قصر القامة وبطء التطور الذهني
ماذا نعرف عن قصور الغدد جارات الدرق
د. أكرم خولاني
يرتبط عمل الغدد جارات الدرق (الدريقات) بمستويات الكالسيوم والفوسفور في الجسم، لذلك ينتج عن قصور عملها حدوث اضطرابات في مستويات هذه المعادن، ما قد يؤدي إلى العديد من المضاعفات، بعضها قابل للعكس، كالاضطرابات العصبية والعضلية، وبعضها غير قابل للعكس، كتوقف النمو (قصر القامة)، وبطء التطور الذهني لدى الأطفال، والساد العيني (المياه البيضاء)، وتشكل رواسب الكالسيوم في المخ التي يمكن أن تسبب مشاكل توازن ونوبات عصبية.
ما الغدد جارات الدرق؟
جارات الدرق، أو الدريقات، هي غدد صماء صغيرة في عنق الإنسان، وعادة ما يكون لدى الشخص أربع غدد جارات الدرقية، موجودة بشكل متفاوت على الجزء الخلفي من الغدة الدرقية، إذ يوجد زوجان منها خلف كل من الفص الأيمن والفص الأيسر للغدة الدرقية، هذه الغدد غير واضحة ولا يمكن الشعور بها في أثناء فحص الرقبة.
تتخذ كل غدة شكلًا بيضاويًا مسطحًا بلون بني مصفر فيما يشبه حبة الأرز، تكون عادة بطول حوالي 6 ملم وعرض 3-4 ملم، وسماكة 1-2 ملم من السطح الأمامي إلى الخلفي.
تتمثل الوظيفة الرئيسة للغدد جارات الدرق في الحفاظ على مستويات الكالسيوم والفوسفات في الجسم، وذلك عن طريق إفرازها الهرمون الجار درقي (PTH) المعروف أيضًا باسم باراثورمون (Parathormone – PTH)، فهذا الهرمون مسؤول عن التحكم والسيطرة على مستويات ثلاثة معادن في الجسم، هي الكالسيوم والفوسفور والمغنيزيوم.
يزيد الهرمون الجار درقي من مستويات الكالسيوم في الدم عن طريق تحفيز إطلاق الكالسيوم من العظم، كما يزيد من امتصاص الكالسيوم في الجهاز الهضمي من خلال تنشيط فيتامين “D”، ويعزز الحفاظ على الكالسيوم (إعادة امتصاصه) عن طريق الكلى.
وبالنسبة للفوسفات، فإن الهرمون الجار درقي هو المنظم الرئيس لتركيز الفوسفات في الدم عن طريق التأثير على الكلى، إذ يثبط إعادة امتصاص الفوسفور فيها، لكنه ومن خلال تنشيط فيتامين “D” يزيد امتصاص الأمعاء للفوسفات.
ما المقصود بقصور الغدد جارات الدرق؟
قصور الغدد جارات الدرق أو قصور الدريقات (Hypoparathyroidism) هو حالة غير شائعة تحدث عندما ينقص إفراز الهرمون الجار درقي (PTH) وينعدم تأثيره على أنسجة الهدف، التي تتأثر به في الوضع الطبيعي السليم، بغية تنظيم وضبط مخزون المعادن (كالسيوم، فوسفور، مغنيزيوم) في الجسم.
ما أسباب قصور الغدد جارات الدرق؟
يمكن أن ينتج قصور الغدد جارات الدرقية عن الأسباب التالية:
- تأذي الغدد في أثناء عمليات جراحية معقدة في الرقبة: تعد إزالة أو رض الغدد جارات الدرق بسبب جراحة الغدة الدرقية (استئصال الغدة الدرقية) أو جراحة الغدد جارات الدرق (استئصال الغدد جارات الدرق) أو التدخلات الجراحية الأخرى في الجزء المركزي من الرقبة (مثل عمليات الحنجرة و/أو البلعوم) هي السبب الأكثر شيوعًا لقصور جارات الدرق، وعلى الرغم من تطور الإجراءات الجراحية، لا تزال الأذية غير المقصودة للغدد أو لترويتها شائعة، وحين يحدث ذلك قد تتوقف الغدد جارات الدرق عن العمل.
- خلل مناعي ذاتي: بسبب هجوم مناعي ذاتي يهدم مبنى الغدة، ويعد قصور الدريقات المناعي الذاتي السبب الثاني الأكثر شيوعًا بعد الأسباب الجراحية، ويظهر كمرض عائلي– وراثي، ويمكن أن يحدث كجزء من متلازمات الغدد الصماء بالمناعية الذاتية.
- إشعاعات علاجية للعنق.
- ترسبات الحديد (داء ترسب الأصبغة الدموية)، أو النحاس (مرض Wilson)، أو الداء النشواني، وما يترتب عليه من خلل وظيفي في عدد من أجهزة الغدد الصماء، منها الغدد جارات الدرق.
- خلل خلقي: غياب الغدد جارات الدرق أو خلل تطورها خلل خلقي نادر في تطور غدد الدريقات (متلازمة دي جورج- DiGeorge syndrome).
- نقص مغنيزيوم الدم: يختفي قصور الدريقات تلقائيًا في هذه الحالة.
- إنتاج هرمون معيب (Defective) غير قادر على التأثير على أنسجة الهدف نتيجة خلل وراثي في إنتاج الهرمون.
- نشاط مفرط للحساس الذي يحدد للغدة درجة تركيز الكالسيوم في الوسط البرّاني للخلية، بسبب وراثي نادر، وهذه الصورة من قصور الدريقات لا تشمل تأثيرات مصاحبة، وتتميز بإفراز مكثف للكالسيوم في البول، خصوصًا عند محاولة موازنة تركيز الكالسيوم في الدم.
