عبادة كوجان – عنب بلدي
تصدرت قضية اللاجئين السوريين الأسابيع الماضية العناوين الرئيسية في الصحف ووكالات الأنباء العالمية والعربية والمحلية، نظرًا للمآسي والحوادث التي رافقت هجرتهم غير الشرعية باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، ولاسيما خلال شهري آب وأيلول من العام الجاري.
من بين الآلاف الذين يتعثرون يوميًا على طرقات التهريب أو يقضون في مياه البحار، نال ثلاثة من اللاجئين السوريين اهتمامًا إعلاميًا لافتًا، حوّل مآسيهم إلى قضايا رأي عام، تناولها الإعلاميون والسياسيون في أوساطهم، وغيرت مجرى حياتهم، ليغدوا مشاهير في زمن «النكبة السورية»، فمن هم؟
عبد الحليم العطار (بائع الأقلام)
يقول أحد النشطاء في تغريدة له، إن قصة بائع الأقلام في شوارع بيروت، ستتحول إلى رواية شهيرة ينسجها الأدباء وتختزل في سطورها واقع اللجوء السوري في دول الجوار.
صورة عبد الحليم العطار، بائع الأقلام المنهك، اللاجئ في لبنان، والذي يحمل طفلته النائمة على كتفه في شوارع العاصمة بيروت، باحثًا عن زبون يشتري منه قلمًا يقيه سؤال الناس، وجدت طريقها إلى ناشط نرويجي يدعى «جيسور سيمونارسون»، تعاطف معه وأطلق حملة إلكترونية في 27 آب الماضي للبحث عن الرجل ومساعدته من خلال جمع التبرعات، وصلت خلال نصف الساعة الأولى إلى 5 آلاف دولار.
العطار سوري فلسطيني الأصل، من سكان مخيم اليرموك في دمشق، لجأ إلى لبنان مع أطفاله عبد الإله (9 سنوات)، وريم (4.5 سنة)، قبل أكثر من سنة، وشغلت قضيته وسائل إعلام عربية ودولية عديدة، وأجريت معه عدة لقاءات في منزله المتواضع في بيروت.
حملة التبرعات لازالت مستمرة حتى اليوم، وتجاوزت المبالغ التي جمعتها حاجز الـ 190 ألف دولار أمريكي، ستعود جميعها إلى عبد الحليم وأولاده، الذي قال إنه يطمح لتعليمهم، وتأمين حياة كريمة لهم.
عبد الله الشنو (والد الطفل الغريق)
ربما كانت صورة الطفل آلان، الأكثر شهرة في العالم خلال العام الحالي، نظرًا لما اختزلته من ألم وبؤس وحزن على حال الأطفال السوريين، الذين قضوا إما غرقًا أو تحت بالبراميل المتفجرة، وفي الشوارع يبيعون المناديل في أحسن حالاتهم.
ولقي آلان وعائلته حتفهم غرقًا قبالة شواطئ مدينة بودروم، الأربعاء 2 أيلول، بعد غرق قارب كان يقلهم نحو جزيرة كوس اليونانية في محاولة للهجرة نحو أوروبا، وغرق 10 أشخاص آخرين كانوا على متن القارب في حين نجا والد آلان، عبد الله الشنو.
صورة آلان احتلت الصفحات الأولى لعشرات الصحف الأجنبية والعربية والمحلية، وتداول قصته مسؤولو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كذلك حصل على بعض التعاطف من قبل مسؤولين عرب، في ظل تجاهل شبه كامل من إعلام النظام السوري.
واعتبر ماجد العلي، لاجئ سوري في ألمانيا، أن قضية آلان شكلت منعطفًا إيجابيًا للاجئين السوريين، وأحدثت تفاعلًا حقيقيًا وتعاطفًا مع قضية اللاجئين السوريين في أروقة صناعة القرار الأوروبي، من شأنها أن تقدم تسهيلات وتعديلات في القوانين، يسمح من خلالها باستيعاب آلاف الهاربين من الحرب في سوريا.
والد آلان، عبد الله الشنو، وحده كان المتضرر الأكبر لفقد عائلته كاملة، فقرر البقاء في مسقط رأسه مدينة عين العرب (كوباني)، رغم العروض التي انهالت عليه ليكون لاجئًا في ألمانيا أو كندا، لكنه حل ضيفًا على العديد من المنصات الإعلامية والصحف الغربية التي لا زالت تتعاطى مع قضية طفله.
أسامة عبد المحسن (المدرب)
وسائل الإعلام، التي تناقلت مقطعًا مصورًا لعرقلة الصحفية بيترا لازلو للاجئ فار من حاجز للشرطة على الحدود المجرية، لم تكن تهتم لجنسية الرجل وقصته، وتداولت المقاطع عشرات المرات في نشراتها ومواقعها للتشهير بالصحفية المجرية وإدانة عنصريتها. لكن صورة الرجل وهو يسقط حاملًا ابنه ذا السبع سنوات، أثارت تعاطف العالم وغضبه، ليتبين لاحقًا أنه السوري أسامة «الغضب»، مدرب نادي الفتوة لكرة القدم في دير الزور، والذي خاض معه منافسات دوري كرة القدم في سوريا.
الصحفية لازلو طردت من وظيفتها بعد انتشار المقطع بشكل كبير في وسائل الإعلام، مانحة الشهرة لضحيتها عبد المحسن، الذي استطاع العبور إلى ألمانيا، قبل أن يعلم أن الحظ ينتظره في إسبانيا. فمدير مركز تدريب لكرة القدم في مدينة خيتافي في ضواحي العاصمة مدريد، شاهد عبد المحسن واستطاع الاتصال به، عارضًا عليه فرصة التدريب في ناديه.
ميغيل آنخل كالان، مدير المركز، قال إن عبد المحسن وابنه زيد محظوظان “فقد استطعت أن أتصل معهما بعد أن رأيتهما في الأخبار ولكن هناك آلاف اللاجئين الذين يستحقون مساعدتنا».
ووفر المركز للأب وابنه مسكنًا لائقًا، بعد أن أمن له العمل كمدرب، ويسعى المركز لاستقدام زوجته وابنته وابنه الموجودين في تركيا، ومساعدته في الحصول على لجوء سياسي.
شهرة المدرب السوري لم تنته في ضواحي مدريد، فقد استقبل رئيس نادي ريال مدريد، فلورنتينو بيريز، أسامة عبد المحسن وطفله زيد، في مقر النادي، والتقطوا الصور التذكارية خلال التمرين مع لاعبي الفريق (الملكي)، بمن فيهم النجم العالمي كريستيانو رونالدو.
يعيش سوريو الخارج منذ أربعة أعوام في دول الجوار، كلاجئي خيام على الحدود أو ضمن المدن والبلدات، ويحاولون تحصيل دخل يقيهم العوز المادي ولو في الحدود الدنيا، في حين تستمر موجات الهجرة نحو القارة العجوز للحصول على قدر جيد من الأمان المادي والمعنوي، وتستمر معها الحوادث المؤلمة التي لا زلنا نشهدها حتى يومنا هذا.