يسعى النظام السوري منذ بداية الثورة للاستثمار بملف الجرحى في صفوف قواته، دون تقديم تعويضات ملموسة لمن فقدوا أطرافهم خلال دفاعهم عن بقاءه في السلطة.
وأصدر النظام على مدار السنوات الأخيرة جملة من القرارات “التجميلية” والمراسيم التي منحت الجرحى من قوات النظام أو القوات الرديفة، بعض ما اعتبرها بالـ “امتيازات”.
وبدأ التلفزيون الرسمي منذ عام 2013، ببث برنامج بعنوان “قامات السنديان” في إشارة لعناصر قواته الذين تعرضون لإصابات مستديمة، سببت لهم حالات إعاقة أو فقدان أحد أعضاء الجسد، ولم تعدُ حلقات البرنامج المذكور كونها “دعم عاطفي” يصور هذه الخسائر باعتبارها “قرابين للوطن”، لا للسلطة.
أبرز امتيازات النظام لـ “أنبل بني البشر”
في 1 من شباط الحالي، نشرت رئاسة الوزراء عبر موقعها الرسمي توجيهًا بتسديد قروض جرحى العمليات العسكرية ممن تترواح نسبة العجز البدني لديهم جراء الإصابة في المعارك بين 40 و100%.
وتحدث مدير الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، لؤي العرنجي، في 7 من كانون الأول 2020، لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن نية الحكومة منح مكافآت شهرية للمقبولين في برنامج دعم وتمكين المسرحين، بقيمة 35 ألف ليرة سورية (نحو 12 دولارًا)، لمدة عام واحد.
وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في 26 من تشرين الثاني 2020، منح بطاقة تحمل اسم “جريح وطن“، لمن تفوق نسبة إصابتهم 40% من القوات العسكرية وأجهزة الشرطة، وكل من قاتل في صفوف النظام، وهي بطاقة تكريمية صدرت بموجب مرسوم تشريعي حمل رقم 13 لعام 2019.
وبموجب هذه البطاقة سيُمنح المصابون امتيازات محدودة الفائدة، ولا توازي حجم الخسارة الجسدية للمصاب، كتخفيض أجور النقل والإعفاء من رسم الطابع في المعاملات الحكومية، وتقديم ما وصفها المرسوم بالـ “خدمات العلاجية والوقائية”، وإعفاء الأجهزة التي المستوردة لاستخدامهم الشخصي من الرسوم الجمركية.
وفي 7 من تشرين الأول 2020 سمح “المؤتر العام لنقابة المحاميين” لجرحى النظام بمزاولة مهنة المحاماة والانتساب للنقابة، أيًّا كان مستوى إصابتهم، مع إعفائهم من رسوم التسجيل في النقابة.
وأصدر رئيس النظام، بشار الأسد، المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2019، وهو تعديل للمادة 46 من قانون المعاشات العسكرية، ويقضي بمنح الجندي الذي بلغت نسبة عجزه من 80 إلى 100% نسبة إعانة على المعاش مقدارها بين 75 و 100%.
كما أصدر في تشرين الثاني 2019، قانون “تعدد الإصابة” ويتناول الجرحى بين نسبتي العجز 40% و 80% ويقضي بانتقال الجرحى الذين هم دون نسبة العجز 40% إلى شريحة ما فوق الـ 40% مع حصولهم على معاش مدى الحياة، والجرحى الذين هم دون نسبة العجز 80% سينتقلون إلى شريحة العجز الكلي، وسيحظى جزء من الجرحى على زيادة في التعويض المالي مع انتقالهم إلى نسبة عجز أعلى.
وتصاعدت وتيرة الاتهامات في عام 2020 لجهات مسؤولة بإهمال جرحى وذوي قتلى قوات الدفاع الوطني الذين شاركوا في المعارك وقتلوا في صفوف قوات الأسد، واتخذت هذه الاحتجاجات من صفحة “صرخة وطن جريح”، التي اختفت في وقت لاحق من “فيس بوك”، منبرًا لها.
وفي كانون الثاني من عام 2019 أصدرت “الشبكة السورية للاتصالات” التابعة لوزارة الاتصالات في حكومة النظام السوري، قرارًا يقضي بمنح امتيازات على خطوط الهاتف الثابت لجرحى النظام ممن تجاوزت نسبة عجزهم 50%.
ومنح القرار للجرحى 130 مكالمة محلية مجانية شهريًا، بالإضافة إلى 20 مكالمة قطرية، وتخفيض سعر الاتصال من الهاتف الثابت إلى الهاتف المحمول لـ 11 ليرة سورية، واشتراك إنترنت شهري بسرعة 1 ميغا بسعر 1500 ليرة بد ًلا من 1900، وسرعة 2 ميغا بسعر 2500 بد ًلا من 3100.
وأعلنت حكومة النظام في أيلول 2018 عن منح الأولوية بالحصول على شقق في الطوابق الأرضية ضمن مشروع السكن الشبابي والعمالي لمن تفوق نسبة عجزهم 80%، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية “سانا“.
وأصدر النظام في أيلول من 2018 مرسومًا نشرته “سانا” يقضي بإعفاء ورثة قتلى قواته والمصابين بعجز بدني من 80% فما فوق، من الديون المتربتة في ذممهم من قروض ذوي الدخل المحدود لدى المصارف العامة، بما لا يزيد عن مليون ليرة سورية.
وفي تشرين الثاني من 2018 خصّت حكومة النظام ذوي القتلى بعشر علامات تفضيلية عند التنافس على شغل وظيفة عامة في مؤسسات الدولة.
وأصدر الأسد مرسومًا يحمل رقم 45 لعام 2018، وبحسب جلسة للبرلمان في 17 من كانون الأول من العام نفسه، يمنح المرسوم الجرحى حق الاكتتاب على سيارة سياحية معفاة من الضرائب والرسوم، وذلك رغم ارتفاع أسعار السيارات الذي يحرم شريحة واسعة من السوريين من اقتنائها.
وبلغ سعر السيارة من طراز “شام” حين صدور المرسوم، خمسة ملايين ليرة سورية، وعلى الجريح دفع قسط أولي يبلغ مليون و 200 ألف ليرة، بالإضافة إلى قسط شهري لمدة ست سنوات بقيمة حوالي 70 ألف ليرة.
ما مغزى هذه المراسيم؟
وقال العميد السابق في وزارة الدفاع في “الحومة السورية المؤقتة” عبد الله الأسعد، (عميد منشق عن قوات النظام)، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه المراسيم مخجلة، لا سيما بتدرجها من المبالغ الزهيدة إلى ما دون ذلك، ففي البداية شرع النظام بمنح مبالغ مالية تم اختزالها فيما بعد لبقرة وساعة حائط، وغيرها من الأشياء عديمة القيمة إذا ما قيست بروح الإنسان أو أعضاء جسده.
إذ “لا يولي قيمة للعنصر البشري، وبعد الإعاقة يجد العسكري نفسه بلا عون فهذه المراسيم بخسة وشكلية فقط”، بحسب الأسعد.
وكان للعسكري قبل الثورة مخصص يسمى بالصيانة والاعتناء والقرطاسية، ومن المفترض أن توزع هذه المواد على الجنود كل ثلاثة أشهر، مع 40 ليرة سورية وصابون وملابس يحصل عليها في المهمات ومجلة جيش الشعب.
وأضاف الأسعد أن هذه الأموال كانت تُسرق ويوزع للجندي فقط صابون وملابس لا توازي مقدار ما يحتاج، “فاللباس غير أنيق ولا يعكس صورة جدّية عن الأفراد العسكريين، بالإضافة إلى استغلال إدارة المهمات لما يقع ضمن صلاحياتها من مخصصات”، بحسب الأسعد.
ويعلل الأسعد ارتفاع الرواتب لدى المقاتلين المدعومين من إيران، قياسًا برواتب عسكريي النظام بأنه منهار اقتصاديًا، و”لأن الإيراني يسعى لتشييع العناصر المقاتلة في صفوفه، والاستعانة بها لحماية المواقع التي يسيطر عليها في المنطقة الشرقية”.
عن اعتقال قوات النظام لضابط برتبة مقدم في الجيش، يدعى معن عيسى، في آب 2020، بسبب انتقاده نوعية الطعام المخصص للقوات العسكرية المقاتلة، أوضح الأسعد أن الحديث بالطعام أو اللباس ممنوع، وأن المؤسسة العسكرية للنظام تتعامل مع العناصر كأدوات حماية للنظام.
ويستنزف النظام منذ سنوات الكادر البشري لقواته، حتى تجاوزت مدة خدمة بعض العناصر سبع سنوات، في حين تحوّل التسريح إلى مطلب متكرر يظهر من وقت لآخر عبر مواقع التواصل، فرغم إعلان “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة” في كانون الأول 2020، إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء الاحتياطي للضباط وصف الضباط والأفراد، لكن الفئات التني شملها الأمر الإداري محدودة، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
آراء عسكرية
وأوضح أن وضع الطبابة ليس أفضل بكثير، إذ يُمنح المريض نصف ظرف من حبوب “سيتامول” فقط، كعلاج لحالته المرضية، بغض النظر عما يعاني منه، وعن الدواء الذي يحتاجه.
ويتاقضى الشاب معاشًا شهرًيًا بصفته يخدم في صفوف الاحتياط، يبلغ 85 ألف ليرة سورية (أقل من 25 دولار)، ينفق 30 ألفًا منها كإيجار لمنزله، ويكفيه المبلغ المتبقي لمدة عشرة أيام بأفضل الظروف، بحسب ما قال.
واعتبر العقيد المنشق عن قوات النظام، فايز الأسمر في حديث إلى عنب بلدي، أن “كل قوانين النظام العسكرية وتعويضات نهاية الخدمة وتعويضات الإصابة، لا تسمن ولا تغني من جوع قبل بدء الثورة، فكيف يكون الحال أمام حالة الفقر والعوز التي يعاني منها السوريون مدنيين وعسكريين”.
“نحو 80% من ميزانية الدولة تذهب للمجهود الحربي والتسليح والتموين والمحروقات والرواتب، ولكن عمليًا يسرق وينهب معظمها من قبل القيادة العامة والأركان، وفق الأسمر.
“فهناك غش وبيع محروقات وتموين ومهمات الجيش للتجار والمنتفعين، بالإضافة لحالات تزوير واختلاس في الصفقات والعقود المبرمة مع دول أخرى ومع المؤسسات الداخلية أيضًا، بالإضافة إلى وجود رواتب وهمية تُصرف باسماء عناصر متوفاة”.
والمعونات لذوي الضحايا، بحسب الأسمر، “لا تعدو كونها مسرحية هزلية وبروباغندا إعلامية”.
ورغم أن المؤسسة العسكرية التابعة للنظام لا تفصح عن عدد الجنود النشطين في صفوفها، إلا أن موقع “Global Fire Power” قدّر عددهم بنحو 142 ألف جندي.