- متلازمة بركات: التي وصفها الطبيب اللبناني أمين بركات، وهي اضطراب وراثي في النمو يتميز بقصور الغدد جارات الدرق، والصمم الحسي العصبي، وأمراض الكليتين.
- قصور الدريقات الكاذب (Pseudohypoparathyroidism): يكون إنتاج الهرمون في الغدد جارات الدرق سليمًا، وقد يكون تركيزه في الدم مرتفعًا، لكن وجود خلل في الأعضاء الهدف يمنعها من التعرف عليه.
كيف يتظاهر قصور الغدد جارات الدرق؟
يتظاهر قصور جارات الدرق بأنواعه المختلفة بأعراض نموذجية لانخفاض تركيز الكالسيوم في الدم، وتشمل:
- إحساس نَمَل على طول الأطراف.
- انقباضات غير إرادية للعضلات (تكزز)، وخاصة في الأكف والأقدام.
- حدوث ألم في عضلات الوجه والساقين أحيانًا.
- تغير لون الأظافر وصلابتها بحيث تصبح هشة.
- تغير لون حدقة العين لتصبح داكنة أكثر.
- جفاف الجسم ونقص السوائل بشدة.
- الشعور بألم في منطقة البطن.
- اضطرابات الذاكرة.
- النفضة العضلية اللإرادية لعضلات الفم.
- ألم الحيض لدى الإناث.
- تساقط الشعر.
- التعرض للالتهابات الفطرية.
وقد يؤدي قصور جارات الدرق عند الأطفال إلى التظاهرات التالية:
- ضعف مينا الأسنان.
- تأخر نمو الأسنان.
- الصداع.
- قيء الأطفال.
- تأخر القدرات العقلية.
كيف يمكن تشخيص قصور الغدد جارات الدرق؟
عند الاشتباه السريري بوجود قصور الغدد جارات الدرق، يتم إجراء الفحوصات المخبرية التي تظهر المميزات التالية:
- تركيز منخفض للكالسيوم في الدم.
- تركيز مرتفع نسبيًا للفوسفور في الدم.
- تركيز منخفض لمغنيزيوم الدم.
- تركيز “PTH” مختلف وفقًا لسبب قصور الدريقات، ففي معظم الحالات يكون تركيزه منخفضًا، أو أقل من المتوقع، وفي حالات نادرة من اضطرابات أعضاء الهدف قد يكون تركيز “PTH” سويًا أو مرتفعًا.
كيف يتم علاج قصور جارات الدرق؟
الهدف من العلاج هو التخلص من الأعراض وإعادة مستويات الكالسيوم والفوسفور في الجسم إلى طبيعتها، وفي جميع الحالات يعتمد العلاج بشكل أساسي على المكملات الغذائية:
- أقراص كربونات الكالسيوم: تؤخذ عن طريق الفم، ولكن أخذ جرعات عالية منها يمكن أن يسبب آثارًا جانبية للجهاز الهضمي مثل حدوث الإمساك.
- فيتامين 😀 يُؤخذ بجرعات عالية مرة واحدة في اليوم، ويساعد على امتصاص الجسم للكالسيوم والتخلص من الفوسفور.
قد يسبب هذا العلاج فرط الكالسيوم في البول (نتيجة لانعدام تأثير الـPTHعلى الكليتين)، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشكل حصيات في المسالك البولية، لذلك قد يصف الطبيب أحد مدرات البول (مدر تيازيدي) التي تساعد على خفض كمية الكالسيوم المطروحة في البول.
والجدير بالذكر أنه في معظم الحالات يتعيّن أخذ هذه المكملات مدى الحياة.
- الكالسيوم الوريدي: في حالات نوبات انخفاض الكالسيوم الحادة يمكن إعطاؤه عن طريق الحقن الوريدي.
- هرمون الغدد جارات الدرق: يتم إنتاج الـ”PTH” بطرق هندسة جينية، وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء على هذا العلاج في صورة حقن مرة واحدة يوميًا لعلاج انخفاض الكالسيوم في الدم الناتج عن قصور الغدد جارات الدرقية، ويكون هذا الدواء متاحًا فقط من خلال برنامج مقيد للأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستويات الكالسيوم التي لا يمكن السيطرة عليها بواسطة مكملات الكالسيوم وفيتامين “D”، والذين يفهمون مخاطره، وذلك بسبب مخاطره المحتملة للإصابة بمرض سرطان العظام (ساركوما عظمية).
ويقوم الطبيب المعالج بفحص دم المريض بانتظام لمراقبة مستويات الكالسيوم والفوسفور، وتكون هذه الاختبارات في البداية بصورة أسبوعية إلى شهرية، وفي نهاية الأمر تصبح فقط مرتين في السنة.
كما يوصى المرضى بما يلي:
- الإكثار من تناول الأطعمة التي تحوي على فيتامين “D” والكالسيوم، مثل منتجات الحليب من الألبان والأجبان وجميع انواع الخضراوات الورقية الغامقة والقرنبيط واللوز والمشمش، وتجنب الأطعمة الغنية بالفوسفور، مثل المشروبات الغازية التي تحتوي على الفوسفور في شكل حمض الفوسفوريك، وكذلك الحد من اللحوم، والأجبان الصلبة، والحبوب الكاملة.
- ممارسة التمارين الرياضية بشكل دوري.
- تجنب التدخين، والكافيين، والكحول.
- شرب كمية كافية من الماء يوميًا (ما يعادل 6-8 أكواب).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :