مصارف التمويل الأصغر.. قانون “تجميلي” لا يحمل دعمًا لذوي الدخل المحدود
بينما ينتظر سوريون عاملون في مناطق سيطرة النظام السوري زيادة رواتبهم، أو إيجاد آليات تنظيمية لمواجهة ارتفاع الأسعار وضبطها، عقب التدهور الأخير الذي تشهده الليرة السورية بُعيد طرح ورقة نقدية جديدة للتداول، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، قانونًا يسمح بموجبه بتأسيس مصارف التمويل الأصغر.
اعتمد مجلس النقد والتسليف التابع لمصرف سوريا المركزي، الاثنين 22 من شباط، التعليمات التنفيذية للقانون، والمتعلقة بالترخيص والتسجيل لهذه المصارف، بما فيها نفقات التحقيق والتسجيل، وضوابط الشريك الاستراتيجي، وتوفيق الأوضاع القائمة حاليًا مع أحكامه.
ويأتي القانون بعد أسابيع على طرح ورقة نقدية جديدة للتداول في الأسواق، ما أدى إلى تدهور جديد في قيمة الليرة السورية، وبالتالي ارتفاع الأسعار بمختلف القطاعات في السوق السورية، ومزيد من التراجع في قدرة المواطنين الشرائية.
وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء 3500 ليرة سورية اليوم، الثلاثاء 23 من شباط، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الليرة السورية والعملات الأجنبية، بينما بقي سعر الصرف ثابتًا بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي عند مستوى 1256 ليرة للدولار الواحد.
ما التمويل الأصغر؟
وفقًا للقانون رقم “8” لعام 2021 الصادر في 20 من شباط الحالي، تمنح “مصارف التمويل الأصغر” قروضًا تشغيلية لشريحة محدودي الدخل، من أجل تأمين دخل إضافي لها، وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وتنص المادة “2” من القانون على أنه يهدف إلى “تحقيق النفاذ المالي لأكبر شريحة ممكنة من ذوي الدخل المنخفض (…) وذلك من خلال تقديم المنتجات والخدمات المالية المختلفة في مجالات الائتمان والادخار والتأمين، والخدمات غير المالية المرتبطة بها، من التدريب وبناء القدرات وتقديم المشورة للعملاء وغيرها، بهدف تأمين دخل إضافي، وخلق فرص العمل، وتحسين نوعية الحياة سعيًا وتعزيزًا للبعد الاقتصادي والاجتماعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة”.
التمويل الأصغر، هو تقديم قروض صغيرة جدًا لذوي الدخل المحدود الذين لا يتمكنون من الحصول عليها من القطاع المصرفي، لمساعدتهم في إيجاد فرص عمل والدخول بنشاطات إنتاجية، أو لتنمية مشاريعهم المتناهية الصغر. |
ويروّج النظام السوري من خلاله مسؤوليه إلى أن القانون يحمل بُعدًا اجتماعيًا وتنمويًا، ويهدف إلى مساعدة الكثير من العائلات والأفراد الذين يودون الحصول على فرص عمل أو تحسين دخلهم، وبالتالي تحسين مستوى معيشتهم.
وأوضح حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، أن سقوف القروض وفق التعليمات التنفيذية تتراوح بين 15 و30 مليون ليرة سورية، وأنه لا يمكن في العموم تحديد سقوف القروض، لأنها ترتبط بالظروف والمتغيرات الاقتصادية، ولذلك ينظر فيها مجلس النقد والتسليف ويحددها بناء على الاحتياجات والظرف الاقتصادي.
كما أوضح قرفول خلال ورشة عمل نفذتها وزارة الإعلام السورية أمس، الاثنين، أن كل الضمانات والكفلاء والأوراق الخاصة في طلبات القروض من مصارف التمويل الأصغر تحددها طبيعة القرض ودراسته من المصرف المانح، ففي بعض القروض قد لا تكون الضمانات مطلوبة في حين يحتاج قرض آخر إلى ضمانة وكذلك إلى كفلاء.
