إدلب.. قرارات “الإنقاذ” لا تضبط ارتفاع الأسعار

  • 2021/02/20
  • 5:14 م
بائع خضرة وفواكه في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

بائع خضرة وفواكه في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

تقلب الأسعار وتفاوتها من محل تجاري لآخر، هو إحدى أبرز النتائج لقرار السلطات المحلية في مناطق الشمال السوري استبدال الليرة التركية بالليرة السورية، كحل لمشكلة التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، منذ حزيران 2020.

ولأن أسعار السلع والمنتجات مرهونة بسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية، لم تعطِ عملية الاستبدال النتائج المرجوة منها لحل إشكالية عدم ثبات الأسعار عند حد معيّن، وذلك لأن الأسعار ترتفع بارتفاع سعر الصرف الدولار الأمريكي أمام الليرة، وتبقى ثابتة عند انخفاض سعر الصرف.

وخالف تقلب أسعار المنتجات والسلع في الشمال السوري التوقعات الاقتصادية التي تنبأت بالاستقرار وحفظ القيم المالية وضبط الفوضى المالية والاقتصادية، من خلال عملة يكون لها أثر اقتصادي إيجابي على حركة الأسواق اليومية.

ويعتقد أهالٍ من المنطقة أن الوضع المعيشي قبل اعتماد تداول الليرة التركية في مناطق الشمال السوري كان “أفضل” من الوضع بعد اعتمادها.

صورة لـ”بسطة” جزر في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

ما أسباب ارتفاع أسعار السلع في إدلب

التقت عنب بلدي بأهالٍ من مدينة إدلب وأصحاب فعاليات تجارية عاملة في المنطقة، تحدثوا عن أسباب ارتفاع الأسعار وآثارها على حياتهم اليومية.

من وجهة نظر الأهالي

“التجار لا يرحمون العباد”، بحسب “أبو نجيب عرب”، وهو نازح منذ عام تقريبًا إلى مدينة إدلب من قرية البارة التابعة لجبل الزاوية شمال غربي المدينة.

يعاني “أبو نجيب”، كما فضّل التعريف عن نفسه لعنب بلدي، من ارتفاع الأسعار، ووجود فروقات بينها بقيمة نصف أو ثلاثة أرباع ليرة تركية، خاصة في غياب العمل الذي يؤمّن الدخل.

طالب “أبو نجيب” بطرح الفئات النقدية الصغيرة من العملة التركية للتداول في الأسواق، لتُعدل جميع أسعار المواد، وليربح التجار بنفس المقدار، بحسب ما قاله، مشيرًا إلى عدم إمكانية الاستغناء عن شراء أي مادة في ظل ارتفاع الأسعار، فهو “مجبر ولديه أطفال وعائلة يجب عليه إطعامهم”.

خالد درويش (27 عامًا) من سكان المدينة، يعمل على “مكبس بلوك” خلال فصلي الربيع والصيف فقط، ويحصل على دخل يومي يتراوح بين 20 و25 ليرة تركية، يرى أن أغلب التجار لا يلتزمون بالأسعار، وإذا ارتفعت قيمة الليرة التركية تبقى الأسعار كما هي ولا يخفضها التجار قرشًا واحدًا، وإذا انخفضت الليرة يرفع جميع التجار الأسعار، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويدفع ذلك الأهالي، بحسب خالد، إلى الاستغناء عن كثير من السلع والمواد، كاللحوم بأنواعها بشكل عام أو أنواع من الخضراوات.

مأمون خلف (34 عامًا)، وهو من أهالي مدينة إدلب، أرجع في حديث إلى عنب بلدي ارتفاع الأسعار في المدينة إلى التكاليف المالية للمحال التجارية، كإيجاراتها، والضغوطات المالية من الصناع، و”جشع نفوس التجار”، بحسب تعبيره.

واعتبر أن الدور الرقابي للسلطات المحلية في المنطقة ضعيف، ومع بداية تداول الليرة التركية كانت الرقابة فعالة أكثر وشُددت على المحال التجارية.

