سبّب استمرار انقطاع الدعم المقدم لمديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، والمخصص لدفع رواتب المعلمين من قسم الاتحاد الأوروبي في منظمة “كومينكس”، أزمة معيشية لمئات منهم، منذ العام الدراسي 2019- 2020.
وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه المعلمين في المدينة، اختار بعضهم العمل بشكل تطوعي على أمل تلقي الدعم في وقت لاحق.
لكن على الضفة الأخرى، أجبرت الأزمة المالية معلمين على ترك المهنة، ودفعتهم للبحث عن مصدر رزق آخر، وجذبت الرواتب “المرتفعة” في المنظمات والجمعيات الإغاثية العاملة في المنطقة معلمين من أصحاب الشهادات للعمل معها، ما أفرغ مدارس من معلميها ليحل محلهم متطوعون من الطلبة الجامعيين.
حاولت مديرية التربية العاملة في المدينة تأمين دعم من خلال مبادرات عدة، بوجود نقابتين للمعلمين عاملتين في المنطقة، لكن ذلك لم يفِ بالغرض بشكل كامل، وخرج معلمون في وقفات احتجاجية مطالبين بحقوقهم، مطلع شباط الحالي.
وفي محاولة لتجاوز تلك المشكلات والعقبات وإيصال صوت المعلمين، حلت نقابتا المعلمين العاملتان في المدينة سابقًا نفسيهما، وأجريت انتخابات لتشكيل نقابة معلمين جديدة في 14 من شباط الحالي.
حل النقابتين
وُجدت نقابتان للمعلمين في المنطقة الشمالية الغربية، وهما “نقابة المعلمين الأحرار” التابعة لـ”الائتلاف السوري المعارض”، والموجودة منذ عام 2014، وكانت تمثل حسب الوضع الجغرافي والميداني على الأرض، حينها، الشرائح كافة.
ونقابة أخرى أُسست عام 2018 “تمثل الوضع الراهن” (من ناحية جهة السيطرة)، بحسب نذير الطه وهو موجه مادة الجغرافيا، وعضو الهيئة التأسيسية في نقابة المعلمين الجديدة.
لكن مع توسع سيطرة قوات النظام السوري على مدن وبلدات جديدة في إدلب، أصبحت الحاجة “ملحّة” إلى تشكيل نقابة جديدة تتناسب مع الوضع الجغرافي الجديد، وتمثل بشكل حقيقي المعلمين الموجودين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وفقًا لما قاله الطه في حديث إلى عنب بلدي.
وأوضح الطه أن “انشقاقًا نشأ عن النقابتين، إذ كان أداؤهما ضعيفًا جدًا، ومردودهما لا يذكر على واقع المعلم”، ما زاد الحاجة، حسب المتغيرات والصعوبات والمعوقات التي تعاني منها العملية التعليمية والتربوية في المدينة، إلى إنشاء جسم جديد يمثل بشكل واقعي وصحيح حالة المعلم والتعليم في المناطق الشمالية.
ولذلك اتُخذت خطوة حل النقابتين وتشكيل نقابة جديدة، لتكون جسمًا جديدًا ومؤسسة مدنية “تمثل واقع المعلمين وهموهم وآمالهم وتطلعاتهم بشكل صحيح، وتكون الوجه الحقيقي للوضع التعليمي على الأرض”.
مسؤول في مديرية التربية بإدلب (طلب عدم ذكر اسمه)، أوضح لعنب بلدي أن النقابتين العاملتين سابقًا في المنطقة، كانتا قد جمعتا نفسيهما، وكل نقابة عيّنت نقيبًا وأفرعًا بانتخابات “شكلية”.
ونفى تبعية نقابة لـ”الحكومة المؤقتة” العاملة في ريف حلب الغربي، وتبعية النقابة الأخرى لحكومة “الإنقاذ” العاملة في مدينة إدلب وأجزاء من ريف حلب غربي.
وقال إن مسؤول إحدى النقابتين التي كانت تعتبر نفسها منتمية لـ”الائتلاف السوري المعارض”، كان عضوًا في “مجلس الشورى” التابع لحكومة “الإنقاذ”.
وأضاف أن كلتا النقابتين لم تقدم إلا دعمًا بسيطًا كربطة خبز أو “حصة لحم” في عيد الأضحى، وهو ما اعتبره دعمًا لا يرتقي لمستوى المعلمين، ما دفع إلى التحرك باتجاه توحيد الجهود، بعد اجتماعات طويلة على مدار شهرين مع ممثلين عن النقابتين، مشيرًا إلى وجود معلمين كانوا قد رفضوا الانتساب إلى كلا الطرفين.
“هاجس” للمعلمين
وتُعد مسألة النقابة “هاجس” كل معلم موجود في الشمال السوري، كما يعتبرها مشرف مجمع إدلب التربوي، عبد الله العبسي.
العبسي أكد لعنب بلدي تشكيل النقابة الجديدة بسبب وجود جسمين نقابيين “متناحرين، ولا يمثلان المعلم بالشكل المطلوب” في إدلب، وانطلاقًا من الحاجة إلى وجود “جسم قوي” يمثل المعلم ويضمن حقوقه.
وقال إن التحدي “كبير” لتشكيل نقابة بأسس سليمة يكون المعلم فيها صاحب الدور الأول والأخير في اختيار من يمثله فيها، ولذلك دُعي إلى اجتماع أطراف من النقابتين وبعض الأشخاص “الحياديين”، وطُرح نظام داخلي على “سوية عالية” يلبي متطلبات المرحلة الحالية بالنسبة للمعلمين.
