تعا تفرج
من ميشيل عفلق إلى “المجلس الإسلامي”
خطيب بدلة
يجب علينا، نحن السوريين المشردين في مختلف أنحاء الأرض، أن نتوقف عن التشرد، ولو مؤقتًا، ونجتمع في مكان ما من العالم، ونتوجه بشكر جماعي جزيل لما يسمى بـ”المجلس الإسلامي السوري”، بسبب ذكائه، وألمعيته، وإصراره على متابعة شؤون السوريين حيثما وجدوا، وإنجازاته على جميع الأصعدة السياسية، والفكرية، والوطنية، والقومية، وآخرها إصداره وثيقة الهوية السورية. (انظر موقع حلب اليوم).
أهم ما في هذه الوثيقة الرائعة، المتألقة، التأكيد على أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب السوري! علينا أن نلاحظ هنا، وعلى الفور، أن هذا “المجلس” منحاز للعلوم الإنسانية المعاصرة، ومنها علم الإحصاء (Statistics)، ومطّلع على النسبة الحقيقية للمسلمين في المجتمع السوري، ولكنه لم يذكرها في بيانه لئلا تطير بَرَكتها، واكتفى باستخدام مصطلح “أغلبية الشعب”، والأغلبية، كما تعلمون، تبدأ من نسبة 51% وتصل إلى 99.99% التي كان الرفيقان المناضلان حافظ الأسد وصدام حسين يبلغانها في كل استفتاء شعبي. ومع أن المثقفين في “المجلس الإسلامي السوري”، وما أكثرهم، يعرفون أن مؤسس حزب “البعث العربي الاشتراكي”، ميشيل عفلق، هو الذي حدد هوية الأمة العربية بعنصرين أساسيين هما العروبة والإسلام، إلا أن “المجلس الإسلامي السوري” نقل فكرته، وتبناها، دون الإشارة إلى مصدرها، إذ قال عفلق، إن القطر السوري جزء لا يتجزأ من العالمين العربي والإسلامي، وأكد “المجلس” على أن اللغة العربية هي اللغة السائدة والرسمية في سوريا، وإن كان البعثيون يتغنون باللغة العربية، ويحاربون التغريب والتفرنج في سلوكهم السلطوي اليومي، فليعلم الجميع أن هذا التشابه بين الطرفين ليس إلا من قبيل المصادفة!
“المجلس الإسلامي السوري” يعرف أن ميشيل عفلق مسيحي، لذا، لم يكن مستحسنًا الإشارة إلى اسمه في وثيقة تختص بالكلام عن مصلحة المسلمين دون غيرهم! وقد نصت وثيقة الهوية السورية حرفيًا على أن “الإسلام ثقافة وحضارة لجميع المسلمين”، وهنا نكتشف عنصر ألمعية آخر موجودًا لدى أعضاء “المجلس”، وهو افتراقهم عن الخط الفكري الذي يتبناه نظام حافظ الأسد، فذلك النظام المجرم يدّعي أنه مسلم، ويبني المساجد، ويرعى المناسبات الدينية، ويكرّم علماء الدين، ويصلي رئيسُه أمام الكاميرات التلفزيونية في كل مناسبة، ويملأ البلاد بمعاهد تحفيظ القرآن، ولكنه يفعل ذلك لكي يبعث إلى العالم رسالة مفادها أن الدولة السورية هي للسوريين بكل مكوناتهم، وأن الأقليات تتمتع بحقوق المواطنة كاملة، وأما مجلسنا الإسلامي المعارض، الموقر، فأراد أن يبعث برسالة مختلفة، ملخصها أن سوريا للأغلبية المسلمة! ويبدو أن بعض معدي الوثيقة قد انتبهوا إلى أن التركيز على المسلمين سيثير حفيظة بعض مكونات الشعب السوري، والمجتمع الدولي، فأضافوا في خاتمتها جملة إنشائية تصلح لكل زمان ومكان، وهي “المكونات التاريخية العديدة الموجودة في سوريا والمتنوعة من ثقافاتها ولغاتها وأديانها وانتماءاتها هي مكونات أصلية، وحقوقها مصونة”.
ملاحظة: يمكن لبعض محبي الضرب تحت الحزام أن يهاجموا كاتب هذه الأسطر، مشككين بعروبته وإسلامه، حسنًا، هذا الحكي اعتدنا عليه، ولكن، بربكم، هل هذه هي “الهوية السورية” التي ثرنا من أجل تحقيقها؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :