بعد تحسن الليرة التركية، التي تحقق ثباتًا في الأيام الأخيرة بقيمتها أمام الدولار الأمريكي، يوجد أمل عند المواطنين بعودة أسعار البضائع التركية إلى سابق عهدها.
وعلى الرغم من أن الخط البياني لسعر صرف الليرة التركية أمام الدولار شهد تحسنًا منذ مطلع شباط الحالي، وبدا مبشرًا بإمكانية انخفاض أسعار السلع التي شهدت ارتفاعًا في أشهر جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، فإن الأسعار لا تزال على حالها، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
وسجلت الليرة التركية، في 20 من تشرين الثاني 2020، أخفض قيمة لها، إذ تخطى الدولار الأمريكي عتبة 8.5 ليرة.
بينما سجل سعر صرف الدولار، في 10 من شباط الحالي، 7.03 ليرة، وفق موقع متابعة تصريف العملات التركي “كور. دوفيز”.
الليرة تتحسن والأسعار ترتفع.. لماذا؟
تحتاج الأسعار إلى مدة زمنية للاستجابة لتقلبات سعر الصرف، فعندما وصل الدولار إلى 8.5 ليرة، لم تنعكس التغيرات على الأسعار مع انخفاض قيمة الليرة مباشرة.
الخبير الاقتصادي المالي الدكتور فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أن السوق التركية مفتوحة بعيدًا عن المركزية التي تتبعها الدول الاشتراكية، من خلال فرض الرقابة التموينية، وأوضح أن الأسعار في الأسواق المفتوحة يحكمها العرض والطلب.
وعن سبب عدم انخفاض أسعار السلع رغم تحسن قيمة الليرة التركية أمام الدولار، قال شعبو، إن “الأمر طبيعي لأن التجار اشتروا البضاعة سابقًا (عندما كان سعرها مرتفعًا) وسيحاولون بيعها بسعر يؤمّن ربحًا لهم”.
وتابع، “على الرغم من أن تركيا بلد صناعات محلية، فإنها تعتمد في ذلك على مواد أولية خارجية”، ما يربط أسعار السلع بأسعار المواد الأولية المرتفعة لدى استيرادها من الخارج عند انخفاض قيمة الليرة.
وفي رصد لأسعار الفواكه والخضراوات التركية المنشأ، لم يلاحَظ تغير كبير كأسعار المواد المستوردة من الخارج، إذ حافظت على استقرارها نوعًا ما.
العملة تتراجع والأسعار تتجاوب بمرونة.. العكس غير صحيح
دائمًا في عالم الاقتصاد، السرعة في رفع الأسعار أكثر مرونة من إعادتها إلى قيمتها السابقة، وفق الدكتور فراس شعبو.
وأوضح أن حالة نفسية تحكم قيمة الأسعار أكثر من الحالة الاقتصادية، فـ”رفع الأسعار يعد مشكلة كبيرة في عالم الاقتصاد، لأن عودة الأسعار لا تتعلق بعوامل اقتصادية فحسب، بل بنفسية عند التجار والأفراد”.
لذا، عندما تتحسن قيمة العملة تحتاج السوق إلى وقت أطول لإعادة أسعار السلع كما السابق، لأن الأسواق والتجار سيبدون ممانعة تجاه تخفيض الأسعار.
ولكن في الوقت عينه، إذا استقرت الليرة على قيمتها الجيدة لفترة طويلة، فهنا العرض والطلب سيتحكم بالأسعار وبالتالي تعود الأسعار للانخفاض.
وأشار شعبو إلى أن هذه العملية بالطبع تحتاج إلى تدخل حكومي للضبط والمراقبة من أجل الحفاظ على أسعار الصرف.
“كورونا” السبب
أدى انهيار الطلب منذ بدء انتشار جائحة “كورونا” إلى تراجع أسعار النفط، إذ استمر العالم في التباطؤ الاقتصادي مدفوعًا بإجراءات لاحتواء انتشار الجائحة، لتظهر تحديات مالية للبلدان التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للعملة الأجنبية والدخل.
المستشار بالاقتصاد التركي جلال بكار، في حديث إلى عنب بلدي، يرى أنه بغض النظر عن السوق التركية، يؤدي ارتفاع قيمة الأغذية العالمية (وصل إلى 17%) إلى ارتفاع الأسعار، مشيرًا إلى أن ارتفاع الطلب على أي سلعة يرفع من قيمتها، “وهو ما حصل في جائحة كورونا”.
ولفت بكار إلى أن أجور النقل وارتفاع أسعار البترول أثر بشكل مباشر على أسعار السلع التركية، وقال، “لذا من الممكن أن تجد أسعار البضائع التركية خارج تركيا أرخص من داخلها”.
للسياسة الداخلية دور في سعر البضائع التركية
هناك مشكلة واضحة على الصعيد السياسي تنعكس على الاقتصاد وأسعار المنتجات التركية، بحسب بكار.
ويذهب بكار في هذا السياق إلى أن “بعض الفئات الاقتصادية الكبيرة في البلاد التي تعارض رأي الحكومة التركية وسياساتها، ترفع أسعار منتجاتها على خلاف المنصوص عليه في الدولة”.
وهو ما من شأنه “تأليب الشعب على حزب (العدالة والتنمية)”، بينما “تعمل الحكومة على ضبط الأسعار من خلال آليات الرقابة والتقييم”، وفق تعبيره.
إجبار الدولة التجار على خفض أسعار منتجاتهم، مع تحسن الليرة التركية، يعني خسارة المستثمرين والشركات، وهو لا يصب بمصلحتها، وفق ما قاله الدكتور فراس شعبو لعنب بلدي.
واستدرك أنه رغم الحرية التجارية في الأسواق التركية، فإن الحكومة تفرض رقابة نوعًا ما، للحد من الجشع الذي قد يتولد عند التجار لتحقيق الكسب المادي في الأزمات.
التذبذب عدو الاقتصاد اللدود
المشكلة الكبرى الكامنة خلف خلق الأزمات الاقتصادية هو تذبذب سعر الصرف.
وأشار شعبو إلى أن تذبذب الأسعار يمنع التاجر من البيع والشراء، لأنه “لا يتمكن من تحديد الأسعار بشكل سليم، ولا المستثمر يمكنه التنبؤ بالأسعار، ما يخلق خللًا اقتصاديًا قد يقود إلى توقف شركات عن العمل”.
–