عنب بلدي – زينب مصري
عند مستوى 43 مليون ليرة سورية، ما يعادل نحو 15 ألف دولار أمريكي فقط، وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وبـ64 صفقة عادية، أغلقت سوق دمشق للأوراق المالية تداولاتها في 19 من كانون الثاني الماضي، ما يشير إلى انعدام حصول الصفقات المؤثرة في حركة التداول أو ما يُعرف بـ”الصفقات الضخمة”.
غياب “الصفقات الضخمة” وانخفاض التداول ووصوله إلى أرقام قياسية، يعكس صورة الاقتصاد السوري المتدهور، ويؤكد غياب النمو الاقتصادي والتجاري في البلاد.
إذ تعكس بورصة الأوراق المالية في بلد ما الوضع الاقتصادي المحلي، وتمثل كفاءة الجهاز المصرفي حجر الزاوية في الارتقاء بجودة أداء البورصة نظرًا إلى طبيعة الارتباط والتكامل بينهمـا، خاصة التسهيلات المالية اللازمة لتمويل عمليات البورصة.
وتحرص الحكومات والسلطات المالية على مراقبة أنشطة الأسواق المالية، للدور الذي تلعبه في نمو الصناعة والتجارة، الذي ينعكس بدوره على اقتصاد البلاد، وذلك لأن الناتج الإجمالي عندما يزداد في الاقتصاد الذي ينمو، تشهد الشركات زيادة في الأرباح، ما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين، لإمكانية منحهم ربحًا أعلى.
ويعد توفير الموارد المالية من خلال التمويل المباشر عبر آلية سوق الأوراق المالية، إحدى أهم الآليات المستخدمة في توسيع النشاط الاقتصادي وإحداث عملية التنمية في الدول النامية.
أُسست سوق دمشق للأوراق المالية بموجب المرسوم التشريعي رقم “55” لعام 2006، الصادرعن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومقرها دمشق.
وتتمتع السوق، بحسب المرسوم، بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي والإداري، ولها بهذه الصفة، تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها، والقيام بجميع التصرفات القانونية لتحقيق أهدافها، ولها حق التقاضي. وتهدف السوق إلى توفير المناخ المناسب لتسهيل استثمار الأموال وتوظيفها، وتأمين رؤوس الأموال اللازمة لتوسيع النشاط الاقتصادي، من خلال ترسيخ أسس التداول السليم والواضح والعادل للأوراق المالية. |
أتى الإعلان عن افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية في مرحلة الترويج الحكومي لمبادئ “اقتصاد السوق الاجتماعي”، التي كانت في ظاهرها تسعى إلى الموازنة بين الاشتراكية والرأسمالية الاقتصادية، بحسب الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار.
وقال شعار لعنب بلدي، إن “اقتصاد السوق الاجتماعي” في الواقع كان مجرد غطاء تتجه فيه سوريا إلى الرأسمالية الاقتصادية دون إغضاب القاعدة الشعبية المرتبطة بحزب “البعث العربي الاشتراكي”.
وأضاف أنه على الرغم من الإعلان عن سوق دمشق للأوراق المالية في عام 2006، لم يبدأ التداول الفعلي حتى عام 2009 في ظل عزوف معظم الشركات السورية عن التداول، باستثناء تلك العاملة في قطاع المصارف، وذلك لكون التداول فيها يتطلب درجة من الشفافية لا تناسب معظم أرباب الأعمال في سوريا بسبب التخوف من الضرائب.
الأداء منخفض.. ما الأسباب؟
انخفض أداء سوق دمشق للأوراق المالية خلال عام 2020، بسبب عزوف المستثمرين عن التداول وانتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، بالإضافة إلى الانعكاسات الاقتصادية السلبية التي يسببها تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، على قرارات المستثمرين في السوق.
واتجه التداول في السوق نحو الانكماش بعد الحرب في سوريا، إذ انخفض مؤشر السوق بما يتجاوز 40% في العام الأول من اندلاع الاحتجاجات عام 2011، بحسب الدكتور كرم شعار.
ومع انتشار جائحة “كورونا”، خُفضت أيام التداول إلى يوم واحد في الأسبوع فقط، في ظل عزوف شبه كامل من معظم المستثمرين، ودعوات إلى تعليق التداول بشكل كامل، إذ أرسلت “شركات الوساطة المالية” كتابًا رسميًا إلى هيئة الأوراق المالية، تطالب فيه بتعليق العمل بسبب الظروف التي فرضتها الجائحة.
إلا أن السوق رفضت الطلب بتعليق التداول، وأكد نائب المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية، كنان ياغي، أن العمل مستمر في السوق، مع تقليص أيام التداول إلى يوم واحد فقط هو الاثنين، وتخفيض عدد الموظفين، بهدف السماح لمن يريد بيع أسهمه بالحصول على سيولة نقدية، وضبط تراجع أسعار الأسهم، “الذي قد يستغله البعض لتحقيق مكاسب على حساب صغار المستثمرين”.
ولا تقتصر أسباب الانخفاض على تأثيرات جائحة “كورونا” الاقتصادية وتقلبات سعر الصرف فقط، إذ أرجع المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية، عبد الرزاق قاسم، أسباب انخفاض الأداء في السوق إلى عدم تنفيذ عدد من الصفقات الضخمة على أسهم بعض المصارف خلال عام 2020، كتلك التي نُفذت في 2019.
وقال في تصريح لإذاعة “ميلودي إف إم“، في 31 من كانون الثاني الماضي، إنه لا يمكن فصل الاستثمار ببورصة دمشق والتداولات فيها عن الوضع الاقتصادي العام الموجود في سوريا.
وأضاف أنه عند الاستقرار النسبي لسعر الصرف في عام 2017 كان هناك ارتفاع في قيم التداولات، ولكن بوجود تقلبات في سعر الصرف يصبح من الصعب جدًا على المستثمر تحديد وقت دخوله وخروجه من السوق.
كما تؤثر في أحجام وقيم التداولات بسوق دمشق للأوراق المالية، بحسب قاسم، قلة عدد الشركات المساهمة التي تحقق شروط الدخول إلى السوق، والبالغ عددها 27 شركة من أصل 53 شركة مساهمة عامة في سوريا، بالإضافة إلى قلة عدد المساهمين في بعض الشركات المدرجة.
وتصنف الصفقة على أنها ضخمة عندما تتجاوز قيمتها 25 مليون ليرة سورية.
تهرب من العقوبات
للاستثمار في سوق دمشق للأوراق المالية، يحتاج الأشخاص إلى فتح حساب لدى إحدى شركات الوساطة المسجلة في السوق، التي تلعب دور الوسيط بين المستثمر الجديد والشركات المدرجة، وتُنفذ أوامر شراء وبيع الأسهم عن طريقها مقابل عمولة تتقاضاها لقاء كل صفقة.
وشركات الوساطة المسجلة في السوق ثمانٍ، هي “بيمو السعودي- الفرنسي المالية”، “شام كابيتال”، “العالمية الأولى للاستثمارات المالية”، “أسيريا الشرق للخدمات والوساطة المالية”، شركة “سوريا والمهجر للخدمات المالية”، “المركز المالي الدولي للخدمات والوساطة المالية”، ”ضمان الشام للوساطة والخدمات المالية”، شركة “ألفا كابيتال للخدمات المالية”.
وأشار قاسم إلى أن السوق تكون مسؤولة عن التسوية المالية للصفقات العادية، أما عندما تكون الصفقة ضخمة فتتم التسوية المالية بين البائع والمشتري بقيمة هذه الصفقات عبر شركات الوساطة.
وأوضح أن سوق دمشق للأوراق المالية كانت تنشر سابقًا أسماء شركات الوساطة وليس الشخص الذي يقوم بالشراء أو البيع، بالإضافة إلى إفصاحات متعلقة بنسب الملكية الموجودة بالشركات.
ولكن نتيجة الظروف والعقوبات الاقتصادية الغربية على أفراد وكيانات تابعة للنظام السوري، تقرر الابتعاد عن ذكر هذه الأسماء تجنبًا لتعريض بعض منها للعقوبات.
“سيريتل” خارج حسابات السوق
تشمل الشركات المدرجة في السوق قطاعات الاتصالات والمصارف والتأمين والخدمات والقطاع الصناعي والزراعي، ويشمل قطاع الاتصالات شركتي “سيريتل” و”MTN”.
لكن شركة “سيريتل” للاتصالات تخضع مع “بنك الشام الإسلامي”، وهو من الشركات المدرجة في البورصة، لعقوبات أمريكية.
ولم تدرج شركة “سيريتل” للاتصالات التي كان يديرها رجل الأعمال وابن خال رئيس النظام السوري رامي مخلوف في البورصة حتى عام 2020، بسبب تهرب معظم المستثمرين السوريين من الإعلان عن الحجم الحقيقي لنشاطاتهم الاقتصادية، وكذلك البيئة الاستثمارية المنفرة لمعظم المستثمرين، ولذلك بقي دور سوق دمشق للأوراق المالية هامشيًا قبل بدء الحرب، بحسب الدكتور كرم شعار.
وقال المدير التنفيذي للسوق، عبد الرزاق قاسم، إن شركتي “سيريتل” و”MTN” للاتصالات دخلتا إلى السوق عام 2020، لكن لم يكن لإدراجهما في الشركات المساهمة أي أثر “كبير”.
وأرجع ذلك إلى عدم وجود تداولات في السوق على أسهم “MTN”، بسبب بنية الشركة من جهة العدد القليل للمساهمين، البالغ عددهم حوالي 20 مساهمًا، وبسبب عدم طرحهم أسهم الشركة للتداول العام.
وتأثرت التداولات على أسهم شركة “سيريتل” بعد صدور قرار هيئة الأوراق والأسواق المالية بتعليق التداول على أسهمها على خلفية العلاقة والإشكاليات بين الشركة و”الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”.
وكانت الهيئة اتهمت، في نيسان 2020، شركتي “سيريتل” و”MTN” بعدم دفع ضرائب مستحقة لخزينة الدولة، وأمهلتهما حتى 5 من أيار 2020 بدفع مستحقات بقيمة 233.8 مليار ليرة سورية، لكن مالك شركة “سيرتيل”، رامي مخلوف، لم يستجب، واعتبر أن هذه الأموال غير قانونية، ما تسبب في الحجز الاحتياطي على أمواله وخسارته 14 شركة في خلافه مع النظام السوري.
غياب الثقافة “البورصوية”
يؤدي غياب الشفافية من قبل الشركات والمصارف، واقتصار الاستثمار فيها على شركات وقطاعات محددة، وغياب ثقافة الاستثمار في الأسهم، وشح المعلومات عن هذا القطاع الاقتصادي، إلى إبعاد المستثمرين عن الاستثمار في بورصة دمشق.
وفي حديث لموقع “الاقتصادي“، في 25 من كانون الثاني الماضي، أشار مدير السوق، عبد الرزاق قاسم، إلى أن السوق حاولت توعية الناس وتشجيعهم على الاستثمار في البورصة، لكن قلة الثقافة “البورصوية” سببتها الحرب في سوريا والحالة الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد.
وقال إن الأزمة التي بدأت بعد فترة قصيرة من تأسيس السوق، لم تشجع على فكرة الاستثمار في الأوراق المالية كوسيلة من وسائل الاستثمار، ورغم ذلك، حرصت السوق على التوعية من خلال تقديم العديد من المحاضرات والندوات إلى المهتمين للتعريف بآلية الاستثمار وكيفية التداول.