دعت “مجموعة الأزمات الدولية” الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة النظر في وضع مدينة إدلب، وتصنيف “هيئة تحرير الشام”، المسيطرة عسكريًا على المدينة وأجزاء من ريف حلب الغربي، كيانًا “إرهابيًا”.
وذكرت المجموعة، في تقرير صدر الأربعاء 3 من شباط، أنه “إذا كانت إدارة بايدن تتطلع إلى تصحيح سياسة واشنطن الخارجية المفرطة في العسكرة، فإن إحدى الفرص لإعادة تحديد استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تكمن في إدلب”.
واعتبر التقرير أن التسمية “الإرهابية” التي أُلصقت بـ”أقوى جماعة متمردة في إدلب” تقوض وقفًا حاسمًا لإطلاق النار، وتغلق المسارات المحتملة لتجنب مواجهة عسكرية، كما تعكس فجوة في السياسة الغربية.
وقال التقرير، إن التغييرات التي مرت بها “الهيئة”، كانفصالها عن تنظيم “القاعدة”، وسعيها للدخول إلى مجال المشاركة السياسية في مستقبل سوريا، يجب أن تفتح، من الناحية النظرية، الفرص لتجنب تجدد العنف في المنطقة.
لكن من الناحية العملية، فإن استمرار تصنيف “هيئة تحرير الشام” منظمة “إرهابية” (كما حددتها الولايات المتحدة وروسيا ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتركيا) يمثل عقبة رئيسة، وله تأثير على الدعم الغربي لتوفير الخدمات الأساسية في إدلب، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
كما يحول دون إجراء مناقشات مع “هيئة تحرير الشام” نفسها حول سلوكها ومستقبل المنطقة التي تسيطر عليها ، حيث تتجنب الدول الغربية والأمم المتحدة الاتصال تمامًا، بينما تحصر تركيا نفسها في الحد الأدنى المطلوب لتسهيل وجودها العسكري في إدلب.
وأضاف التقرير أن هناك حاجة ملحة لأفكار إبداعية حول كيفية الحفاظ على الهدوء “الهش” بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الروسي- التركي، من خلال معالجة مسألة وضع “الهيئة” مباشرة.
واعتبر أنه من الصعب أن تتبنى الأطراف الفاعلة في وضع المنطقة الشمالية الغربية هذه الأفكار، وذلك لأن أنقرة مترددة في التعامل دبلوماسيًا مع “الهيئة”، في ظل غياب الدعم الدولي، وتفضّل موسكو ودمشق “انتصارًا عسكريًا صريحًا” على “الهيئة”، وتركز “الهيئة” نفسها على الدفاع عن إدلب من المزيد من تقدم النظام.
وذكر أنه يجب أن تعمل إدارة بايدن مع الحلفاء الأوروبيين وتركيا للضغط على “هيئة تحرير الشام” لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تعالج المخاوف المحلية والدولية الرئيسة، ولتحديد معايير واضحة (إذا تم الوفاء بها) يمكن أن تمكّن “الهيئة” من التخلص من تصنيفها “الإرهابي”.
ومن خلال ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تقلل من خطر اندلاع “انفجار عنيف” في شمال غربي سوريا، كما يمكن لها تحسين العلاقات المتوترة مع حليف رئيس في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من خلال التعاون مع أنقرة في هذه القضية ذات الاهتمام المشترك.
ويمكن لإدارة بايدن أن تضع نهجًا جديدًا لمكافحة الإرهاب، يعطي وزنًا كبيرًا للأدوات الدبلوماسية كما يفعل للأدوات العسكرية، كما يمكنها أن تحدد ما تبدو عليه خارطة الطريق المشروطة للجماعات الأخرى في ساحات القتال اليوم التي صُنفت على أنها “إرهابية” لكنها تظهر استعدادًا للتخلي عن سعيها وراء جداول الأعمال غير الوطنية والهجمات على المدنيين، من بين معايير أخرى.
“الجولاني” مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث
ويأتي التقرير بالتزامن مع انتشار صورة تجمع القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، بالصحفي الأمريكي مارتن سميث، نشرها الأخير في 2 من شباط الحالي، وقال إنه عاد مؤخرًا من إدلب بعد ثلاثة أيام قضاها هناك.
وكتب سميث في تغريدة عبر تويتر، ”عدتُ للتو من زيارة إلى إدلب استغرقت ثلاثة أيام، التقيتُ فيها بمؤسس جماعة (جبهة النصرة) المرتبطة بـ(القاعدة)، وتحدثنا عن هجمات 11 أيلول وعن (القاعدة) وعن أمريكا”.
وجاء رد “الهيئة” على انتشار الصورة، على لسان مدير مكتب العلاقات الإعلامية في “الهيئة”، تقي الدين عمر، في 3 من شباط الحالي، موضحًا أن الصورة التي انتشرت لـ”الجولاني” برفقة الصحفي الأمريكي مارتن سميث، هي جزء من استضافته في إدلب لمدة ثلاثة أيام.
