحقوقية بشكل خاص، ولاسيما علاقته بانتشار منظمات المجتمع المدني خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتشار الثورات في شرق أوروبا.
ولعل الأسبقية في البلدان العربية تعود لمملكة المغرب العربي حين قرر الملك محمد السادس الاعتذار عن تاريخ والده الحسن الثاني وأسس هيئة الإنصاف والمصالحة برئاسة الناشط الحقوقي بن زكري، الذي كان قد أمضى 17 عامًا في سجون الحسن الثاني، وكان الهدف من أعمال الهيئة هو «المساهمة في طي صفحة الماضي، والعمل على تفادي حدوث مآس أخرى جديدة في الحاضر والمستقبل»، وقد أحصت الهيئة ما ارتكب من انتهاكات في فترة الملك الراحل الحسن الثاني، ومن ثم أشرفت على جبر الضرر والتعويضات، وأصدرت تقريرًا وتوصيات التزمت بها الدولة المغربية.
كما كان مفهوم العدالة الانتقالية حاضرًا باستمرار في النقاشات التي أعقبت سقوط الأنظمة في دول الربيع العربي، وقد خطت مصر واليمن وليبيا وتونس خطوات مهمة في هذا المجال، إلا أن تعثر الثورات وانقضاض الثورة المضادة ساهما بتعطيل هذه الجهود إلى حد كبير.
العراق.. تجربة كارثية
ونذكر من التجارب الكارثية للعدالة الانتقالية في العالم العربي تجربة العراق، حيث تأسست هيئة اجتثاث البعث في عام 2003 برئاسة أحمد الجلبي، بغية «تطهير» الدولة العراقية من الكوادر البعثية، وخلال عشر سنوات من عمل الهيئة سرحت الهيئة عشرات آلاف الموظفين من أعمالهم، وقد اكتنف عملية الاجتثاث تسييسًا شديدًا وغموضًا كبيرًا، وهو ما صبغها بعامل الانتقام الطائفي، وبالنتيجة فإن عشرات الآلاف الذي فقدوا وظائفهم أصبحوا أعداء للدولة الجديدة، وأسهموا بشكل كبير في التمردات المسلحة فيما بعد.
هل من الممكن أن يكون هناك عدالة انتقالية في سوريا؟
يرى الأستاذ حازم نهار في مقال نشره في العدد العاشر من جريدة عنب بلدي، بتاريخ 8 نيسان 2012، أن هناك عدة نقاط مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار بخصوص العدالة الانتقالية في سوريا بالاستفادة من التجارب العربية والعالمية:
1. أهمية السياقات الوطنية في تحديد مسارات العدالة الانتقالية.
2. الترابط القوي بين العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي وأهمية توفر الإرادة السياسية.
3. أهمية دور الضحايا في إنجاح تجربة العدالة الانتقالية.
4. حيوية الدور الذي يمكن أن تلعبه الجميعات المدنية في صيرورة العدالة الانتقالية.
5. أهمية الحوار بين النخب والمكونات السياسية في المجتمع كخطوة نحو الانخراط في صيرورة العدالة الانتقالية.
6. يجب أن يدرك الشعب السوري أن تحقيق العدالة الانتقالية سيحتاج لسنوات.
7. أهمية الإصلاح القضائي.
8. أهمية الوقوف ضد الدعوات التي تقول بحل حزب البعث الحاكم في سياق الدعوة لإسقاط النظام. لأن ذلك قد يكون إعادة تأسيس لمبدأ الحظر السياسي بحسب نهار.
كما يرى الباحث جيرمي ساركين أن العفو وجبر الضرر والتعويضات هي خيارات سوريا فيما يخص العدالة الانتقالية.
وبكل تأكيد فإن هناك معوقات هائلة ستقف بوجه العدالة الانتقالية في سوريا، نذكر منها:
1. سيحدد الحل التفاوضي السياسي مسار العدالة الانتقالية في سوريا، وفي هذه الحالة من الممكن أن يكون ثمن القبول بحل سياسي هو الحصانة القضائية والإفلات من العقاب، الأمر الذي سينقل مجرمي الحرب في سوريا ليتصدروا المشهد السياسي، مثلما حصل في لبنان.
2. الأعداد الكبيرة جدًا للمتورطين في ارتكاب الجرائم في سوريا، وستخلق محاولة اعتقال كل هؤلاء ومحاسبتهم على جرائمهم اضطرابات هائلة في بلد هش مثل سوريا، وسيعني ترك هؤلاء الإفلات من العقاب والمساءلة الجنائية، كما حصل في الأرجنتين[1] .
3. ما هي المرجعية القانونية التي ستحكم عمل المحاكم ولجان الحقيقة؟ فالقضاء الآن في سوريا يعاني من تشظٍ هائل، بين قضاء خاضع تماما لسلطة الأسد، وعشرات الهيئات الشرعية الخاضعة للمعارضة، ومحاكم كردية.
4. ما هو النظاق الزمني لرصد الانتهاكات؟ بداية الثورة 2011؟ أم بداية انقلاب البعث 1963؟ أم قبل ذلك؟
5. قد يفشل القضاء المحلي تحقيق هذه المهمة، ويتم تحويل القضايا إلى محكمة الجنايات الدولية، وإذا أخذنا بالاعتبار أن سوريا ستكون دولة فقيرة بشعب أنهكه الحرب والفقر، فما هي الأولوية هنا؟ تمويل المحاكم الدولية علما أن كلفتها مليارات الدولارات؟ أم تأمين القوت وسبل الحياة للمواطنين؟
المنظمات السورية للعدالة الانتقالية
تشكلت عدة منظمات وهيئات للعدالة الانتقالية في سوريا، ونستطيع القول إن نشاطها يتركز بصفة أساسية على التوثيق، وإصدار بعض التقارير الدورية وتنظيم الورشات حول العدالة الانتقالية، ونذكر منها بعض المنظمات لخصوصيتها:
الهيئة السورية للعدالة الانتقالية
تأسست الهيئة بقرار من رئيس الحكومة المؤقتة، أحمد طعمة، أواخر عام 2013، ثم عقدت مؤتمرها التأسيسي في شهر آذار 2014 برئاسة المعارض رضوان زيادة، وبكادر 12 موظفًا، وقد شاب عمل الهيئة بيروقراطية شديدة أفقدتها فاعليتها، واقتصر نشاطها على إنشاء قاعدة بيانات احترافية، وتنظيم ورشة عن العدالة الانتقالية، ثم توقفت عن العمل بعد عام، بسبب إفلاس الحكومة المؤقتة وعدم قدرتها على دفع مرتبات الموظفين، بحسب إفادة أحد موظفي الهيئة، وعلى مدى عام من عملها لم يرد ذكر اسم الهيئة إطلاقًا في أي من صحف الإعلام السوري الجديد.
المركز السوري للعدالة والمساءلة
تأسس المركز في شهر أيلول من عام 2012، بدعم حكومي أمريكي مغربي بإدارة الناشط الحقوقي محمد العبد الله، ولدى المركز مكاتب صغيرة في واشنطن ولاهاي. يعمل الآن بالتوثيق بشكل أساسي ولديه شبكة من العاملين داخل سوريا لتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف.
يرى العبد الله، خلال الحديث معه عبر سكايب، أن «دور صحف الإعلام السوري الجديد في خدمة العدالة الانتقالية هو أولًا التعريف العام للجمهور بهذه الأفكار الجديدة، ومحاولة إيصال أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التجارب السابقة، ومحاولة وضع المواطن السوري أمام الواقع وتحدياته والشروع في تقليب هذه الأفكار ومحاولة الوصول إلى حل»، معتبرًا أن «الشراكة مع الصحف المحلية لتسويق هذه المفاهيم وخدمتها مهم جدًا وضروري».
مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا
تأسس مركز المجتمع المدني في كانون الأول 2011، وترأسه الآن الناشطة رجاء التلي، وقد نظم المركز عشرات الورشات والندوات عن العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، وينشط في الشمال السوري، لاسيما في مدينة الحسكة، حيث عمل بشكل خاص على العلاقات الكردية العربية.
سعى المركز للتواصل مع صحف الإعلام السوري الجديد، فنشر على مدى أكثر من عشرين عدد في جريدة عنب بلدي زاوية أسبوعية للترويج لمفاهيم العدالة الانتقالية والمجتمع المدني والسلم الأهلي، كما نشر في جريدة ضوضاء وحنطة، ثم توقف عن النشر في الصحف بعد تأسيس صحيفته الخاصة «صور»، وهي مجلة شهرية صدر منها حتى الآن 22 عددًا.
الإعلام السوري المطبوع والعدالة الانتقالية
من الصعب متابعة كل ما كتب الإعلام السوري الجديد عن العدالة الانتقالية، ولذلك فقد حاولنا التركيز على بعض الصحف المحلية ذات الطبيعة الخاصة (جغرافيًا أو طائفيًا) وأخرى معروفة أكثر من غيرها، مستفيدين في بحثنا من الخدمات التي يقدمها موقع “أرشيف الصحف السورية”.
من الملاحظ بشكل عام غياب التغطية لمفهوم العدالة الانتقالية بشكل موسّع عند صحف الإعلام السوري الجديد، فاقتصرت التغطية غالبًا على مادة أو مادتين على فترات متباعدة، وبعض الصحف لم تأت على ذكر هذا المفهوم إطلاقًا، بالرغم من كون بعضها مهتمًا بالشأن القانوني والحقوقي بشكل عام، مثل صحيفة الكواكبي الحقوقية. ولكن من المهم الإشارة هنا إلى أن مواد الإعلام السوري الجديد بكافة أشكاله تشكل إضافة مهمة للعدالة الانتقالية، فمئات التقارير التي أنجزتها هذه الصحف تعتبر وثائق مهمة يمكن الاستفادة منها في مجال التوثيق وتحديد المسؤولية وحصر الضرر، كما أنها مهمة لحفظ الذاكرة السورية من الضياع من خلال التوثيق اللحظي لمشاعر الناس وعواطفها.
جريدة طلعنا عالحرية (الاستثناء الأبرز)
تعتبر «طلعنا عالحرية» الاستنثاء الوحيد، تقريبًا، فيما يخص تغطية مفهوم العدالة الانتقالية، فمنذ العدد صفر كتب أحمد كنعان مقالًا بعنوان «لماذا لا يمكن إقفال باب التوبة؟» ثم في العدد (1) كتب محمود كيلاني عن مسألة العفو «من سيعفو عن من؟»، ثم أفردت الجريدة تغطية واسعة لعرض هذا المفهوم على مدى أربعة أعداد متلاحقة، من العدد (3) إلى العدد (6)، وبعدها في العدد (7) نشرت مقالًا بعنوان «متى تحال جرائم النظام السوري إلى محكمة الجنايات الدولية؟»
ونستطيع القول إن التركيز على هذا المفهوم وتغطيته استمر حتى مراحل متقدمة من عمل الجريدة، كالمقال الوارد في العدد (29)، «الانتقام الحقيقي هو العدالة»، وغيره.
ومن الملاحظ في الأعداد الأخيرة تراجع الاهتمام بهذا المفهوم والتركيز على قضايا أخرى.
وتفسر رئيسة تحرير الجريدة، السيدة ليلى الصفدي، التغطية الواسعة في البداية لسببين أساسيين، «في البداية كان عندنا أمل كبير أن النظام السوري وشيك السقوط، وكنا نرى أن العدالة الانتقالية ستكون بلا شك من مفردات المرحلة القادمة، والسبب الثاني هو وجود السيدة رزان زيتونة والسيد ناظم حمادة ضمن كادر فريق الجريدة، وللاثنين باع طويل في العمل الحقوقي ويعتبر هذا المفهوم في صلب اهتمامهما، وغياب هذين السببين تحديدًا هو ما أدى إلى تراجع أولوية العدالة الانتقالية لصالح قضايا أخرى».
صحيفة ضوضاء
ركزت صحيفة ضوضاء على معنى العدالة الانتقالية والسلم الأهلي ومكافحة الطائفية بشكل متكرر، ففي العدد (1) قدمت تغطية واسعة لمؤتمر السلم الأهلي الذي عقد في اسطنبول، وفي العدد (2) نشرت مادة رأي بالتشارك مع مركز المجتمع المدني عن العدالة الانتقالية، وفي العدد (6) مقالًا بعنوان «نحو رؤية وطنية جامعة، ومشروع وطني مشترك، لدولة مدنية ديمقراطية» كتبه سعود المولى. كما نجد في ثنايا الجريدة على طول الخط بيانات ضد الطائفية، وتركيزًا خاصًا أثناء المقابلات على هذا الأمر، كما في العدد (4) مع العقيد مروان الحمد «لا نقاتل من منطق طائفي، أي بقعة من سوريا هي أرضنا والدفاع عن أهلنا يشرفنا».
ونعتقد أن توجه جريدة ضوضاء بخصوص قضايا العدالة الانتقالية والسلم الأهلي والطائفية يعكس بشكل واضح خصوصية المنطقة ذات الأغلبية الدرزية التي تغطيها الجريدة.
جريدة سوريتنا
فمنذ الأعداد الأولى خصصت جريدة سوريتنا «الصفحة القانونية» (غالبا ما تكون في الصفحة العاشرة)، للترويج لمفاهم ومعاني العدالة الانتقالية، ففي العدد الثامن كتب ياسر مرزوق مقالًا بعنوان «القضاء العسكري»، ثم عاد في العدد 13 ليكتب عن العفو الخاص والعفو العام، ثم بالتشارك مع ليلى السمان كتب مرزوق مقالًا هامًا بعنوان « المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية».
صحيفة سنديان
تمتاز سنديان بكونها واحدة من الجرائد المعارضة القليلة التي استطاعت، إلى حد ما، الدخول إلى «عالم» المؤيدين في الساحل السوري، وبسبب خصوصيتها المكانية هذه فقد ركزت بشكل خاص على قضايا الأقليات والتجنيد الإجباري في الجيش منذ العدد الأول « الأقليات والثورة… خيار الأقليات الأفضل»، ونشرت ملفًا خاصًا عن الثورة في مدينة السويداء، ثم بدءًا من العدد الثاني قدمت سلسلة بعنوان من أوراق الأقليات، نذكر منها من العدد الرابع «الشبيحة والساحل» و «النظام العلوي في سوريا» في العدد الخامس، ومادة عن العدالة الانتقالية في العدد السادس.
ويفسر رئيس تحرير سنديان، الذي نتحفظ على اسمه لأسباب أمنية، هذا التوجه بأن الجريدة «حاولت استهداف جمهورين متباينين تمامًا إن لم نقل أعداء، الناس في (كوكب) الساحل حاولنا مخاطبتهم بما هو موجود في العمق، بالشيء الذي يتحدثون به في سرّهم ولا يجرؤون الحديث به على العلن، ولكن عندما يقرؤون كلامنا يعلمون تمامًا أن هذا الكلام ينقل ألمهم وأوجاعهم، وحاولنا إيصال رسالة أن هناك في (الكوكب) المعارض شيء ما غير المسلحين والمندسين والمخربين والإرهاب كما يظنون».
ويضيف «من ناحية أخرى حاولنا أن نخاطب الشارع المعارض، ونريه أن هناك في الساحل (بشرًا) عاديين لهم حياتهم ومشكلاتهم العادية وليسوا فقط مجموعات من قطعان الشبيحة».
جريدة عنب بلدي
تعتبر تغطية عنب بلدي لمفهوم العدالة الانتقالية خجولة جدًا، فقد وردت مادة صغيرة عن المحكمة الجنائية الدولية في العدد الرابع، ثم مادة كتبها للجريدة الأستاذ حازم نهار في العدد العاشر بعنوان «العدالة الانتقالية ومبدأ عدم الإفلات من العقاب»، ومادة بالتشارك مع مركز المجتمع المدني والديمقراطية في ربع الصفحة الأخيرة من العدد 26، كما يلاحظ غياب تام لهذا المفهوم منذ أكثر من عام تقريبًا.
وعند سؤال رئيس تحرير عنب بلدي عن سبب غياب الاهتمام بالعدالة الانتقالية من قبل الجريدة، فسر ذلك بـ «ضعف المعرفة والثقافة بهذا المفهوم من قبل فريق العمل، ويضاف لذلك أن هناك شكوكًا كبيرة من قبل السوريين أننا سنصل يومًا ما إلى مرحلة العدالة الانتقالية مع التطورات الأليمة التي نراها في سوريا اليوم».
صحيفة تمدن، وصحيفة كلنا سوريون
تمدن جريدة أسبوعية، صدرت منتصف حزيران 2013، وقد صدر منها حتى الآن 90 عددًا، أما كلنا سوريون فهي جريدة نصف شهرية، صدر عددها الأول في شباط 2014 وصدر منها حتى الآن 37 عددًا.
نستطيع القول إن تناول كلا الجريدتين لمفهوم العدالة الانتقالية مشابه لعنب بلدي، حيث وردت مادتان عن العدالة الانتقالية، في جريدة كلنا سوريون في العدد (2) بعنوان «العدالة الانتقالية» بقلم مأمون جعبري، وفي العدد (9) مقال بعنوان «العدالة الانتقالية قراءة في المفهوم والحاجات».
ذات الأمر ينطبق على جريدة تمدن، إذ نجد مواد قليلة عن مفهوم العدالة الانتقالية، كمادة في العدد (7) «كيف للعدالة أن تكون انتقالية؟» ومادة في العدد (34) «العدالة الانتقالية من منظور الملاحقات الجنائية».
من اسمها، تحتاج العدالة الانتقالية إلى تهيئة ثقافية للمجتمع الذي يمر “انتقالًا” من حالة لحالة، من اضطراب لاستقرار، ومن حرب لسلم، أو من ديكتاتورية إلى نظام أكثر انفتاحًا، ولذلك فإن انسداد الأفق السياسي في الثورة السورية، و “ابتعاد” المرحلة الانتقالية، إن جاز التعبير، وضعف الاطلاع بمفهوم الإعلام البديل، هي الأسباب الرئيسية التي جعلت تغطية صحف الإعلام الجديد لهذا المفهوم ضعيفة وخجولة.
ولكن بالرغم من ذلك فإن الإعلام الجديد خدم قضية العدالة الانتقالية بشكل غير مباشر من خلال توثيقه للحظة وتخليده للذاكرة، فالصحف الجديدة مليئة بالتقارير والقصص التي تشكل إفادة كبيرة من ناحية قانونية وتوثيقية، عدا عن حفظ الذاكرة كما ذكرنا.
إن المجتمع المدني ومنظماته هو من أبرز ضمانات نجاح العدالة الانتقالية، ولذلك فإنه يتوجب على صحف الإعلام الجديد أن تسعى للتشارك مع المراكز السورية المختصة بمفهوم العدالة الانتقالية بهدف التسويق والترويج لهذا المفهوم وتجميع الجهود وعدم تشتيتها، لما لها من أهمية، كون معظمها يطبع ويوزع في أوساط السوريين ومجتمعاتهم، التي لازالت، في غالبها، تفتقر إلى هذه الثقافة.