حوار: أسامة آغي
تزداد التعقيدات في الملف السوري يومًا بعد يوم، مع تشرذم المعارضة وعجزها عن اتخاذ قرار سياسي موحد، بالتزامن مع عدم تحقيق “اللجنة الدستورية” أي تقدم ملموس على الأرض.
وفي المقابل، لم يقدم مسارا “أستانة” و”سوتشي” أي خطوات ملموسة على الأرض، بينما يبقى القرار الأممي “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية في سوريا (صدر عن مجلس الأمن الدولي في عام 2015)، مجمدًا بفعل التدخلات الدولية في الملف السوري.
ومؤخرًا، انتشرت عبر وسائل الإعلام العربية والسورية أنباء عن تشكيل مجلس عسكري سوري مكوّن من ضباط قدامى من النظام السوري، وضباط منشقين لإدارة الأمور في سوريا بعد تخلي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن بعض صلاحياته، وهو ما نفته قوى معارضة سورية.
ولنقاش هذه النقاط، التقت عنب بلدي بمنسق “منصة القاهرة” في “هيئة التفاوض” وعضو اللجنة الدستورية، فراس الخالدي.
الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا
في 24 من كانون الثاني 2015، شُكّلت “منصة القاهرة”، التي ضمت عددًا من قوى المعارضة السورية بما فيها “هيئة التنسيق الوطنية”، واتفقت هذه القوى حينها على “استحالة الحسم العسكري، واستحالة استمرار منظومة الحكم الحالية”.
وقال فراس الخالدي، عضو اللجنة الدستورية ومنسق “منصة القاهرة” في “هيئة التفاوض السورية”، لعنب بلدي، إن الحل السياسي التفاوضي هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، وإن “مؤتمر القاهرة 2015 كان واحدًا من أهم الطروحات التي تناولت المشكلة السورية بموضوعية”، بحسب تعبيره.
ويرى الخالدي أن “منصة القاهرة”، “كيان سياسي يمكن اعتباره وعاء جامعًا لعدد كبير من القوى والتيارات الوطنية من مختلف الاتجاهات والانتماءات”، معتبرًا أن هذه القوى وجدت في جمهورية مصر العربية “مكانًا آمنًا ومناسبًا لممارسة نشاطاتها للوصول إلى حل أزمة الشعب السوري بعيدًا عن أي منغصات أو تدخلات إقليمية أو دولية”.
ويعتقد الخالدي أن المنصة، التي يمثلها كمنسق في “هيئة التفاوض السورية”، “حضن عربي يمكن من خلاله التأكيد على هوية سوريا وانتمائها للأمة العربية، في ظلّ المحاولات الجادة لطمس هوية سوريا وهوية شعبها، وسلخها عن محيطها”.
وتوجد في سوريا قوميات وأعراق وإثنيات مختلفة عانت من اضطهاد النظام السوري، كالكرد والسريان والآشوريين والشركس وغيرهم.
أما بالنسبة لرأي “منصة القاهرة” بالحل السياسي، فقال الخالدي إن “مؤتمر القاهرة وضع خارطة طريق نادت بالتفاوض السياسي كحل وحيد لإنقاذ سوريا”، وإن هذا الطريق يعني التفاوض بين وفدي المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة وضمانتها، وذلك عبر إبرام برنامج تنفيذي بينهما لبيان “جنيف”، ووضع جدول زمني وآليات واضحة، وضمانات ملزمة للتأكد من التنفيذ.
نرفض المجلس العسكري
قالت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في 10 من شباط الحالي، إنها حصلت على نسخة من وثيقة قدمها معارضون من منصتي “موسكو” و”القاهرة” لتنفيذ القرار “2254”، وتضمنت اقتراحًا بـ”تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها”.
إلّا أن المنصتين نفتا تقديم أي وثيقة لروسيا تتضمن طلبًا بتشكيل “مجلس عسكري سوري” مشترك بين النظام والمعارضة في مرحلة انتقالية، إذ صرّح عضو “منصة القاهرة” فراس الخالدي، في حديث إلى عنب بلدي، في 10 من شباط الحالي، أن “الوثيقة غير صحيحة وملفقة”.
كما نفى رئيس “منصة موسكو”، قدري جميل، أيضًا وجود الوثيقة قائلًا في تغريدة عبر حسابه على “تويتر“، إن “الخبر لا يمت للواقع بأي صلة”.
وفي 12 من شباط الحالي، أوضح المعارض السوري جمال سليمان الملابسات حول “المجلس العسكري”، قائلًا إنه صاحب فكرة المجلس لتولي حكم انتقالي في سوريا.
وصرح، عبر حسابه في “فيس بوك”، أنه طرحها بصفته الشخصية كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة “جنيف” خلال اجتماعه الأخير في موسكو مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 21 من كانون الثاني الماضي، وأن هناك من يؤمن بها.
وعلّق سليمان أن اللقاء الذي حضره مع وزير الخارجية الروسي كان بصفته الشخصية وليس بصفته ممثلًا عن “منصة القاهرة”، لأنه جمد عمله فيها وفي “هيئة التفاوض”، لأسباب داخلية تتعلق بالخلافات الأخيرة التي قال إنه بذل مع آخرين جهدًا كبيرًا لحلحلتها ولم يفلح.
وأكد فراس الخالدي، منسق “منصة القاهرة” في “هيئة التفاوض”، أن المنصة لا توافق على تشكيل مجلس عسكري انتقالي، بالطريقة التي تمّ طرحها، وأن سليمان ذهب إلى موسكو بصفة شخصية كما صرّح هو بنفسه.
وحول سبب الرفض قال الخالدي، “يجب أن يتفق وفدا المعارضة والنظام على تكوين هيئة حكم انتقالي، تنتقل إليها الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، وتنبثق عنها المؤسسات التالية (مجلس وطني انتقالي، مجلس قضاء أعلى، حكومة مرحلة انتقالية، مجلس وطني عسكري انتقالي، هيئة عليا للإنصاف والعدالة والمصالحة)”.
وبالتالي، يعتقد الخالدي أنه “لا يمكن تشكيل المجلس العسكري الانتقالي بمعزل عن بقية المؤسسات، التي تتكامل مع بعضها، وتمنع إحداها الأخرى من التفرد في حكم سوريا المستقبل”.
وحول مساري “أستانة” و”سوتشي”، يرى فراس الخالدي العضو في اللجنة الدستورية، أن تجميد مسار “جنيف” مقابل تفعيل مسارات جانبية (أستانة وسوتشي) أضرّ كثيرًا بالملف السوري، مؤكدًا التزام “منصة القاهرة” بمضمون بيان “جنيف” والقرارين الدوليين “2118” و”2254″.
ويعتقد الخالدي أن القائمين على مساري “أستانة” و”سوتشي”، “سحبوا المظلة الدولية (جنيف) من فوق رؤوس السوريين، واستفردوا بسوريا بعيدًا عن أعين العدالة الدولية”.
“بدأ تسليم كل الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة مجانًا للنظام الذي لم يقبل التفاوض وهو في أشدّ حالات ضعفه”، بحسب الخالدي، “فكيف يمكن إقناعه بالتفاوض، وتغليب مصلحة سوريا على مصلحته، بعد أن نجح باستعادة ما خسره بمساعدة أصدقائه في (أستانة) و(سوتشي)؟”.
وأضاف الخالدي أن “روسيا بدلًا من استكمال ما بدأته بمشاركتها الفعالة بالقرار الدولي 2254، راهنت على إيران والنظام بتأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا بدلًا من الرهان على صداقة الشعب السوري”.
مؤتمر وطني جامع
مع تعثر المسارات السياسية المتعددة في الملف السوري، خرجت أصوات من جهات سورية معارضة عدة دعت إلى “مؤتمر وطني جامع للسوريين”.
وسبق للدكتور خلدون الأسود، الذي شغل سابقًا عضوية المكتب التنفيذي في الخارج لـ”هيئة التنسيق الوطنية”، أن قال لعنب بلدي، في 11 من شباط الحالي، إن “هناك دعوات حثيثة لعقد مؤتمر وطني جامع، يبدأ من كل مدينة أو قرية، ليفرز ممثلين لمؤتمر أوسع، يشكل نواة لمؤتمر وطني سوري على مستوى العالم”
وأضاف الأسود أن هذا المؤتمر سيحضره ويموله سوريون، معتبرًا أن الدعوة إليه لاقت الكثير من الترحيب من قبل الجميع، وأن العمل على عقده سيبدأ بشكل حثيث بعد تجاوز أزمة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، دون أن يوضح مزيدًا من التفاصيل والأهداف عن المؤتمر أو الجهات المرحبة بالأمر.
ويرى فراس الخالدي أن النظام يستغل الخلافات والشرذمة داخل المعارضة، بل ويعمل على زرع الفتنة داخل مؤسساتها، ليصل بالمجتمع الدولي إلى نتيجة مفادها عدم وجود معارضة وطنية حقيقية، يمكن أن يشاركها حكم سوريا.
ويعتقد الخالدي بضرورة قطع الطريق على محاولات النظام إفشال المعارضة، من خلال “الالتزام بالتعاون والانفتاح على جميع تيارات وقوى الثورة والمعارضة، ضمن معايير وطنية”.
وأوضح الخالدي ضرورة عقد مؤتمر وطني جامع على اعتبار أنه “ضرورة حتمية”، عندما تكون كل مكوناته على درجة مناسبة من الصلابة والمتانة للاندماج تحت راية وطنية جامعة.
ويأمل الخالدي أن تتعافى كل مؤسسات الثورة والمعارضة، لتكون قادرة على عقد هذا المؤتمر تلبية للمصلحة الوطنية العليا، وليس لتعظيم حصّة مكوّن على حساب بقية المكوّنات.
وقال الخالدي، “لا يجب أن نبقى أسرى لعقلية المؤسسات المؤقتة التي تساعد النظام على شراء المزيد من الوقت لاستكمال إحكام قبضته على سوريا وشعبها، وفرض أمر واقع تعجز معه حكومات العالم أجمع عن إخراجه من السلطة”.
لا صراع في “منصة القاهرة”
ونفى الخالدي وجود صراع بين مكوّنات “منصة القاهرة”، معتبرًا أن ما جرى هو “إجراء داخلي”، يخصّ أحد مكوّنات المنصة (تيار الغد)، الذي أنهى عضوية السيد قاسم الخطيب من تيار “الغد”.
وأضاف الخالدي أن إنهاء عضوية قاسم الخطيب من تيار “الغد” استلزم إنهاء عضويته في كل من “هيئة التفاوض” واللجنة الدستورية، كما أن “المنصة لم تتدخل بشؤون تيار الغد الداخلية”، وأنه كمنسق للمنصة “نقل طلب تيار الغد باستبدال قاسم الخطيب إلى كل من هيئة التفاوض واللجنة الدستورية”.
–