أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف.. إلى “أستانة” دُر

  • 2021/01/31
  • 9:30 ص

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا خير بيدرسون خلال توجهه لاجتماعات الجولة الخامسة للجنة الدستورية - 29 من كانون الثاني 2021 (الأمم المتحدة)

عنب بلدي – علي درويش

“الكرة في الملعب الدولي”، عبارة قالها الرئيس المشترك لوفد المعارضة في محادثات اللجنة الدستورية السورية، هادي البحرة، تلخص مخرجات خمس جولات من أعمال اللجنة على مدى 15 شهرًا، دون الوصول إلى أي نتيجة أو حل، أو ملامح لبداية الطريق لحل سياسي.

لم تكن نظرة البحرة أكثر تفاؤلًا من المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي قال إن أعمال اللجنة الدستورية لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، واصفًا الجولة الخامسة الأخيرة بأنها “مخيبة للآمال”.

وعزا بيدرسون ذلك، خلال مؤتمر صحفي في ختام الجولة الخامسة التي استمرت على مدار خمسة أيام انتهت في 29 من كانون الثاني الحالي، إلى غياب فهم واضح بشأن كيفية التقدم في أعمال اللجنة، مع استمرار عملها كما في الجولات السابقة.

وانتهت الجولة الخامسة دون صياغة المبادئ الأساسية للهدف الذي أُنشئت من أجله اللجنة الدستورية، وهو تحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.

وتتكون اللجنة من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، وبينما التزم وفد المعارضة بإطار جدول الأعمال المخصص للمحادثات، استمر وفد النظام السوري بمحاولات تشتيت الأجندة، بالحديث عن اتفاقيات سابقة كـ”اتفاقية أضنة” أو عن العلم والنشيد الوطني، أو بإطالة المداخلات لشغل أكبر حيّز من الوقت.

جاء ذلك بعد تباحث المبعوث الدولي مع الرئيسين المشتركين لوفدي المعارضة والنظام، قبل اليوم الأول، بشأن منهجية العمل التي يجب السير وفقها في أثناء صياغة الدستور.

ما جدوى استمرار اللجنة

الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي قال لعنب بلدي، إن الجولات الخمس كانت “محاولة لكسر الجمود”، ونافذة تذكر المجتمع الدولي بطبيعة هذا النظام وداعميه، وشرعية مطالب السوريين “باقتلاعه من جذوره، فهو غير قابل للإصلاح ولا للمشاركة”.

وفي ظل توقف عملية التفاوض و”انسداد أفق الحل السياسي”، كانت المشاركة في اللجنة الدستورية على أمل أن تكون مدخلًا لتفعيل الحل السياسي وتطبيق القرارات الأممية “2254” و”2118″ وبيان “جنيف”، حسب الدبلوماسي بشار الحاج علي.

ولا يرى الأستاذ في العلاقات الدولية والمعارض السوري فيصل محمد عباس جدوى من استمرار مشاركة المعارضة بأعمال اللجنة الدستورية.

وأوضح فيصل محمد عباس، في حديثه إلى عنب بلدي، أنه “في المقام الأول فاللجنة من قبيل وضع العربة أمام الحصان”، موضحًا أنه بحسب قرار مجلس الأمن “2254”، فإن تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية تسبق خطوة تغيير الدستور، وليس العكس (إنشاء دستور لتشكيل هيئة حكم انتقالي).

ومن جهة أخرى، فإن أعمال اللجنة الدستورية غير محددة زمنيًا بمهلة، وبالتالي هذا يتيح المجال أمام وفد النظام للتسويف وتأجيل النظر في المسائل الجوهرية إلى ما لا نهاية، إضافة إلى عدم وضوح جدول أعمالها، وتساهل المعارضة حتى في تركيب اللجنة وطبيعة التمثيل فيها، حسب الأستاذ فيصل عباس.

وتشي تصريحات بيدرسون في نهاية الجولة الخامسة من حيث عدم إمكانية الاستمرار بهذه الكيفية، بأن اللجنة وصلت إلى طريق مسدود في الوقت الحاضر، ومحادثاته التي ينوي إجراءها مع مسؤولي النظام السوري “لن تغيّر موقف النظام على الأرجح”، بحسب فيصل عباس.

وأعرب بيدرسون في ختام الجولة الخامسة عن أمله بالتوجه إلى سوريا ليناقش المسؤولين هناك، في سبيل تنفيذ الجوانب الأخرى من القرار “2245”، كما سيجتمع مع الروس والإيرانيين والأتراك و”الأصدقاء العرب” والأوروبيين والإدارة الأمريكية الجديدة.

تدخل دولي.. هل يدفع اللجنة؟

تحدثت صحيفة “الشرق الأوسط” في ثالت أيام الجولة الخامسة عن وصول وفد روسي برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إضافة إلى مسؤولين أتراك وإيرانيين إلى جنيف، “لإنقاذ المسار الدستوري”.

وكان العنوان المعلَن من وصول الوفود الثلاثة إلى جنيف، بحسب “الشرق الأوسط”، عقد اجتماع لضامني مسار “أستانة”، لكن السبب الخفي، “العمل على إبقاء المسار الدستوري على قيد الحياة”.

وهدف الدول الثلاث من استمرار عمل اللجنة الدستورية هو حاجتها إليها، إذ تعتبر مخرجًا لمحادثات الدول الضامنة في أستانة ومن بعدها سوتشي.

إضافة إلى الرغبة بإرسال إشارة إلى إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وغيرها، بأن الأطراف الثلاثة “لها كلمة في المسارين السياسي والعسكري بالملف السوري”، والحيلولة دون إعلان وفاة اللجنة الدستورية، كما تريد دول غربية، بحسب “الشرق الأوسط”.

و”من المشكوك فيه أن وصول ثلاثة وفود من روسيا وإيران وتركيا إلى جنيف يعكس أجندة مشتركة”، بل يبدو أن كل طرف يريد الضغط على مكوّن اللجنة المحسوب عليه للخروج بنتائج قابلة للتسويق أمام المجتمع الدولي، حسب الأستاذ فيصل عباس.

العامل الحاسم هنا هو إمكانية ممارسة ضغط روسي كافٍ على النظام، قبل الضغط على وفده، لكي نرى أي تقدم في أعمال اللجنة، وحتى الآن لا يبدو أن الروس يضغطون بشكل فعّال على النظام.

وبحسب الدبلوماسي بشار الحاج علي، من الطبيعي أن تهرع الدول المتدخلة وذات المصلحة إلى جنيف بعد أن أصبحت الجولة الخامسة أقرب إلى الفشل، وخاصة دول “أستانة”، التي تمتلك نفوذًا قويًا في مسار اللجنة الدستورية.

والحضور الأمريكي، بحسب الحاج علي، دلالة على اهتمام بمسار “جنيف” والوقوف على حقيقة الوضع في هذه الجولات الدستورية مع مجيء الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.

واستبعد الأستاذ في العلاقات الدولية فيصل عباس وجود أي جدوى من الموقف الأوروبي من اللجنة، فهو كالموقف من الحرب في سوريا، “غير مُجْدٍ عمومًا ولا يحمل ثقلًا كافيًا”، حسب تعبيره.

لكن الدبلوماسي بشار الحاج علي يرى أن للاتحاد الأوروبي والغرب عمومًا دورًا مهمًا في دعم العملية السياسية، و”في رفض شرعنة نظام الأسد”، خاصة مع عقوبات الاتحاد الأوروبي وقانون “قيصر”، وموقف المملكة المتحدة الواضح بعدم شرعية النظام وأي إجراءات تصدر عنه.

إعلان دفن اللجنة؟

وبحسب تحليل للدبلوماسي الفرنسي تشارلز ثيبوت نشره معهد “واشنطن”، في كانون الأول 2020، فإن اللجنة ما لم تحقق تقدمًا كبيرًا في الجولة الخامسة (وهو ما حدث فعلًا)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها”، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

وفي حديث سابق لعنب بلدي، اعتبر المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، أنه لا فائدة من اللجنة الدستورية في حال لم تنهِ اجتماعاتها قبل الانتخابات المقبلة (المتوقعة في تموز 2021)، لأن القرار الدولي يقول إنه ليس هناك سوى قرار سياسي وفق بيان “جنيف” والقرار “2254”.

وطُرحت اللجنة الدستورية لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا بمدينة سوتشي في تشرين الثاني 2018، وجاء في البيان الختامي أنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

عقب ذلك، بدأت مفاوضات واعتراضات وعراقيل من قبل الطرفين، الأول هو المعارضة السورية، المتمثلة بـ”هيئة التفاوض العليا”، التي رفضت أن تكون مرجعية اللجنة مؤتمر “سوتشي”، وأن يترأس النظام اللجنة، وطلبت أن تكون مرجعيتها القرار الدولي “2254” تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف.

وفي أول رد فعل من الدول الضامنة لمسار “أستانة”، حددت عقد جولتها الـ15 في 16 و17 من شباط المقبل في مدينة سوتشي الروسية، وذلك من خلال بيان مشترك صادرعن الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) ناقش المشاورات التي جرت على هامش الجولة.

وتعتبر الدول الثلاث الضامنة لاتفاق “أستانة” حول سوريا، الذي جرى بين ممثلين عن النظام السوري ووفد من المعارضة السورية، في العاصمة الكازاخية أستانة (نور سلطان)، وبدأت أولى جولات المحادثات في 23 و24 من كانون الثاني 2017.

وكان من المفترض، مع انعقاد أولى جلسات اللجنة الدستورية في 30 من تشرين الأول 2019، أن تناقش اللجنة المكونة من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”.

واستمرت محاولات عقد الجولة الأولى أكثر من عام، تلتها مسألة تشكيل الوفود، وصعوبة الاتفاق على ولايتها والقواعد الإجرائية، وتعقيدات جلسات اللجنة، واستمرار النظام بالتلاعب والتملص والعرقلة بخصوص الأجندة والوقت المفتوح.

ووصف رئيس النظام السوري، بشار الأسد، محادثات اللجنة في جنيف بأنها “لعبة سياسية”، وأنها ليس ما يركز عليه عموم السوريين، في لقائه مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 من تشرين الأول 2020.

فالشعب السوري، برأي الأسد، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج إلى تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا