لم يمنع الواقع الأمني والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان في مدينة إدلب وريفها، من أن تشهد المنطقة حركة بناء عمراني، توفر مساحات سكنية جديدة لسكان منطقة جغرافية محدودة ومحاصرة، تؤوي أكثر من مليون نسمة.
الاكتظاظ السكاني في المنطقة هو العامل الأبرز لإنشاء أبنية جديدة، وإزالة منازل قديمة ومتهاوية جراء القصف على مدار السنوات الماضية، واستبدال أخرى جديدة بها تضم عددًا أكبر من أهالي المنطقة والعائلات النازحة إليها في وقت واحد.
لكن إمكانية الحصول على منزل أو شقة جديدة تصطدم مجددًا بالواقع الاقتصادي والمالي لأهالي المنطقة بشكل عام، والنازحين منهم بشكل خاص، ما يجعلها “حكرًا” على أصحاب الأموال منهم، ويبعد أهالي المخيمات عن شرائها.
الضغط السكاني أبرز الأسباب
ارتفعت نسبة إنشاء الأبنية في مدينة إدلب بسبب تزايد الحاجة إلى البناء نتيجة الضغط السكاني الناتج عن حركة النزوح إلى المدينة، حيث ارتفع عدد السكان من حوالي 300 ألف نسمة إلى حوالي مليون نسمة، بحسب المهندس المعماري العامل في مدينة إدلب جابر عليان.
ويعيد بعض الأشخاص بناء منازلهم مجددًا، التي “تزعزعت” من القصف بالبراميل المتفجرة، بدلًا عن ترميمها، ويحاول بعض الأشخاص الذين يمتلكون “منزلًا عربيًا” قديمًا تشييد بناء مؤلف من عدة طوابق للاستفادة منها ماديًا من النازحين، بحسب ما قاله المهندس عليان لعنب بلدي.
تستغل الشقق السكنية أو المنازل الجديدة في إطار تأجيرها، وذلك لاستفادة أصحابها بشكل خاص، كما يرى محمد أحمد الراشد من مدينة جرجناز جنوب مدينة إدلب، وهو مالك مكتب عقاري في مدينة سرمدا على الحدود السورية- التركية.
وقدر محمد، الذي التقت به عنب بلدي، نسبة شراء الشقق السكنية بـ1% إلى 7% من السكان في المنطقة، وعزا ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها النازحون إلى مدن إدلب وبلداتها.
واعتبر محمد أن الأوضاع “المأساوية” التي يعيشها النازحون في المنطقة من الأسباب التي تخفض قدرتهم على شراء منزل جديد، وتجعلها مقتصرة على إيجاد منزل بإيجار رخيص وليس بهدف التملك، ما يدفع النازحين إلى المنطقة للبحث عن حلول تلائم أوضاعهم، ويترك لديهم “عصة بالقلب”، بحسب تعبيره.
تحديات وصعوبات
زهير هاشم، وهو متعهد بناء عامل في مدينة إدلب، أوضح أن تكاليف البناء الجديد مرتفعة لارتفاع أسعار “أهم” مادتين في البناء، وهما الحديد والأسمنت، ويقابل ذلك انخفاض “كبير” في أجور اليد العاملة، بسبب كثرتها في المنطقة.
وقال لعنب بلدي، إن أغلبية النازحين القادمين من مناطق سيطرة النظام السوري لا يملكون ثمن منزل في إدلب، ومن تبقى من النازحين القادرين على الشراء يقطنون في منازل إيجار، بسبب مخاوفهم من موجة نزوح جديدة.
وأشار هاشم إلى العمل على استغلال المساحات الواسعة لإسكان أكبر عدد من السكان في نفس المساحة.
وأوضح أن البناء المشيّد على مساحة 500 متر مربع، وتقطن فيه عائلة واحدة يُهدم، ليُجدد ويُعاد تسليحه من الطابق الأرضي وتشييد بناء مؤلف من خمسة طوابق مكانه، كل طابق يحوي أربع شقق، لتشمل المساحة نفسها 20 شقة، تستوعب عددًا أكبر من السكان والنازحين في وقت واحد.
ودفعت موجات النزوح لتعديل المخططات التنظيمية التي كانت تحتفظ بها مديرية الخدمات الفنية التابعة لحكومة النظام السوري في إدلب، وفق ما قاله المهندس المكلف بتسيير أمور الخدمات الفنية في “الإنقاذ”، المهندس مصطفى صطوف، في حديث سابق إلى عنب بلدي.
“كل موجة نزوح كانت ترافقها مراجعات جديدة حسب التوزع السكاني والأهمية”، حسبما أضاف صطوف، مشيرًا إلى أن “الحكومة” شكلت لجانًا إقليمية عالجت مخططات بعض القرى والمخططات التنظيمية فيها، مثل دركوش وتفتناز، وعدّلت بعض الصفات السكنية في المباني لتستوعب الزيادة السكانية.
البلدية “تدعم” البناء
تحوي مدينة إدلب عددًا كبيرًا من السكان سواء من أهالي المدينة أو النازحين، ونتيجة الازدحام السكاني والاستقرار، فإن الظروف في المدينة، “ممتازة” للاستثمار، بحسب مدير بلدية إدلب، صالح أسود.
وقال أسود لعنب بلدي، إن البلدية تسعى لتهيئة الظروف المناسبة للبناء وفق الشروط الفنية الصحيحة، مع مراعاة شروط السلامة العامة ومنع السكن العشوائي.
ونفى أسود وجود عشوائيات في البناء، وأكد أن البناء يتم وفق المخطط التنظيمي، وتُمنح تراخيص البناء من مجلس المدينة وفق مخططات هندسية دقيقة ومصدقة من نقابة المهندسين.
وفي آب 2020، منعت حكومة “الإنقاذ”، العاملة في مدينة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، إنشاء أي بناء سكني أو تجاري أو القيام بأي مشروع يخص البنى التحتية، من مياه وصرف صحي وغيره، أو أي إشغال مهما كان نوعه لهذه الأملاك، دون مراجعة “مديرية الإدارة المحلية والخدمات” في منطقة سرمدا، للحصول على تصريح بالعمل أو موافقة خطية أو ترخيص، بعد إحضار جميع الوثائق الضرورية التي تخص الأعمال المراد تنفيذها.
وعللت الحكومة القرار حينها بوجود الكثير من التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة خارج المخططات التنفيذية للمدن والبلدات، محذرة من أن ذلك سيكون تحت طائلة الملاحقة القضائية، واتخاذ الإجراءات الرادعة المالية والإدارية والقانونية بحق صاحب العمل أو المؤجر أو البائع.
وتتنوع رخص البناء في المدينة، بحسب أسود، فمنها رخص البناء السكني، ورخص الأبنية التجارية والصناعية، وتختلف تكلفتها وفقًا لنوع البناء وموقعه، وتعود التكلفة كخدمات للأبنية والشوارع البنية التحتية للمدينة.
ويحتاج استصدار رخص البناء إلى وثائق ضرورية، تتعلق بإثبات ملكية العقار لمقدم الطلب على الرخصة، مثل بيان قيد عقاري ومخطط مساحي ثم المخططات الهندسية المطابقة لنظام ضابطة البناء والمخططات الهندسية الإنشائية التي تراعي شروط السلامة العامة حسب “الكودات” العالمية.
وأضاف أسود أن البناء يعتبر مخالفًا إذا كان غير مرخص أو غير مطابق لأحد الشروط، كأن يكون غير مطابق للمخطط التنظيمي أو لنظام الضابطة أو غير مدروس هندسيًا أو يتجاوز على الشوارع التنظيمية.
وأشار إلى أن وزارة الإدارة المحلية والخدمات التابعة لحكومة “الإنقاذ”، وعن طريق مجلس مدينة إدلب وجهاتها الاختصاصية الأخرى، تحد من المخالفات والعشوائيات وتعمل على الالتزام بالبناء المنظم وفق شروط السلامة العامة للأهالي والشروط الفنية الصحيحة.
وأعدت عنب بلدي ملفًا تناولت فيه واقع البناء والمخططات التنظيمية في مدينة إدلب والمسؤولين عنها، وانعكاس الخلل فيها على حياة السكان.
أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في مدينة إدلب يوسف غريبي
–