وخلال وجوده، بحسب المكتب، قام بجولة ميدانية وعقد لقاء رسميًا تناول أهم المحطات والتحولات وأسئلة متفرقة حول الواقع والمستقبل.
وأضاف تقي الدين عمر، “نعتقد أن من الواجب علينا كسر العزلة وإبلاغ واقعنا بكل السبل الشرعية المتاحة، وإيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم، بما يسهم في تحقيق المصلحة ودفع المفسدة للثورة”.
“الأزمات الدولية” تلتقي بـ”الجولاني”
في 20 من شباط 2020، نشر موقع “مجموعة الأزمات الدولية” مقابلة أجراها مع “الجولاني”، أواخر كانون الثاني 2020، بحضور مركز “الحوار الإنساني”.
وتحدث “الجولاني” في المقابلة عن نشأة “الهيئة”، وتوجهها في البداية، وعلاقتها مع المنظمات الجهادية الأخرى في المنطقة، إلى جانب التلميح إلى مستقبل “الهيئة” في المنطقة، كما اعترف خلالها بارتكاب أخطاء في إدلب، وخاصة فيما يتعلق بمهاجمة فصائل المعارضة السورية والقضاء عليها.
وأكد “الجولاني” استخدام القوة العسكرية في الماضي ضد الفصائل التي اعتبرتها “الهيئة” إشكالية، وبرر ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت عن طريق الخطأ إنشاء ودعم مجموعات ليس لها وجود في سوريا.
واعتبر “الجولاني” أن “الهيئة” بحاجة إلى التحدث مع المعارضة، كونها لا تستطيع حكم إدلب بمفردها، قائلًا، “لقد استخدمنا القوة في الماضي ضد الفصائل التي اعتبرناها إشكالية، نحن بحاجة إلى التحدث إلى المعارضة، لا ندرك أننا نستطيع أن نحكم إدلب بمفردنا، نعم، مثل معظم الحركات في وقت الحرب، ارتكبنا أخطاء، لكننا نحاول إصلاحها الآن”.
وفي 2016، أعلن “الجولاني” فك ارتباطه بتنظيم “القاعدة”، وتشكيل فصيل جديد تحت اسم “جبهة فتح الشام”، الذي خاض اقتتالًا داخليًا ضد فصائل إسلامية في إدلب، قبل أن يندمج مع فصائل أخرى ليصبح اسمه “هيئة تحرير الشام” في 2017.
وحول هذه المراحل، قال “الجولاني” لموقع “مجموعة الأزمات”، “عندما انفصلنا عن داعش (تنظيم الدولة)، لم تكن لدينا أي خيارات جيدة، اضطررتُ إلى اتخاذ قرار سريع، لذا جمعتُ دائرتي الداخلية وأخبرتهم أنني أفكر في تنظيم (القاعدة)”، الأمر الذي وصفه البعض بـ”الانتحار”.
وأضاف أنه تعهد بعدم استخدام سوريا من قبل تنظيم “القاعدة” أو أي فصيل آخر، كمنصة إطلاق للعمليات الخارجية، والتركيز على قتال النظام السوري وحلفائه في سوريا.
وأشار “الجولاني” إلى أن هدف “الهيئة” حاليًا هو قتال النظام “الفاقد للشرعية”، معتقدًا أن “أيديولوجية الهيئة اليوم تستند إلى الفقه الإسلامي، مثلها مثل أي جماعة سنية محلية أخرى في سوريا”.
اقرأ أيضًا: لهجة جديدة لتغيير المسار.. الجولاني يعترف بارتكاب أخطاء في إدلب
مدير “الأزمات الدولية” مبعوث أمريكا إلى إيران
ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء، في 30 من كانون الثاني الماضي، عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله، إن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عيّن الدبلوماسي روبرت مالي مبعوثًا خاصًا لإيران.
وكان مالي يشغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي في “مجموعة الأزمات الدولية”، التي أعلنت استقالته منها ليشغل المنصب الجديد مبعوثًا لإيران.
وهدد مالي، في عام 2016، أن بإمكان الولايات المتحدة إطالة الحرب في سوريا إذا لم يحصل تعاون مع الجانب الروسي. وأشار روجين إلى أن مسؤولين سابقين في إدارة أوباما أخبروه أن مالي عارض دعم الحراك السوري المطالب بالديمقراطية، كما قاوم الإجراءات العقابية ضد بشار الأسد، وذلك كجزء من حماية مفاوضات صفقة إيران.
كما صرّح مالي في مقابلة عام 2018، أن “الولايات المتحدة أججت الصراع في سوريا، بدلًا من إيقافه”.
وذكر في المقابلة أن “الأطراف التي تدخلت في دعم المعارضة بالسلاح لم تكن لحماية الشعب السوري، بل أفعالهم فاقمت الموقف وأدت إلى المزيد من الوفيات، إذ كان هدفهم كسر النظام لكسر دور إيران في سوريا”.