لكنه يرى أن الوضع تغير في الوقت الحالي، إذ يوجد تقصير، والتجار يسعّرون السلع كما يريدون، بحسب ما قاله، مطالبًا السلطات بزيادة الدوريات الرقابية وتشديد الأحكام الجزائية على التجار غير الملتزمين بالأسعار.

عوامل وأسباب

يرجع عدم انخفاض الأسعار في إدلب رغم تحسن قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية إلى عدة أسباب، أبرزها غياب الفئات النقدية الصغيرة من الليرة التركية، كالقطع المعدنية لفئات “5 و10 و25 و50 قرشًا”، ما يدفع التجار لجبر أسعار المواد التي تحمل كسورًا.

وأوضح تجار التقت بهم عنب بلدي أن المنتجات في المحال تظهر على أنها مسعّرة بالليرة التركية، لكن الأساس في التسعير هو الدولار الأمريكي، ويكون تسعير المواد بشكل يومي بحسب سعر الليرة التركية أمام الدولار.

وشهدت الليرة التركية تدهورًا، وانخفضت قيمتها لمستويات قياسية غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية، ووصل سعر صرف الدولار إلى 8.51 ليرة تركية، كأعلى سعر في تاريخ الليرة، في 6 من تشرين الثاني 2020.

كان ذلك قبل أن تعود لتتحسن قيمتها بعد موقف المصرف المركزي التركي تجاه الأسواق، ودخول أموال أجنبية إلى تركيا، ورفع سعر الفائدة، والتوقعات بانخفاض عجز الموازنة.

وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية اليوم، السبت 20 من شباط، 6.98 ليرة، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الليرة التركية والعملات الأجنبية.

وبحسب آراء الأهالي الذين التقت بهم عنب بلدي، فإن الدور الرقابي للفرق التموينية لحكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة ضعيف، وهو ما يتسبب بالفروقات في الأسعار بين المحال.

ولا تساعد القدرة الشرائية المنخفضة، والدخول المتدنية للأهالي في المنطقة، الناتجة عن غياب الفرص الوظيفية وندرة فرص العمل وموجات النزوح، على التلاؤم مع الأسعار غير المنضبطة.

أين الدور الرقابي؟

تشارك وزارة الاقتصاد في حكومة “الإنقاذ”، عبر معرفاتها الرسمية على الإنترنت، صورًا ومقاطع مصوّرة للجان تموينية تجول على المحال التجارية في مدن المحافظة، لضبط الأسعار، وضبط التعامل بالليرة التركية، ومراقبة صلاحية المنتجات، وإجراء الضبوط التموينية بحق المخالفين، بشكل شبه يومي.

وفي مقابلة أجرتها “وكالة أنباء الشام” المقربة من حكومة “الإنقاذ”، ونُشرت اليوم السبت، قال مدير التموين في سرمدا، أسامة الكل، إن الدوريات التموينية بالعدد الموجود حاليًا لا تلبي الحاجة، و”هناك حاجة إلى 100 مراقب لسد الفجوة بين وجود مراقب في السوق والعدد”.

ويبلغ عدد الدوريات التموينية في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة “الإنقاذ” 20 دورية، بحسب الكل، الذي أشار إلى أن هذا العدد غير كافٍ في ظل وجود عدد كبير من الفعاليات التجارية في المنطقة.

وعن آلية ضبط الأسعار، تحدث الكل عن دور “المراقب” من خلال فواتير البيع بين جميع الحلقات التجارية، وخاصة من تاجر الجملة إلى بائع المفرق، مؤكدًا ضرورة التزام التجار بنسب الأرباح المحددة من قبل الوزارة.

وأضاف الكل أنه بعد “التحقيق والتدقيق” بوجود المخالفة وارتكابها من قبل صاحب المحل، يُنظم الضبط التمويني اللازم بحقه، ويحال إلى القضاء مع إجراءات “أقوى وأقسى” كإغلاق المحل، وفي حال تكرار المخالفة، تكون العقوبات “أقسى” ويُحال المخالف إلى السجن.

ويرى مدير التموين أن قرارات وزارة الاقتصاد الأخيرة بتحديد نسب الأرباح لجميع الحلقات التجارية يضبط العملية التجارية.

الرقابة التموينية تجول على المحال التجارية في مدينة حارم للتأكد من صلاحية المواد وضبط أسعارها (وكالة أنباء الشام)

الجهات المسؤولة تتحرك لضبط الأسواق

بالتزامن مع بدء تداول الليرة التركية في مناطق الشمال السوري، اتخذت وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في مدينة إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب الغربي عدة قرارات لضبط الأسعار وتنظيم حركة الأسواق.

أول القرارات كان الإعلان بشكل واضح للعيان عن أسعار السلع النهائية وتحديد ضوابطها وتداول الفواتير النظامية، لتتبعه بعد أشهر قرارات تشدد على ضرورة تنظيم الفواتير والإعلان عن الأسعار وتنظيم بيع اللحوم في المنطقة، تحت طائلة المسؤولية.

الإعلان عن الأسعار

وفق قرار صادر في 30 من حزيران 2020، حددت الوزارة بشكل مفصل ضوابط الإعلان عن أسعار المنتجات، وأسعار السلع المباعة منها بالتجزئة، والمواد الصغيرة الحجم، وأسعار القطع المخفضة السعر.

وفرضت الوزارة على جميع الفعاليات التجارية والصناعية والخدمية والحرفية في المنطقة وضع السعر النهائي للمستهلك من قبل المنتج أو المستورد أو الحرفي على بطاقة البيان أو الغلاف أو العبوة بشكل واضح للعيان وصريح وغير قابل للإزالة أو الشطب، وذلك للسلع والمواد المحددة السعر أو المحررة من نسب الأرباح والمطروحة بالأسواق المحلية.

وألزمت باعة المفرق والجوالين بالإعلان عن السعر بخط واضح ومقروء في مكان بارز، مع توضيح نوع ووحدة البيع على السلعة ذاتها أو على أغلفتها أو على بطاقة توضع على المواد والبضائع.

تنظيم فواتير

وفرضت الوزارة على الفعاليات الاقتصادية في المنطقة تنظيم فواتير بمبيعاتها، وحددت نسبة الربح والعمولة على تجارة مواد غذائية.

واعتبرت البيع النقدي أساس التعامل، وتعتمد حلقات الوساطة التجارية على المنتج والمستورد وتاجر الجملة، ومن ثم التاجر وتاجر نصف الجملة والموزع ومن ثم بائع المفرق.

وأوجبت على الفعاليات التجارية والاقتصادية والخدمية والحرفية تنظيم فواتير بمبيعاتها (نقدًا أجلًا، بالأمانة) على نسختين وباللغة العربية بواسطة الكربون أو بواسطة الحاسوب، بشرط أن تتضمن رقم تسلسل، وتعطى النسخة الأصلية للشاري، ويحتفظ بنسخة متسلسلة لإبرازها إلى عناصر حماية المستهلك عند الطلب.

وتكون الفواتير لفئات منتجي المواد المصنعة محليًا على اختلاف أنواعها ومسمياتها عند البيع إلى الحلقات التجارية الأخرى على اختلاف صفاتها التجارية، ومقدمي الخدمات (مطاعم، مقاهٍ، صيانة…) بالإضافة إلى المهن اليدوية الحرفية.

كما تشمل مستورد السلع والمواد على اختلاف أنواعها ومسمياتها عند البيع إلى الحلقات التجارية الأخرى على اختلاف صفاتها التجارية، وجميع الوسطاء والمتعاملين بتجارة الجملة للمواد والسلع المنتجة محليًا أو المستوردة بأنواعها كافة ومسمياتها مهما كانت صفاتهم التجارية (جملة، نصف جملة، موزع، وكلاء، تجارة بالأمانة، باعة المفرق…).

تحديد هامش الأرباح

وحددت الوزارة نسبًا لأرباح المستوردين والمنتجين وتجار الجملة ونصف الجملة والمفرق تعتبر حدًا أقصى لا يمكن تجاوزه، ويمكن البيع بنسبة ربح أقل منه.

كما حددت الحد الأقصى للعمولة (الكمسيون) في تجارة الجملة للخضار والفواكه المنتجة محليًا أو المستوردة، لتكون 5% من سعر البيع للخضار والفواكه الطازجة، و4% من سعر البيع للفواكه المجففة (الجوز، اللوز…).

وحددت الحد الأقصى لنسب الأرباح في تجارة الخضار والفواكه بالمفرق، لتكون 30% من ثمن الشراء من تاجر الجملة للمواد التي يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها بالجملة 50 قرشًا تركيًا.

ويكون الحد الأقصى للأرباح 25% من ثمن الشراء من تاجر الجملة للمواد التي يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها بالجملة ما بين 51 و100 قرش تركي، و20% من تاجر الجملة للمواد التي يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منها بالجملة ليرة تركية.

وتباع الخضار والفواكه على أساس الوزن الصافي للبضاعة، وتضاف قيمة العبوة (الصندوق) بصورة منفصلة على فاتورة المبيع المباشر.

وألزمت الوزارة جميع الفعاليات التجارية والصناعية والخدمية والحرفية في المنطقة بوضع السعر النهائي للمستهلك من قبل المنتج أو المستورد أو الحرفي على بطاقة البيان أو الغلاف أو العبوة بشكل واضح.

ويُعد تحديد هامش الأرباح من صلب عمل لجان التموين، إلى جانب مراقبة الفعاليات التجارية والصناعية والحرفية والخدمية، بحسب مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة “الإنقاذ”، محمد دعبول.

وتهدف هذه القرارات لضبط حركة الأسواق بأسعار مدروسة، ونسب ربح محددة بشكل لا يتجاوز 25% من إجمالي ربح المادة من المستورد أو المنتج إلى تاجر الجملة و المفرق، حتى تصل إلى المستهلك، ومنع الاحتكار وعدم الاستغلال.

وأوضح دعبول، في حديث إلى عنب بلدي، أن البائع الذي لا يلتزم بالإعلان عن الأسعار، أو أعلن عن سعر زائد على نسب الربح المحددة، ينظّم بحقه ضبط وفق القرار رقم “36” الخاص بالتموين.

ويتابع بعض التجار شاشات الصرافة على الهاتف المحمول، بحسب ما قاله دعبول، وعندما يجدون سعر الصرف لمصلحتهم، يرفعون سعر المواد لديهم، ويتغاضون عن تخفيض أسعارها عندما يكون سعر الصرف عكسيًا، لذلك أُلزمت جميع الفعاليات الصناعية والتجارية بالإعلان عن الأسعار.

وحددت الوزارة أرقامًا للتواصل ورابطًا إلكترونيًا ومعرفات لاستقبال الشكاوى على تطبيقات “واتساب” و”تلجرام”، وتتلقى العديد من الشكاوى من الأهالي في المدينة بشكل يومي، وتتابعها فور تلقيها، بحسب دعبول.

تنظيم بيع اللحوم

فرضت وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة “الإنقاذ”، في 8 من شباط الحالي، على جميع محال بيع اللحوم (البيضاء والحمراء والسمك) الإعلان عن أسعار المبيع للمستهلك بشكل واضح ومقروء لجميع المسميات والأجزاء والأنواع، وذكر نوعية اللحوم المباعة إن كانت مستوردة أو مجمدة.

وحظرت الجمع بين نوعين من اللحم الأحمر والأبيض، أو نوعين من اللحم الأبيض، أو نوعين من اللحم الأحمر، أو نوعين من اللحم (طازج أو مجمد) في المحل الواحد.

وحظرت ذبح إناث الغنم دون موافقة اللجان المختصة، مشيرة إلى أن طبيب المسلخ البلدي يُعتبر ممثلًا عن اللجنة، كما حظرت الذبح خارج المسالخ البلدية.

واعتبرت أن لصق “العلائم الذكرية” غش بذات المادة، وحظرت فرم وتقطيع اللحم بشكل مسبق مهما كانت الكمية، إلا بناء على طلب الزبون وبحضوره.

وألزمت حفظ مادة اللحوم ضمن واجهة زجاجية ومبردة، وحظرت عرضها خارج المحل على الأرصفة أو في الشوارع أو في أقفاص.

الأمن الغذائي للسوريين عام 2020


أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في مدينة إدلب يوسف غريبي

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية