الدورة الـ15 من “أستانة”.. انتظار ومراوحة في المكان
أسامة آغي
اُختتمت في سوتشي الجولة الـ15 للمفاوضات حول سوريا، ضمن مسار ما يسمى “عملية أستانة”، هذه المفاوضات، التي جرت في 16 و17 من شباط الحالي، خرجت ببيان من 17 فقرة، لم تحمل جديدًا على صعيد دفع عربة المفاوضات بصورة جدية.
البيان حمل دون أن يعلن، انتظار دول الضمان الثلاث (إيران روسيا تركيا) اتجاهات الموقف الأمريكي الجديد، في عهد جو بايدن، الذي لم يمر شهر على تسلمه مفاتيح البيت الأبيض. وثبّت في الوقت ذاته اتفاقيات سابقة، بما يخصّ الأوضاع في منطقة “خفض التصعيد” الرابعة (إدلب)، وبما يخصّ محاولة فرض أمر واقع في مناطق تحكمها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ظل حماية أمريكية صريحة.
ولم تغب عن البيان تصريحاته المعتادة بـ”سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا”، وفق مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك مواقفه من “هيئة تحرير الشام”، التي وصفها البيان بأنها مقلقة إزاء زيادة وتعزيز وجود هذه الهيئة وغيرها من المنظمات الإرهابية المرتبطة بها.
لكن البيان في فقرته السادسة قال إنه “لا حلّ عسكريًا للأزمة السورية”، داعيًا إلى المضي في العملية السياسية “الطويلة الأمد، والقابلة للتحقيق وفقًا للقرار الدولي (2254)”.
إن قراءة البيان بصورة متأنية، تكشف عن غياب عزم جدي لدول الضمان على تنفيذ حقيقي لجوهر القرار الدولي المذكور، هذا الغياب يتعلق ليس بمقدمات سياسية تخصّ كل طرف منهم، وليس بسبب وجود تناقضات عميقة فيما بينهم، وإنما تعلن دون أن تقول، أن ثمة غائبًا عن العملية السياسية، هذا الغائب هو الموقف الأمريكي، الذي ينتظره جميع المنخرطين في الصراع السوري.
إن القول المحمول في البيان المذكور (المضي قدمًا في العملية السياسية الطويلة الأمد والقابلة للتحقيق)، هو قول يكشف عن إرادة سياسية تخصّ الطرف الداعي لاجتماعات “أستانة” (الروس)، فلا أحد يفهم لماذا تستخدم عبارة “عملية سياسية طويلة الأمد”، وقرار مجلس الأمن “2254” يمكن جدولته ووضع خارطة طريق لتنفيذه.
إن استخدام هذه العبارة، يعني بالضرورة أن الشروط الموضوعية لتنفيذ القرار الدولي المذكور لم تحن بعد، أي لم تحن شروط قطف الروس لاستثمارهم العسكري والسياسي في سوريا، فتحقيق هذه الشروط يرتبط بقوة بتوافقات روسية مع الغرب حول سوريا، وكذلك حول نقاط صراع أخرى، تريد روسيا حلحلتها، من خلال استخدام ورقة الصراع السوري.
إن الدعوة الروسية، التي تمّ توجيهها إلى الولايات المتحدة لحضور جلسات الدورة الـ15 من مفاوضات “أستانة”، كان المراد منها جسّ نبض الإدارة الأمريكية الجديدة، ومعرفة اتجاهات سياستها حيال الملف السوري، والروس عرفوا أن الأمريكيين غير مهتمين بـ”أستانة”، حين ردّوا عبر تصريحات وزير خارجيتهم الجديد، أنتوني بلينكن، بأنهم يصرّون على تنفيذ القرار الدولي “2254”.
الموقف الأمريكي، ومعه الموقف الغربي المنزعج من عدم قيام موسكو بدورها للضغط على النظام، لدفع العملية التفاوضية في جنيف، هو الذي جعل اجتماعات الدورة الـ15 لمفاوضات “أستانة” تراوح في مكانها، فليس هناك أي مبادرة جديدة على هذا الصعيد، في ظلّ غياب موقف أمريكي نهائي من الصراع السوري.
الروس لن يقدموا على الضغط على حليفهم الأسد، للتجاوب مع عمل اللجنة الدستورية، فهذا التجاوب، يعني إقرارًا بضرورة تغيير بنية نظام الحكم، وفق توافقات يفترضها القرار الدولي، الذي نصّ على ذلك بعبارة تقول: “إن العملية السياسية وفق القرار (2254) هي عملية سورية، يقودها سوريون”.
إن ضغط الروس على النظام لإجباره على المضي بمفاوضات اللجنة الدستورية، أو التفاوض حول السلال الأخرى، قبل وجود تفاهمات لهم مع الغرب، وفي المقدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يعني خسارة حقيقية لكل ما دفعوه من استثمارات في الصراع في سوريا، تتعلق بتوريد السلاح، ومساعدات اقتصادية، وانخراط عسكري مباشر، ودور سياسي ودبلوماسي دولي، لتثبيت وضع النظام.
بالنسبة للضامنين الآخرين، فإيران تريد أن تستفيد من الزمن، لترسيخ وجودها السياسي، ونفوذها الأيديولوجي داخل المجتمع السوري، مستغلة فقر الشعب، في ظل استمرار المأساة السورية، لتجنيده لخدمة مشروعها بالهيمنة على المنطقة، وتحديدًا في الحلقتين السورية والعراقية.
الإيرانيون يعرفون تمامًا أن وجودهم المباشر في سوريا هو رهن الموقف الروسي، الذي إذا تغيّرت مقدماته لغير مصلحة إيران، فهذا يعني خروجهم من سوريا، وبعدها من المنطقة، ولهذا هم يحاولون تكثيف وجودهم بطرق كثيرة، رغم أنهم ينزفون تحت ضربات الجو الإسرائيلية، التي لا تريد منحهم فرصة إقامة قاعدة ثابتة لهم على الأرض السورية.
أما الأتراك، فشغلهم الشاغل هو أمنهم القومي، الذي يتعرض لتهديدات حزب “العمال الكردستاني”، حيث استطاع هذا الحزب، المصنف أمريكيًا وتركيًا بأنه حزب إرهابي، أن يجد له ملاذات جغرافية في سوريا، قادمًا إليها من كهوفه ومخابئه في جبال قنديل بالعراق.
لذلك نصّت الفقرة الرابعة من البيان الختامي لاجتماعات الدورة الـ15 من مسار “أستانة”، المنعقدة في سوتشي، على اتفاق بين الضامنين الثلاثة، على أن التوصل إلى الأمن والاستقرار في شمال شرقي سوريا ممكن، فقط على أساس الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدولة، ورفض جميع المحاولات لخلق حقائق جديدة على الأرض.
وهذا يعني رفض مشروع ما يسمى “الإدارة الذاتية”، وفق الصورة التي يريدها حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، المسؤول عن “قسد”، في منطقة الجزيرة والفرات.
إن الموقف من “قسد” استثمره الروس لمصلحة نظام الحكم السوري في دمشق، حيث أشار البيان إلى أن الثروة البترولية بشقيها النفطي والغازي، هي من حق هذا النظام، وهذه الفقرة هي فقرة خطيرة، إذ تعتبر النظام السوري نظامًا شرعيًا، رغم أن شرعيته سقطت مع قتله لشعبه، وشنّه حربًا ظالمة على هذا الشعب.
ولكن هذه الفقرة يمكن قراءتها على أن “قسد” ما كانت لتفرض سلطتها على هذه المساحات في شرقي وشمال شرقي سوريا، لولا المساندة العسكرية المباشرة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده، وهذا يعني شكلًا من أشكال استثمار سياسي ودبلوماسي، موجه ضد الولايات المتحدة، التي تحمي آبار النفط والغاز في هذه المنطقة، وتمنع قدوم النظام إليها.
وفق ما تقدّم، يمكننا القول إن اجتماعات “أستانة” بدورتها الـ15 في سوتشي، هي تثبيت مواقف سابقة، ومنع حدوث مستجدات تغيّر من لعبة أحجار الدومينو السورية، لغير مصالح الروس، أو الشروط القائمة في ظل انعدام الحل السياسي حتى اللحظة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :