الحسكة – مجد السالم
خرج يوسف جلال من الصيدلية حاملًا كيسًا أبيض مليئًا بالعلب المختلفة الأحجام، بعد أن زار خمس صيدليات بحثًا عن الدواء المطلوب بسعر مناسب، “لم يعد غريبًا التنقل بين صيدلية وأخرى، والدخول في مجادلة مع الصيدلاني لتخفيض سعر علبة الدواء”، حسبما قال الرجل الخمسيني لعنب بلدي، واصفًا شراء الدواء بـ”بازار سوق الهال”.
بحث يوسف عن دواء يخص مرض الصرع، ووجد تفاوتًا في أسعار علبة الدواء ذاتها، من 17 ألف ليرة سورية (نحو ستة دولارات) وحتى 20 ألفًا، مشيرًا إلى أن 17 ألف ليرة تعادل “ثلث الراتب” الذي يتقاضاه.
كغيره من سكان مدينة القامشلي، يشكو يوسف من ارتفاع أسعار الأدوية وتفاوتها بين صيدلية وأخرى، بالإضافة إلى صعوبة تأمين بعض منها.
أسعار الأدوية في الحسكة.. “الأغلى” في سوريا
تعاني مها من مشاكل في الإنجاب، وتضطر لتناول أدوية “غالية الثمن” قام بوصفها الطبيب المختص، وكما قالت لعنب بلدي، ارتفع سعر أحد الأدوية من ألفين إلى ثلاثة آلاف ليرة خلال شهر واحد، مشيرة إلى أن زوجها اضطر لطلب كمية من الدواء عن طريق “أهل الخير” ممن يعرفهم في دمشق، حيث تقل الأسعار عما هي عليه في الحسكة.
تعد أسعار الأدوية في محافظة الحسكة عمومًا من أعلى الأسعار على مستوى سوريا بزيادة نحو 30% إلى 40% على دمشق، حسبما قال صيدلاني يملك أحد مستودعات الأدوية في القامشلي، تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، معددًا عوامل متعددة لرفع الأسعار، أولها رسوم نقل الأدوية التي تُدفع لحواجز قوات النظام، وتبلغ 1500 دولار عن كل متر مكعب من حجم حمولة الأدوية.
يكلف نقل السيارة المتوسطة الحجم نحو 4500 دولار، حسبما قال الصيدلاني، ويضاف إليها الرسوم التي تحصلها “الإدارة الذاتية” وهي 1% من قيمة كل فاتورة، كما أن “النقل البري للأدوية يستغرق عدة أشهر أحيانًا حتى تصل الحمولة إلى وجهتها، عدا عن مخاطر السرقة التي قد نتعرض لها، وتلف بعض كميات الأدوية نتيجة عمليات التفتيش المتكررة من قبل عشرات الحواجز المنتشرة على الطريق، كل ذلك يتطلب زيادة كبيرة في الأسعار كي نعوض تلك الخسائر”.
أرباح الدواء “لا تكفي”
الصيدلاني مالك مستودع الدواء، أشار إلى أن معامل الأدوية التي تقدم وكالات حصرية للمستودعات لبيع الأصناف الدوائية التي تنتجها المحافظة، تعطيها الأدوية بـ”أسعار مرتفعة” ومن دون أي حسومات خاصة تذكر أو أي “كميات مجانية”، كما كانت تفعل سابقًا، لتباع وتضاف كأرباح مباشرة للمستودع، وبرأيه فإن ذلك هو نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار، الذي تخطى حاجز ثلاثة آلاف ليرة سورية منذ كانون الثاني الماضي، و”لصعوبة تأمين المادة الدوائية الأولية للمعامل التي يدفع ثمنها بالدولار حصرًا”.
وعزا الدكتور خالد داوود، الرئيس المشترك لاتحاد الصيادلة في مدينة القامشلي، في حديث إلى وكالة “هاوار”، في 29 من أيلول 2020، تفاوت أسعار الأدوية “إلى عدم التزام الصيادلة بالإشراف على عملهم بأنفسهم، وذلك عن طريق تعيين أشخاص لا يملكون شهادات في مجال الصحة للإشراف على أمور الصيدلية”.
من جانبه، أرجع صيدلاني، تحفظ على نشر اسمه، عدم تقيد الصيدليات بسعر موحد لكل دواء إلى تباين الأسعار من قبل أصحاب المستودعات، مشيرًا إلى أن لكل مستودع قائمة أسعار مختلفة عن الآخر، وحجتهم في ذلك “الرسوم المرتفعة التي تفرضها حواجز النظام، والتي تختلف باستمرار من فترة إلى أخرى”.
كما يتم “تهريب” قسم من الأدوية إلى العراق “حتى تباع بأسعار مرتفعة”، ما يسبب ندرة بعض الأصناف وغلاءها، كالأدوية النفسية المهدئة وأدوية “الترمادول”، وأدوية الأمراض المزمنة، لذا لا يعتبر الصيادلة نسبة الربح المحددة من قبل “الإدارة الذاتية” بـ25% “كافية”، حسبما قال الصيدلاني لعنب بلدي.
وعلى الرغم من وجود منظمات وجمعيات خيرية في الحسكة يقدم بعضها أدوية مجانية، مثل منظمة “أطباء بلا حدود”، أو حتى معاينات طبية بأسعار رمزية، مثل جمعية “البر” الخيرية، فإن العديد من الأدوية التي يحتاج إليها السكان يضطرون لشرائها، ويعانون من انقطاعها المتكرر.
وتتركز معامل صناعة الأدوية في محافظات دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس، وهي مصدر لأنواع الأدوية التي تصل إلى المحافظة، ما يجعل النظام هو المتحكم بواردات الأدوية، واستخدمها كورقة ضغط على “الإدارة الذاتية”، من خلال منع وصولها بأكثر من مناسبة، وحجز كميات منها داخل مطار “القامشلي” أو على حواجزه البرية.