عنب بلدي – نور الدين رمضان
“ينظر إلينا كمجرمين يجب أن نسدد فاتورة الخروج على النظام”، هكذا وصف حسين رمضان وهو مهندس سوري لاجئ في ألمانيا، حديث رئيس “فرع البدل والإعفاء” في وزارة الدفاع السورية، إلياس بيطار، عن حجز أموال ذوي المتخلف عن الخدمة العسكرية.
وقال حسين لعنب بلدي، إن النظام السوري لا يتعامل مع السوريين بقوانينه التي يصدرها كمواطنين سوريين، ويريد منهم تسديد فاتورة مستمرة.
ويتحدث حسين باستياء عن تغافل النظام عن أوضاع معظم السوريين في الخارج ومطالبتهم بأموال بعد أن هجّرهم.
يوافق حديث حسين ما ذكرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقرير بأن النظام السوري لجأ طوال السنوات الماضية، إلى محاربة معارضيه عبر الاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم كنوع من العقاب الممتد لهم ولعوائلهم، وفي الوقت ذاته تحقيق مكاسب مادية وإعادة توزيعها على الأجهزة الأمنية والميليشيات المحلية، كنوع من المكافأة بدلاً عن الدفع النقدي.
وأثارت تصريحات رئيس “فرع البدل والإعفاء” في وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري الجدل حول إمكانية الحجز على أموال أقارب المكلف بالخدمة الإلزامية، الذي لا يدفع قيمة “بدل فوات الخدمة” بعد تجاوزه سن التكليف، وهو 42 عامًا.
بيطار قال خلال تسجيل مصوّر نشرته وزارة الإعلام السورية، إن المواطن الذي تجاوز عمره 42 عامًا ولم يلتحق بالخدمة العسكرية، لن يُعفى إلا إذا دفع البدل النقدي، والعقوبة تكون بالحجز التنفيذي على أمواله أو أموال من يخصه، سواء كانت له أو لأهله أو ذويه أو أي أحد يخصه.
عبد المجيد طه لاجئ مقيم في تركيا، عبّر لعنب بلدي عن مخاوفه على ممتلكاته في ريف الرقة الشرقي، الذي يسيطر عليه النظام السوري، لأن ابنه متخلف عن الخدمة العسكرية في قوات النظام.
وبرر عبد المجيد مخاوفه بأن النظام يطبق ما يريده دون قوانين، مضيفًا أنه بدأ يفكر بجدية ببيع جزء من ممتلكاته لتسديد المبلغ المطلوب للإعفاء من الخدمة.
إلى جانب حسين وعبد المجيد، تلقت عنب بلدي إفادات من سوريين آخرين يفكرون بجدية في حجز مواعيد بالقنصليات السورية من أجل دفع المبالغ المطلوبة للإعفاء من الخدمة والحفاظ على ممتلكاتهم، دون الأخذ بالحسبان بأن أخذ تهديدات النظام بجدية قد تدفعه إلى إطلاق تهديدات أخرى للحصول على مكاسب معيّنة.
التهديد يتعارض مع القانون
قانوني مطّلع مقيم في دمشق (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، أكد لعنب بلدي، في 8 من شباط الحالي، عدم وجود نص قانوني يمكن الاستناد إليه لحجز أموال ذوي المكلف المتخلف، ووصف حديث المسؤول العسكري بتهديدات هدفها جمع الأموال من المغتربين، ولا يتوافق مع النص القانوني المنشور على موقع “مديرية التجنيد العامة”.
وأضاف أن إجراءات البيع في حال حجز أموال المكلف صعبة بحد ذاتها، وإذا أرادت وزارة الدفاع تنفيذ التهديدات وبيع الأملاك المحجوزة لذوي المتخلفين فإنها ستجد صعوبة في ذلك، وربما يستغرق ذلك سنوات.
لماذا يصدّق اللاجئون؟
تحدثت عنب بلدي مع سوريين في تركيا، وقالوا إنهم لم يفهموا حتى الآن ما يمكن أن يقدم عليه النظام، وبحسب تعبيرهم، أصبحوا “ضائعين” بين التهديدات التي تطالهم كغيرهم من السوريين، وبين عدم وجود أي رادع لتطبيق التهديدات، حتى لو كان ذلك مخالفًا للقانون.
الباحث الاجتماعي طلال مصطفى فسّر لعنب بلدي تصديق السوريين لتهديدات النظام، بمعرفتهم أنه قادر على فعل ما يريده دون رادع.
وأوضح طلال مصطفى أن تصديق السوريين في هذه الحالة طبيعي، لأن أي إشاعة، علميًا، يكون فيها جانب صحيح يتراوح بين 50 و70%، وما تبقى منها يحمل المعلومات المغلوطة والكاذبة، وهو الجزء المطلوب إشاعته بين الناس.
الجانب الصحيح في التهديد الأخير هو أن هناك قانونًا ينص على إمكانية دفع مبلغ مقابل عدم الخدمة العسكرية، وهناك ضابط مكتب رسمي يقول ذلك، أما الجانب الكاذب فهو عدم وجود نص قانوني يسمح بحجز أموال ذوي المكلف.
وأوضح الباحث أن السوريين لديهم قناعة بأن كل ما يصدر عن النظام يمكن تطبيقه بغض النظر عن النص القانوني، وليس كل السوريين مطلعين على القانون، وعلى الإعلام توضيح أن ذلك خارج القانون.
وطالب مصطفى السوريين بالحذر من تهديدات النظام، وأن يكونوا واعين لها، بمعنى أن دفع السوريين مبالغ كبدل عن الخدمة العسكرية لن يقف بين النظام ورغبته إذا أراد حجز الممتلكات.
فائدة اقتصادية
أعداد الشباب المتخلفين عن الخدمة الإلزامية من السوريين في الخارج تبلغ عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف مع ذويهم الذين يطالهم القرار في حال تطبيقه، وهو ما يوفر لخزينة النظام أموالًا في أمس الحاجة إليها، فضلاً عن المزيد من التضييق على السوريين في الداخل ممن دفعوا أبناءهم للفرار خارج سوريا لأسباب سياسية أو تجنبًا للخدمة الإلزامية.
وإذا صدّقت نسبة قليلة من المغتربين حديث الضابط في وزارة الدفاع السورية عن الدفع، فسيحظى النظام بمبالغ جيدة من العملة الصعبة.
الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، قال لعنب بلدي، تعليقًا على فوائد النظام من أموال المغتربين، إن الرسوم القنصلية التي يدفعها السوريون في الخارج لتسيير معاملاتهم، والتي تشكل جوازات السفر الجزء الأكبر منها، بلغت نسبتها 5.2% من موازنة عام 2021.
وتظهر موازنة عام 2021 أن حكومة النظام السوري تتوقع أنها تستطيع تمويل 2.8% من نفقاتها من خلال إيرادات البدل النقدي، بينما كانت النسبة 1.8% فقط في موازنة عام 2020، إذ تتوقع تحصيل 240 مليار ليرة في العام الحالي مقارنة بـ70 مليار في العام الماضي.
ويعتقد شعار أن الزيادة المتوقعة تعود بالدرجة الأولى إلى سعر الصرف الذي يطبّق على الراغبين بدفع بدل خدمة العلم.
ممارسات النظام السوري المتمثلة برفع سعر الصرف المطبق على من يريدون دفع بدل خدمة العلم، وكذلك تهديد ذويهم مؤخرًا بالحجز على أموالهم، تعكس درجة صعوبة الوضع المالي للنظام، وخاصة تلك المرتبطة بالحصول على القطع الأجنبي لتمويل العجز المستمر في ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
ويصل عدد اللاجئين السوريين الذين اضطروا لمغادرة سوريا منذ 2011 إلى أكثر من خمسة ملايين و584 ألفًا، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين، وتصل نسبة الشباب الذكور بين عمر 18 و59 سنة (الفئة المستهدفة بقرارات بدل الخدمة العسكرية) إلى 32.9%.