في 5 من كانون الثاني 2014، وعن طريق مجموعة من السماسرة، اشترى أحمد العلي من سكان ريف الرقة الشمالي أرضًا زراعية أملاك دولة أو ما يعرف بـ”وضع اليد” من شخص آخر.
وثق أحمد عملية الشراء بعقد بينه وبين البائع، وعلى الرغم من علمه المسبق بأن الأرض أملاك دولة، اشتراها ليحولها إلى مزرعة ويستفيد منها، إذ زرع فيها 300 شجرة زيتون، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
مساحة الأرض 20 دونمًا، وبلغت قيمتها عند الشراء 125 ألف ليرة سورية (تعادل نحو 900 دولار أمريكي حينها)، بحسب أحمد الذي أشار إلى أن عقد الشراء “لا يحميه من الجهة التي تسيطر على المنطقة”.
تفاجأ أحمد من القرار الصادر عن “المجلس التشريعي” في مدينة الرقة شمالي سوريا، في 14 من كانون الثاني الماضي، الذي يمنع التصرفات العقارية على الأملاك العامة في المدينة، بعد تاريخ 4 من آذار 2013.
وأشار أحمد إلى أن للقرار تأثيرًا كبيرًا عليه، لأنه وضع رأس ماله كاملًا في شراء الأرض، ولا يستطيع استرداد المبلغ، لأن العقد لا يتضمن شروط استرجاع الأموال حين طلب السلطات الحاكمة للأرض، لذلك يجب ألا يطبق القرار على الذين استثمروا الأراضي، بحسب رأيه.
منع التصرفات العقارية بالأملاك العامة
يعمل “مكتب الأملاك العامة” في “لجنة الزراعة” التابعة لـ”مجلس الرقة المدني” على “تحقيق المصلحة العامة” حول الاستفادة المثلى من الأملاك العامة في مدينة الرقة وريفها من أراضٍ زراعية أو أراضي البادية المخصصة للرعي، والحفاظ عليها من “المستحوذين بطرق غير قانونية”.
كما يؤجر الأراضي الزراعية العامة للفلاحين بغرض زراعتها والاستفادة منها، بحسب ما نقلته وكالة “هاوار” للأنباء، في 28 من كانون الأول 2020.
وأُسّس “مكتب الأملاك العامة” بمدينة عين عيسى في 2017، ثم حُوّل لاحقًا إلى مدينة الرقة.
وذكرت الوكالة أن المكتب يُنظّم جولات ميدانية بالتنسيق مع “مجالس الشعب” والبلديات في الأرياف للحفاظ على الأملاك العامة ومنع التعدي عليها وإصدار التعاميم الخاصة بذلك، واتخاذ التدابير القانونية بحق المخالفين أصولًا وحسب القوانين النافذة.
وقالت إن المكتب أجّر خلال عام 2019 نحو 25 ألف دونم من الأراضي، ووقّع 417 عقدًا مع المستفيدين، بقيمة إجمالية 18 مليونًا و600 ألف ليرة سورية.
ورغم ذلك، منع “المجلس التشريعي”، التابع لـ”الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا، “منعًا باتًا” البناء (التشييد أو التشجير أو التسوير) على أراضي أملاك الدولة، وتملّك أو بيع أو شراء الأملاك العامة (عقود الإيجار، وضع اليد) بعد تاريخ 4 من آذار 2013، “حفاظًا على الأملاك العامة”.
كما منع جميع المكاتب العقارية من بيع أو شراء أو أي وساطة عقارية تقع على أراضي الأملاك العامة، الزراعية وغير الزراعية، تحت طائلة المساءلة القانونية، واعتبر أن أي إجراء “مخالف” يعد كأنه لم يكن، وتُبطل جميع آثاره ومفاعيله القانونية.
وأوقف جميع “التعديات”، ووجه بإزالة كل المخالفات الواقعة على الأراضي الزراعية وغير الزراعية في الأملاك العامة بعد التاريخ المذكور، كما أوقف البت في القضايا ذات الصلة، ووجه بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ.
