نبيل محمد
من الطبيعي جدًا أن يقع تصريح فنان سوري يحمل مضمونًا سياسيًا أو فكريًا، بشكل غير مقصود غالبًا، موقع اهتمام من الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي التي صارت، بلا شك، هي الأقدر على إيصال أي صوت، وأي تصريح، خاصة في بلد معدوم التواصل ومكتوم الصوت مثل سوريا، فمَن في سوريا يمكنه أن يدلي بتصريح رنان، أو يقول ما لم توجه القيادة بقوله مباشرة سوى أولئك الفنانين الذين يحظون بهامش بسيط ضمنته لهم مواقفهم السياسية المحسومة منذ أول رصاصة أُطلقت في شارع سوري.
ينبري أيمن رضا، الممثل الكثير التصريحات، المرتفع الصوت، وصاحب الحضور الإعلامي في كل صغيرة وكبيرة، ليقول إن سبب شهرة الفنانين اللبنانيين هي الدراما السورية، وإن الفنان السوري “بيتبهدل” عندما يذهب إلى لبنان، وإن التعامل اللبناني مع السوريين لا يخلو من العنصرية. التصريح القديم نسبيًا والذي يبدو أنه مر دون أن يلتفت إليه أحد حين صدوره، يعود إلى الواجهة مع إعادة نشره، ومع شبه اعتذار قدمه الفنان عما قاله.
قد يتضمن ما قاله الفنان جانبًا من الصحة في انتقاد العنصرية بالتعامل مع السوريين في لبنان، إلا أن هذه العنصرية لم تكن متجهة نحو الفنانين بلا شك، هي عنصرية تتجلى لدى قيادات سياسية وفنانين وإعلاميين لبنانيين تجاه اللاجئين السوريين، عنصرية كان لها حضورها أيضًا على لسان فنانين سوريين أيضًا لم تكن نظرتهم للاجئين السوريين أفضل من نظرة نظرائهم اللبنانيين، إلا أن ما لفت الأنظار في تصريح رضا هو جعل الدراما السورية مصدرًا لشهرة الفنانين اللبنانيين، وأنه لولاها لما عرفهم أحد.
يجد رضا وأمثاله من فنانين سوريين أن خبوَّ شهرتهم فنيًا في مرحلة ما لا يمكن أن يتم علاجه إلا بحضورهم الإعلامي، حتى وإن كان الكلام “شروي غروي” بمعنى وبلا معنى، مستندًا إلى وقائع أو دونها، لا مشكلة لدى رضا في مضمون ما يقوله ما دام سينتشر مترافقًا مع صورته، ومع خلفية عن أعماله ودوره في الدراما السورية، فما سيتضمنه إن تبيّن فيما بعد أنه يتضمّن شططًا ومبالغة ومغالطات، فسيعود ليعتذر عنه كما فعل، وسيضمن بذلك حضورًا عند التصريح وآخر عند الاعتذار، وهو مألوف لدى قطاع كبير من الفنانين السوريين، الذين اعتادوا التصريح ونقيضه، بناء على انتقاد تعرضوا له أو “شدة إدن” من قبل طرف لا يمكن للفنان تجاهله.
ليس في سوريا نجوم سوى رضا وأمثاله، هكذا فرضت العقلية السياسية والأمنية الشمولية في بلاد “البعث”، ليس لسياسي أو مفكر داخل حدود هذه البلاد حضور إلا في ظل قيادته، يكرر أقوالها ويتوسع بها ويترجمها، يبني من تفاصيلها أدبًا وشعرًا وفنًا ينال الرضا، فيحقق من خلال ذلك نجومية محدودة، لا تتجاوز حدود مجموعة من الوسائل الرسمية وشبيهاتها، التي تحظى بجمهور متعب، لا وقت ولا محفّز لديه ليعلّق أو يتفاعل أو يردد أو يشارك.
أما النجوم السوريون، الذين صدّرتهم الشاشات العربية، فلهم المزيد، لهم القدرة على الحضور، والاختلاف، غير الجذري بالتأكيد، مع سواهم، يمكنهم الحديث عن عنصرية لبنانية، وعن تفوق فني سوري، يمكنهم أكثر من سواهم، مهاجمة وزارة الاقتصاد كذلك، وإدارة أفران “ابن العميد”، ومحافظة دمشق، بكلمات رنانة، توحي بشجاعة ما، وبثقافة ومعرفة، هي أكثر ما يفتقرون إليه، في ظل تقوقعهم في سجن الدراما السورية، التي يصرون على أنها الأميز والأهم، والمنبر الذي يتيح لهم أن يقولوا ما شاؤوا وليردد الجميع أقوالهم، وستلقى كلماتهم صدى لن يلقاه حديث وزير أو كاتب أو مترجم، فالهامش المحدود المتاح لهم لم يكن متاحًا لغيرهم، هامش أن يكونوا نجومًا في بلاد شعارها الحذاء العسكري.