وأكد أنه لا يمكن إيداع الأموال بالقطع الأجنبي في هذه المصارف، لأنها ليست وعاء ادخاريًا واستثماريًا لهذه العملات، وإنما الأساس في عملها تحقيق أبعاد تنموية واجتماعية إلى جانب الربحية المعقولة التي تسمح لهذه المصارف بالاستمرار في عملها ونشاطها.
توجه المصارف المركزية الاقتصاد الكلي بشكل غير مباشر عن طريق المصارف، وعن طريق التحكم بحجم الائتمانات أو بحجم التسهيلات الممنوحة لأي قطاع، لتنمية القطاعات المختلفة في الدول وإعادة تنشيطها.
وتتمثل الغاية من التسهيلات الائتمانية في كونها تنموية، وتنشط عادة الحياة الاقتصادية، لكن الوضع في سوريا لا يسمح بتنمية الاقتصاد بمثل هذه القوانين، لأن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى إعادة بناء الاقتصاد السوري بالمجمل، بحسب باحثين اقتصاديين التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق.
يرى الباحث والمحاضر في العلوم المالية والمصرفية منهل العثمان، أن القانون الجديد لن يترك أثرًا اقتصاديًا كبيرًا، لوجود نحو 20 مصرفًا عاملًا في القطاع المصرفي السوري سابقًا، ولأن مصارف التمويل الأصغر ستضخ مبالغ صغيرة تهدف إلى تمويل مشاريع “متناهية في الصغر”، كشراء بقرة على سبيل المثال.
وأوضح الباحث أن تمويل المشاريع الصغيرة كان موجودًا في سوريا سابقًا، ويُدار من قبل “هيئة مكافحة البطالة”، والفرق الوحيد بين الحالتين أن المصارف ستقبل الودائع، لذلك لن يكون له تأثير اقتصادي، لأن مشكلة القطاع المصرفي والنقدي في سوريا أعمق بكثير من تأسيس مصارف بهذا الشكل.
أُحدثت “الهيئة العامة للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة” بموجب القانون رقم “71” لعام 2001، بهدف دراسة وتمويل وتنفيذ مجموعة من الأنشطة الإنتاجية والخدمية التي من شأنها المساهمة في توليد الدخل، وتوفير فرص عمل، وإيجاد مجالات جديدة للعمل والإنتاج، وتنويع هيكل القطاع الاقتصادي والخدمي، واستيعاب قوة العمل المتوفرة والداخلة الى سوق العمل لأول مرة.
ويشمل البرنامج المشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية الصغيرة منها والمتوسطة، و الصناعات اليدوية والآلية، وخاصة التقليدية في الأرياف على مستوى المحافظات، بالإضافة إلى المساهمة في الحد من مشكلة البطالة، خاصة في المناطق الريفية والصحراوية من خلال تخصيص 20% من موارد البرنامج كمنح تعطى للمشاريع الجماعية التي تحقق ذلك. |
وأشار الباحث إلى أن العملة السورية “منهارة” في الأساس، ولا يوجد لها أي غطاء إنتاجي أو غطاء من الذهب أو الفضة أو العملة الصعبة، كما أن السياسة المالية في سوريا غائبة، وجباية الضرائب والرسوم غير موجودة بشكل فعال، ولذلك سيستمر التضخم وسيستمر انخفاض الليرة السورية.
ولذلك يرى أن القانون الجديد عبارة عن “حركة تجميلية لإرضاء بعض الموالين” في ظل انهيار الاقتصاد بقطاعاته الثلاثة، التجارية والنقدية والمالية.
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
ذريعة للتغلغل في المجتمع السوري
شهد العقدان الأخيران نشوء منهجيات جديدة قوية لتقديم خدمات التمويل الأصغر، وخاصة القروض الصغرى، بعد أن كانت تعاونيات القروض تخدم فئة من العملاء لا تهتم بها المصارف التجارية، بحسب دراسة صادرة عن مجموعة البنك الدولي.