ثم أصدر “مجلس العدالة الاجتماعية” الذي يحل محل مجلس القضاء في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، في 29 من كانون الثاني الماضي، قرارات حول الدعاوى القضائية المتعلقة بالعقارات في تلك المناطق، ألغت ما سبقها من قرارات.
وذكر بيان للمجلس، فيما يتعلق بدعاوى الحيازة الأخرى والمتعلقة بأملاك الدولة، أنه لا تسمع هذه الدعاوى إلا بعد الحصول على إذن أو عقد إيجار من الجهة الإدارية المختصة، بما يتعلق بالعقارات الواقعة خارج المخططات التنظيمية أو لجنة البلديات والإدارة المحلية والبلدية المختصة بالنسبة للعقارات داخل المخططات التنظيمية.
ولاستيضاح تفاصيل قرارات “المجلس التشريعي” في الرقة، حاولت عنب بلدي التواصل مع الرئيس المشترك لبلدية الرقة، أحمد إبراهيم، لكنها لم تتلقَّ ردًا.
كيف يُكتسب حق التصرف على الأراضي الخالية عن طريق الاستيلاء؟
عرفت المادة “86” من القانون المدني السوري العقارات الخالية المباحة أو الأراضي الموات، بأنها “الأراضي الأميرية التي تخص الدولة إلا أنها غير معينة ولا محددة، فيجوز لمن يشغلها أولًا أن يحصل بترخيص من الدولة على حق أفضلية ضمن الشروط المعينة في أنظمة أملاك الدولة”.
وجاء في المادة “833” من القانون المدني السوري أن “الاستيلاء على العقار يخول أول من أشغله بترخيص قانوني من الدولة حق تفضيله على من سواه لاكتساب حق التصرف في العقارات المحلولة الخالية”.
كما تنص المادة “834” من القانون المدني السوري على ما يلي:
1ـ إذا أثبت صاحب حق الأفضلية بعد انقضاء مدة ثلاث سنوات أنه أحيا أرضًا، أو بنى عليها أبنية، أو غرس فيها غراسًا، أو رتبها ضمن الشروط المعينة في الأنظمة الخاصة بأملاك الدولة، فإنه يكتسب مجانًا حق تسجيل التصرف على القسم الذي أحياه أو غرسه أو أنشأ عليه أبنية أو رتبها.
2ـ يفقد حق التصرف إذا توقف بعد التسجيل، وفي خلال العشر سنوات التالية للتسجيل، عن استعمال حقه مدة ثلاث سنوات متوالية.
يتوقف اكتساب حق التصرف على الأراضي الموات عن طريق الاستيلاء على ثلاثة شروط وهي:
- أن يحصل الراغب في الاستيلاء على ترخيص من الدولة.
- أن يثبت المستولي أنه أحيا الأرض التي وضع يده عليها.
- أن يقوم بتسجيل حق التصرف بالسجل العقاري.
ويعطى الترخيص من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ويعد وضع اليد على الأراضي الموات دون ترخيص جريمة يعاقب عليها القانون في تشريعات أملاك الدولة.
وإذا امتنعت الدولة عن تسجيل حق التصرف لاسم المستولي على الرغم من توفر شروط الاستيلاء القانونية، كان له أن يرغمها على ذلك باستحصاله على حكم قضائي يتضمن وجوب تسجيل الحق المكتسب على الوجه القانوني.
والاستيلاء لا يخول اكتساب أي حق على عقار مسجل في السجل العقاري، أو تحت إدارة أملاك الدولة، أو على الغابات، أو العقارات المتروكة المرفقة أو المحمية.
قرارات متناقضة
المحامي أحمد صوان يرى أن قرار “المجلس التشريعي” المتعلق بمنع التصرفات العقارية على أملاك الدولة بالمجمل “إيجابي”، لأنه يحرص على تلك الأملاك ويحميها من التعدي ويحظر غصب مساحات من الأملاك العامة.
لكن القانون يشمل، من ناحية أخرى، أحكامًا “ظالمة” برأي المحامي، بحق من استأجر أو اشترى من أملاك الدولة خاصة في الفترة الواقعة بين 4 من آذار 2013 وحتى تاريخ صدور القرار في 13 من كانون الثاني الماضي، لأن الفقرة الأولى تتناقض مع مبدأ قانوني معروف ينص على عدم رجعية القوانين.
وهذا المبدأ يعني أنه عند صدور قانون جديد فإن أحكامه تصبح سارية من يوم نفاذه، و لا يجوز أن يمتد مفعوله إلى تاريخ يسبق يوم صدوره، بحسب المحامي.
ولهذا فإن شمول هذا القرار للتصرفات التي تمت منذ عام 2013 هو نص “باطل”، هذا إن كانت العقود السابقة موافقة للقانون الساري وقت إبرام العقد، وأما إذا كانت تخالف القوانين السارية في وقت إبرامها فهي باطلة لأنها عقود ولدت “ميتة”.
وقال صوان لعنب بلدي، إنه يجوز بيع أراضي أملاك الدولة ولكن بشروط صعبة و إجراءات معقدة وفق القانون رقم “161” لعام 1958 وتعديلاته والقانون رقم “252” لعام 1959.
ولكن البيع حاليًا مقتصر على الجهات العامة عملًا بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم “5” لعام 1986 المعمول به حتى الآن.
كما يجوز استئجار واستثمار أراضي أملاك الدولة لغايات غير زراعية (سياحية، خدمية، صناعية، تجارية) وفق البلاغ رقم “299” لعام 2013، إذ يصدر كتاب عن مديرية أملاك الدولة في وزارة الزراعة يتضمن تصديق عقد التأجير والاستثمار إذا كان الاستثمار يتوافق مع الشروط القانونية المعتمدة بالوزارة.
قرار “جيد” ظاهريًا “باطل” ضمنيًا
قانوني مطلع مقيم في دمشق قال لعنب بلدي، إن أملاك الدولة أو الأملاك العامة في سوريا هي الأملاك المسجلة باسم الجمهورية العربية السورية، وإذا كان العقار أو الأرض المعروضة للبيع على سبيل المثال مسجلة باسم وزارة التربية فإن المفوض ببيعها هو الوزير.
وتساءل القانوني عن صفة السماسرة الذين يبيعون الأملاك العامة في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، إذ إن الأشخاص المخولين بالبيع يكونون ممثلين عن الشخص الاعتباري، وبذلك فإن الشخص الذي قبض أموال الأرض قام بجرم احتيال، وعملية البيع باطلة.
وقال القانوني لعنب بلدي، إن “الإدارة الذاتية” إذا أرادت بيع أرض أو عقار بصفتها سلطة الأمر الواقع حاليًا، وفي حال سيطرة حكومة النظام السوري على المنطقة الشمالية الشرقية مجددًا، فستعود ملكية الأرض أو العقار للدولة، إلا في حال وجود اتفاق سياسي، وإلى ذلك الحين تبقى الأراضي والعقارات أملاكًا عامة لا يجوز التصرف بها، إذ لا تمتلك سلطة الأمر الواقع الشرعية للقيام بذلك.
وأضاف القانوني أن لقرار منع التصرفات العقارية الصادر عن “الإدارة الذاتية” منطقًا خاصًا به، لا يمكن وصفه بـ”الجيد”، لأن “الإدارة الذاتية” تمتلك أهدافًا خاصة بها، وستستثمرها لنفعها الخاص، أو تؤجرها عقابًا للأشخاص الذين تعاملوا مع تركيا.
وأشار إلى أنه يمكن اعتبار القرار “جيدًا” من حيث الظاهر فقط، لكنه ضمنيًا يعود بالنفع المادي على مؤسسات “الإدارة الذاتية”.
كيف تُحفظ الحقوق؟
المحامي أحمد صوان قال، في حديثه إلى عنب بلدي، إنه يمكن للشخص الذي اشترى أو استأجر عقارًا من أملاك الدولة أن يتمسك بالعقد باعتباره عقدًا صحيحًا في التاريخ الذي أبرم فيه.
وأشار إلى أن العقد يعتبر صحيحًا ينتج أثره ويستطيع المتعاقد أن يتمسك به بشرطين، هما أن يكون المتعاقد قد سدد الثمن أو بدل الايجار، وأن تكون السلطة التي باعته أو أجرته بتاريخ العقد هي سلطة مختصة وشرعية وتملك صلاحيات البيع أو التأجير بموجب القوانين السائدة.
هدم منازل “مخالفة”
القرارات الصادرة عن مؤسسات تابعة لـ”الإدارة الذاتية” جاءت بالتزامن مع هدم بلدية “الشعب” في الرقة منازل في منطقة المدخل الشمالي الغربي للمدينة، والمعروفة باسم مفرق حزيمة أو دوار حزيمة، بذريعة أنها أبنية مخالفة، و”اعتداء” على الملكية العامة.
وبحسب شهادات محلية من سكان الحي لعنب بلدي، صار عشرات الأهالي دون مأوى بعد قدوم عشرات العناصر مع دبابة ومركبات تابعة للبلدية إلى الحي، وهدم المنازل بعد إخراج الأهالي وتجميعهم والاعتداء عليهم بالضرب.
وبررت البلدية الهدم، في بيان صادر في 23 من كانون الثاني الماضي، “للحفاظ على الممتلكات العامة ومكتسبات الأهالي”، بقرار صادر من “مجلس الرقة المدني”، وطلبت البلدية من جميع الأهالي في مدينة الرقة عدم التعدي على الممتلكات العامة، “لأنها ملك للجميع ولا يحق لأحد أن يتلاعب بها”، مهددة كل من يخالف ذلك بالسجن والمساءلة القانونية.
ويدير “مجلس الرقة المدني” شؤون مدينة الرقة، وأُسس في 18 من نيسان عام 2017، في عين عيسى بريف الرقة الشمالي، لينتقل لاحقًا إلى المدينة بعد سيطرة “قسد” عليها في العام ذاته.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، قال الناشط من مدينة الرقة أحمد الصالح لعنب بلدي، إن منطقة دوار حزيمة التي هُدمت فيها المنازل هي “مطار زراعي” في المخطط التنظيمي، ما يعني أنها أملاك دولة، ولكن المطار فعليًا غير موجود ولم يبدأ تنفيذه.
وأضاف أنه حتى بوجود نية لإقامة المطار الزراعي، يجب أن يقام بمقر “الفرقة 17″، لكون مساحتها واسعة وغير مأهولة بالسكان، وتحتوي على مقرات تابعة لـ“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وبحسب أحمد الصالح، فإن منازل في المنطقة قد تهدمت مسبقًا بقصف قوات “التحالف الدولي”، وعاود الأهالي البناء على أراضيهم القديمة، ما يعني أن المنطقة تحوي ما يقارب 300 بناء قديم وجديد.
وفي 21 من كانون الثاني عام 2014، أُسست “الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة”، لتتبعها “إدارات ذاتية ومدنية”، توحدت في 6 من أيلول عام 2018، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، حسبما أعلن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذارع السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وسيطرت “قسد” على مدينة الرقة، في 17 من تشرين الأول عام 2017، بعد معارك دامت 166 يومًا ضد التنظيم، بدعم من “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يوفر الغطاء الجوي والدعم اللوجستي للقوات المقاتلة على الأرض.
وبعد تمكن “قسد” من إبعاد قوات التنظيم عن المنطقة، أُعلن قيام “الإدارة”، التي ذكر “مسد” أن الهدف منها هو “تشكيل هيكل إداري ينسق الخدمات بين المناطق، ولملء الفراغ الإداري والأمني”.
وتتضمن هيكلية “الإدارة” مجلسًا تنفيذيًا مشرفًا على عمل “إدارات مدنية ديمقراطية”، تتكون من “مجالس عامة وتشريعية” في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، بينما تعتبر “المجالس المدنية” للمنطقة بمثابة حكومات تدير الشؤون المحلية.
–