وأوضح أن النقابة في طور الانتخابات حاليًا، فبعد اللجنة التأسيسية وتعديل بعض البنود في النظام الداخلي، شُكلت لجنة تحضيرية للانتخابات، واُنتخبت اللجنة العليا لها.
تشرف هذه اللجان على الانتخابات من المدارس، إذ إن “جميع من سيترشح لأي منصب قيادي في نقابة المعلمين يجب أن ينطلق من المدرسة ويكون المعلم هو من انتخبه”، بحسب العبسى.
آلية التشكيل وشروط الترشح
انتُخب أعضاء الوحدات النقابية بإشراف اللجان الانتخابية في المدارس، بحسب العبسي، وتشمل شروط المترشحين القدم والخبرة والرقم الذاتي، وهي شروط موجودة في النظام الداخلي.
وشُكلت وحدة نقابية في كل مدرسة، وأوضح العبسي أن الوحدة النقابية تتألف من 20 معلمًا وقد تصل حتى 49 معلمًا، وإذا تجاوزت ذلك الحد تصبح وحدتين نقابيتين، وفي كل وحدة نقابية ينجح ثلاثة أشخاص (رئيس الوحدة النقابية وعضوان فيها)، وهم الذين يحق لهم الترشح لمجالس الشُعب.
وينجح في مجلس الشعبة 20 شخصًا، خمسة منهم أعضاء مكاتب، و15 أعضاء في مجلس الشعبة.
ومن ينجح في مجلس الشعبة يحق له الترشح لمجلس الفرع، الذي يضم سبعة أشخاص، ومن ينجح في مجلس الفرع يحق له الترشح للمكتب التنفيذي، المؤلف من تسعة أشخاص، والذي يتناسب عدده طردًا مع عدد المعلمين في كل منطقة .
ويتمثل الهدف الرئيس من تشكيل نقابة المعلمين، وفقًا لما قاله العبسي، بأن “يعود المعلم إلى مكانته الاجتماعية ماديًا ومعنويًا، ويُدعم من جميع النواحي، حتى في القضاء، والطّبابة، والتقاعد”.
الوحدة النقابية، هي التنظيم النقابي القاعدي للمعلمين، ويقوم في مدرسة أو عدة مدارس أو كلية أو قسم أو معهد أو مؤسسة أو لعدد من المعلمين المتقاعدين، وتتألف الوحدة من 30 معلمًا على الأقل، ويمكن تجاوز شرط العدد باقتراح من مكتب الشعبة.
والشعبة، هي التنظيم النقابي للمعلمين المؤلف من ثلاث وحدات أو أكثر في المنطقة الإدارية أو الناحية، وفي كلية واحدة أو مجموعة من الكليات، أو معهد أو مجموعة من المعاهد، أو مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي.
آمال في تأدية المطلوب
وتهدف النقابة الجديدة “لتكون صوتًا للمعلمين في المدينة يوصل حالهم، و يؤسس لجيل ناجح بكل المقاييس”، كما يراها صلاح الشوّى، مدير مدرسة “محمد نجيب فالح” في إدلب، حيث جرت الانتخابات فيها كوحدة نقابية.
يأمل الشوّى، وفق ما قاله لعنب بلدي، أن يكون العمل الجديد “ناجحًا وفيه إخلاص”، من خلال خطوات تسير عليها النقابة وفق نهج جديد.
“أي عمل يحمل صفة غير موحدة مآله الفشل”، وفق المدير، معللًا عدم تأدية النقابتين السابقتين الغرض المطلوب المتمثل، بحسب رأيه، بإيصال صوت المعلم.
ويرى أن جميع المعنيين “متفائلين” بتشكيل النقابة الجديدة، التي ستنعكس على عمل المعلمين وبالتالي على مستقبل الأطفال.
الشوّى أوضح أن الوضع المادي الذي لا يساعد على استقرار حياة المعلم، هو أبرز الصعوبات التي يواجهها المعلمون في المنطقة.
تتمثل الصعوبة الأساسية في واقع المعلمين بإدلب، بوجود عدد كبير منهم يعملون تطوعًا دون أجر، في ظل ظروف إنسانية ومعيشية صعبة تحيط بأهالي المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، بحسب مديرة مدرسة “الظاهر بيبرس”، هبة شيخ سلس.
وتأمل المديرة سلس أن توصل النقابة الجديدة أصوات المعلمين المطالبة بتأمين قدر من الدعم، وتنظيم إجازات المعلمين، وخصوصًا الإجازات المأجورة، فبحسب ما قالته لعنب بلدي، فإن المعلمات هن القسم الأكبر من المعلمين العاملين في المنطقة، ويحتجن إلى إجازات صحية في ظروف الحمل والولادة.
كما تأمل أن يكون عمل النقابة “نزيهًا”، ويوصلهم إلى ظروف أفضل، خاصة أنها تمثل عددًا أكبر من المعلمين الآن، وأُسست بانتخابات “نزيهة”، بحسب رأيها.
ينظم قانون “نقابة المعلمين”، الذي يسري في مناطق سيطرة النظام، عمل وأهداف نقابات المعلمين في الشمال.
وتهدف النقابة، بحسب المادة الثانية منه، إلى “توحيد نضال المعلمين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية”، وتطوير العمل التربوي والتعليمي، ورعاية مصالح المعلمين المادية والمعنوية والصحية والاجتماعية والثقافية. ومن صلاحياتها، امتلاك الأموال المنقولة وغير المنقولة، وتوظيف أموالها لمصلحة أعضائها بالشروط والأوضاع التي يحددها المجلس المركزي للنقابة، بالإضافة إلى إجراء المباحثات وإبرام العقود، وإنشاء صناديق ادخار. |
أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في مدينة إدلب أنس الخولي
–