إبراهيم العلوش
لا يكاد يخلو أي مقال في الإعلام الأمريكي من هذه العبارة عندما يتعلق الأمر بنشاطات إيران، فكيف تحولت نشاطات إيران إلى هذه الصفة الخبيثة، علمًا أن ثورة الخميني كانت ثورة ضد الاستبداد والظلم، وكيف تحوّل إرث رجل الدين من نشر السلام والرحمة والبركة، إلى المشاركة بالتدمير والتعذيب في سوريا؟
تحلّ هذه الأيام الذكرى الـ41 لانتصار الثورة الخمينية في إيران (شباط 1979)، التي أزاحت شاه إيران الذي كان يقوم بدور شرطي منطقة الخليج، وكان أحد أركان السيطرة الغربية على منابع البترول.
فالخميني عاد من منفاه الباريسي على متن طائرة فرنسية، بعد أكثر من 15 عامًا من الإبعاد من قبل الشاه، وتسلّم لقب مرشد الثورة الإيرانية عبر دستور ديني يطلق العنان لرجال الدين (الملالي) في حكم إيران، وقد توافق الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والألمان على عودة الخميني إلى إيران وتسلّمه الحكم في مؤتمر طارئ يدعى لقاء “غواديلوب” بداية عام 1979، وكان لفرنسا دور كبير في حماية طائرتها التي حملت الخميني من باريس إلى طهران!
ما إن تسلم الملالي السلطة حتى استعادوا دور شاه إيران، وورثوا جهاز مخابرات الشاه (سافاك) سيئ السمعة، وسحقوا اليساريين والعلمانيين والأحزاب المدنية التي كان لها دور مهم في انتشار التظاهرات والاحتجاجات ضد الشاه.
وخلال أشهر قليلة، سيطرت الدولة الدينية المطلقة على الحياة العامة ومنعت الحريات، في تحالف خفي مع الغرب لمحاربة الشيوعية، ومنع انتشارها في بلدان الشرق الأوسط وحول حقول البترول، وكان هذا التحالف مثاليًا بالنسبة لأوروبا وأمريكا ضد الاتحاد السوفييتي آنذاك، خاصة أن إيران من أكبر الدول البترولية في المنطقة مع العراق والسعودية.
لكن شعور العظمة والتكبر الذي كان يمارسه الشاه سرعان ما عاد للانتشار في عقول ومشاعر القادة الجدد لإيران، وبدؤوا يحلمون بنشر قيم دولة الولي الفقيه الدينية في أرجاء المنطقة، وكانت حرب العراق (1980- 1988) من أهم مؤشرات تلك العودة، وتوِّج ذلك التوجه بتوسيع سلطة “الحرس الثوري الإيراني”، و”فيلق القدس” الذي يعيث فسادًا في دول المنطقة، وفي سوريا ولبنان والعراق واليمن خاصة، وهذا ما صار يُعرف بنشاطات إيران الخبيثة في المنطقة.
مزج الملالي نظام حكمهم الديني بالمشاعر القومية، وبشّروا الناس باستعادة الدولة الفارسية القديمة التي كانت لها هيمنة كبيرة منذ قورش الأكبر قبل 2500 سنة، وقد كانت النخب الإيرانية تعاني من هذا التكبّر حتى في العصور الوسطى وبعد دخول الإسلام إليها، فقد ظلت القيم القومية تنافس القيم الدينية، وكان لاحتقار العرب نصيب كبير في هذا الشعور الزائد بالعظمة، ولعل كتب التراث العربي تعج بتلك المفارقات، وأشهرها كتب الجاحظ وغيرها من الكتب التي تناولت ذلك الشعور العدائي والعنصري.
وبرز من خلال هذا المزيج المتفجّر قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، الذي كان يُعتبر مهندس التدخل الخارجي، وصاحب الدور الكبير في تدمير سوريا وتهجير شعبها، ويشبهه السوريون بتيمورلنك الإيراني، وبلغت به العظمة أن هدد منابع البترول وقصف أكبرها في السعودية، وهذا ما جعل الأمريكيين يستهدفونه خلال عودته من دمشق إلى بغداد مطلع عام 2020، في إنذار للسلطة الإيرانية بأن البترول خط أحمر لا يقبل الأدوار الإيرانية الخبيثة.
نقطة أخرى برزت في الصراع الإيراني على استعادة أوهام العظمة، هي محاولتها نقل المعركة مع الأمريكيين بعيدًا عن أراضيها، وحشد قوات “فيلق القدس” في الجنوب السوري لاستخدامها، مثل جنوبي لبنان، ورقة تهديد إذا ضايق الأمريكيون إيران أو حاولوا استهدافها، وكان للقصف الإسرائيلي دور كبير في إضعاف النفوذ الإيراني ونشاطاته الخبيثة في سوريا، ولعل غارات 13 من كانون الثاني الماضي من أبرز الضربات لتجمعات الميليشيات الإيرانية في وادي الفرات، وجعلت الكثير من عناصر تلك القوات يفرون إلى أحضان “الفيلق الخامس” الروسي.
لم تكن نشاطات إيران الخبيثة دائمًا ضد الأمريكيين، بل كانت في خدمتهم أحيانًا، وخاصة في العراق، فقد كان التعاون الأمريكي- الإيراني واضحًا في دفع العراق إلى حالته المأساوية التي يعاني منها اليوم، و لعل ممارسات إيران في سوريا أيضًا كانت جزءًا من خطة تفتيتها الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية منذ عهد جورج بوش الابن، لرسم شرق أوسط جديد، ويعتقد الكثير من الناشطين السوريين ومنهم مصطفى حديد، أن الدور الخبيث لإيران في سوريا لم يكن يثير غضب الأمريكيين. لكن إسرائيل وجدت نفسها محاصرة بالميليشيات الإيرانية التي صارت تحتل المواقع العسكرية السورية الموجودة على محيط الجولان، واقتربت من افتتاح خط الإمداد العسكري الذي يصل بين طهران وبيروت لدعم “حزب الله” وتوريد الصواريخ الدقيقة له.
غيّر نظام الملالي الدور الذي كانت تقوم به إيران، وتحولت من شرطي أمريكي- بريطاني في الخليج إلى دولة محوريّة في طريق الحرير الصيني، وصارت تتلقى الدعم والتحريض من بكين في محاولة لتثبيت إيران كدولة تابعة لها، مثل تبعية كوريا الشمالية لبكين، وهذا ما يجعل نظام الملالي متساويًا مع نظام الشاه في مجال التبعية والعمل لدى هذا الطرف الدولي أو ذاك، على النقيض من شعاراته التي تدّعي القوة والاستقلالية.
الدور الخبيث لإيران في سوريا اليوم يتجلى باستمرار وجود ميليشياتها الطائفية في سوريا، وفي عرقلتها لأي حل سياسي، عبر عدم الاعتراف بالمعارضة السورية واعتبارها مجرد تنظيمات إرهابية، وعبر إفشال اللجنة الدستورية ومساعي الهيمنة الروسية التي تدفع بشار الأسد للتصديق على دستور جديد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في بداية الصيف المقبل. فدولة الملالي تريد استمرار النظام بكل تفاصيله وبكل الفوضى والتخريب الذي أنتجه، ليتسنى لها الاستمرار في نفوذها وهيمنتها على سوريا.