ولعبت المنظمات غير الحكومية دورًا رائدًا في هذا المجال، إذ يتركز أغلب الاهتمام على التمويل الأصغر من تلك المنظمات على الرغم من عدم وجود نظام أساسي قانوني يخولها الدخول في أنشطة الوساطة المالية.
وأوضحت الدراسة أن الجهات المانحة والحكومات تتوقع أن إقامة إطار تنظيمي خاص للتمويل الأصغر سيسرع نشوء مؤسسات تمويل أصغر مُستدامة.
ويمنح القانون الجديد صلاحيات تأسيس المصارف لجمعيات أو مؤسسات خاصة سورية أو مؤسسات غير سورية تمتلك الخبرة والكفاءة بهذا النوع من النشاط، لكن يشترط في الجمعيات والمؤسسات الخاصة السورية أن تكون حاصلة على صفة النفع العام وفق القوانين النافذة.
ويشترط في الأشخاص غير السوريين عند التأسيس أو المساهمة الحصول على موافقة مسبقة من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس النقد والتسليف.
ويرى الباحث منهل العثمان أن سماح القانون لمؤسسات غير سورية بتأسيس المصارف يحمل أهدافًا سياسية وأمنية، كالسماح لبعض الدول، ومنها إيران، بالدخول إلى المؤسسات وتمويل مشاريع صغيرة بفوائد صفرية وتسهيلات كبيرة، وخصوصًا بمناطق الأرياف في شرقي سوريا ومناطق الجنوب السوري، للتغلغل أكثر في المجتمع السوري.
صعوبات وتحديات عامة
تتمثل أبرز التحديات التي تواجه مصارف التمويل الأصغر، بحسب دراسة مجموعة البنك الدولي، بالإشراف الفعّال على عملها، إذ إن أكثر التنظيمات المصممة بعناية ستكون عديمة الفائدة أو أسوأ من ذلك إذا لم يكن تطبيقها بإشراف فعّال.
وتعد القضايا المتعلقة بالملكية واحدة من تلك التحديات، إذ تشمل ملكية أي مصرف تجاري عادة أشخاصًا لديهم قدر كبير من أموالهم الخاصة التي تتعرض لـ”الخطر” في ذلك المصرف.
وهؤلاء الملاك يريدون عائدًا ماليًا من المصرف، ولا يمكنهم أن يحصلوا عليه إلا بعد تسديد جميع المطالبات التي تخص الآخرين، كما أن لديهم حافزًا قويًا لمراقبة أداء مدير المصرف عن كثب للتأكد من أن ذلك الأداء يتفق مع سلامة استثماراته، وبذلك فإن هذا النوع من الملاك هو خط دفاع مهم جدًا لسلامة المصرف.
ومعظم مؤسسات التمويل الأصغر اليوم ليس لديها هذا النوع من الملكية، فنادرًا ما تمثل مبالغ ضخمة من الأموال من جهات خاصة تسعى إلى الربح جزءًا كبيرًا من قاعدة أصولها.
كما أن مسألة التنظيم وأسعار الفائدة من أبرز الصعوبات التي تواجه عمل مصارف التمويل الأصغر.
وذكرت الدراسة أن دفع الحكومات لوضع أطر قانونية للتمويل الأصغر قد يكون مصحوبًا في بلدان قليلة بمخاطر الشروع في تنفيذ عملية يمكن أن تكون نتيجتها فرض ضوابط على أسعار الفائدة، ويمكن لتلك الضوابط أن تجعل الإقراض الأصغر المستدام مستحيلًا.
ولا يمكن أن يكون الإقراض الأصغر مستدامًا إلا إذا أمكن تقاضي أسعار فائدة من المقترضين أعلى، ويمكن أن تكون أعلى بكثير من الأسعار المعتادة في المعاملات المصرفية الاعتيادية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :