الرقة – حسام العمر
“تعقدت الأمور كثيرًا، ولم يعد أمرًا هينًا إنهاء المعاملة خلال فترة قصيرة كما كانت الحال سابقًا”، قالت صفاء، مشيرة إلى معاملة الكفالة التي تحتاج إليها كامرأة قادمة من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي لمتابعة إقامتها في الرقة.
تقف صفاء الناشف (35 عامًا) مع زوجها، برفقة جارهما “الكفيل”، أمام “مديرية السجل المدني” التابعة لـ”مجلس الرقة المدني”، بانتظار إتمام الإجراءات والمعاملات المطلوبة لتحصل على الكفالة في مناطق “الإدارة الذاتية”.
“إذن إقامة”، هو ما وصفت به صفاء الكفالة المطلوبة من الغرباء عن مناطق “الإدارة”، أو حتى من سكانها الراغبين بالانتقال والاستقرار ضمن المنطقة الشرقية، ووصفها آخرون بمعاملة “عنصرية” وغيرهم بـ”إجراء أمني لا بد منه”.
إجراءات “معقدة”
صفاء التي توجهت إلى مدينة الرقة مع زوجها بعد وقوعها تحت سيطرة فصائل المعارضة، في آذار من عام 2013، قالت إن عائلتها لم تجد مكانًا آخر للانتقال إليه طوال تلك المدة، لكنها لا تجد صعوبة في إيجاد الكفيل من أحد جيرانها.
لكن المعاملة تتطلب أولًا ورقة من “كومين” (وهو أشبه بمختار الحي)، مصدقة من “دار الشعب”، تقدم لـ”مديرية السجل المدني”، التي ترسلها بدورها إلى “الأمن الداخلي” للحصول على “موافقة أمنية”، وهذا يتطلب فترة زمنية، قد تصل أحيانًا إلى عشرة أيام.
ومن الأوراق المطلوبة أيضًا صورة هوية الكفيل، وفاتورة جباية كهرباء قبل عام 2011، وعقد إيجار منزل، وصور شخصية للشخص المكفول.
وتفرض “الإدارة الذاتية”، منذ تشكيلها عام 2014، على الوافدين من المناطق والمحافظات الأخرى، بعد عام 2011، إلى المنطقة التي تديرها، ضرورة إجراء المعاملة التي ورثتها من نظام “وحدات حماية الشعب” الحاكمة للمنطقة سابقًا.
وتختلف الثبوتيات والأوراق اللازمة لمعاملة الكفالة حسب المنطقة والقانون المعمول به من قبل “الإدارة المدنية” التي تتبع لها.
الضرورة أمنية
تعقيدات الكفالة “ضرورية”، حسب رأي أحد الإداريين في “مديرية السجل المدني”، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قائلًا إن مناطق “الإدارة الذاتية” الآمنة، تحولت إلى وجهة وملجأ لجميع السوريين، ما يحتم على مسؤولي تلك “الإدارة” إيجاد آلية أمنية لحماية الاستقرار الذي تحقق.
“الكفالة ليست إجراء عنصريًا كما يروج البعض، بقدر ما هي إجراء أمني، وتحاول مؤسساتنا مع مرور الوقت إيجاد صيغ وآليات لتخفيف التعقيد، مع حفاظها على الضرورة الأمنية بالدرجة الأولى”، حسبما برر الإداري في حديثه إلى عنب بلدي.
لا تخلو مناطق “الإدارة الذاتية” من التفجيرات ومحاولات الاغتيال، والإعلان المتكرر من قبل “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) في الرقة القبض على ما تصفها بـ”الخلايا النائمة”، التي تتبع للنظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
سنوات الحرب التي مرت على شرق الفرات لم تكن هادئة ولا مستقرة، إذ تعاقبت الجهات الحاكمة المتصارعة عليها، من فصائل المعارضة، والفصائل الإسلامية، وتنظيم “الدولة”، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مع بقاء جيوب متفرقة للنظام وحليفته روسيا، ولأمريكا “حامية النفط”، وكل منهم ترك بصمته بالدمار والانتهاكات التي عاناها المدنيون.
ولم تكن إقامة “الإدارة الذاتية” عاملًا للتهدئة بالمنطقة، مع اتهامها بـ”الانفصالية” من قبل النظام السوري، والتبعية لحزب “العمال الكردستاني” من قبل تركيا، التي تقدمت بمعونة فصائل سورية على المناطق الشمالية لـ”الإدارة”، بحجة حماية حدودها من “الإرهابيين”.
بينما يقف خالد النجم، المعلم البالغ من العمر 40 عامًا، في طابور أمام مبنى “السجل المدني”، تحدث لعنب بلدي عن “خذلان” يشعر به عند إجرائه تجديد كفالته كل ستة أشهر، مبينًا تذرع “الإدارة الذاتية” بنقص السيطرة الكاملة على المحافظات الشرقية في فرض الكفالة على أهالي دير الزور عند انتقالهم إلى المناطق الأخرى.
“كأني لست في سوريا، وكأن الرقة المضيافة منذ مئات السنين لم تعد كذلك، لقد أُقحمت هذه المدينة في قوانين دخيلة وجديدة على الشعب السوري، ولو سألت أهل الرقة لرفضوا هذا الأسلوب الذي نعامَل به اليوم في مدينتهم”، قال خالد غاضبًا، مضيفًا أن الكفالة ليست من “الإرث” الثقافي للسوريين، على حد تعبيره.
حكمت حبيب، نائب رئيس “الهيئة التنفيذية” التابعة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسية لـ”قسد”، وفي لقاء مع إذاعة “الفراتية” المحلية، في 16 من كانون الثاني الماضي، قال إن إجراء الكفالة هو أمر “ضروري”، للحفاظ على مناطق “الإدارة الذاتية” من “الخلايا النائمة التي تقوّض الأمن والاستقرار”.
وبرأي حبيب، لا تمس “الكفالة” كرامة السوريين، بقدر ما هي إجراء احترازي لـ”حماية” السكان من أهالي مناطق شمالي وشرقي سوريا والوافدين إليها.
وبحسب وكالة “هاوار”، أصدرت مديرية “السجل المدني” في الرقة خلال عام 2019 وحده 25688 بطاقة خاصة بالوافدين (كفالة)، من أصل 50 ألف بطاقة وإثبات أصدرتها المديرية في العام نفسه، وتشمل بطاقة المقيم التي تعطى لمن فقد إثباته الشخصي من سكان الرقة الأصليين.