سلاح قانوني لعقاب جماعي.. قوانين سورية تنتهك أملاك المغيبين

  • 2021/01/31
  • 10:09 ص

المعتقلون السوريون داخل مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري- تعبيرية (منظمة العفو الدولية)

صالح ملص- زينب مصري

تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية “جريمة ضد الإنسانية”، وفق القوانين الدولية، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لعناصر تابعين لقوات النظام السوري الأمنية عندما اعتقلت عددًا من أفراد عائلة آية، فهم من وجهة نظر الدولة “إرهابيون”.

لم تكتفِ قوات النظام بالاعتقال والاختفاء القسري لأفراد من عائلتها، بل زادت على ذلك منع العائلة من التصرف بممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، ليُضافوا إلى قوائم سوريين، قُيدت حقوقهم الملكية وفقًا لمجموعة من القوانين والمراسيم أصدرتها حكومة النظام.

ولا شك في وجوب إبقاء التركيز على محاولات البحث عن مصير أولئك المعتقلين والمختفين قسريًا، ومساعدتهم عبر طرق المناصرة القانونية للحصول على حقهم بالحرية والحياة الكريمة من جديد، في حال ما زالوا على قيد الحياة.

إلا أنه يجب أيضًا القيام بخطوات جدية من قبل المنظمات الحقوقية السورية والدولية، على رأسها الأمم المتحدة، لمعالجة مصير الحقوق العقارية للمعتقلين والمختفين قسريًا، وإدماج حمايتها من الاستيلاء في أي مناقشة أممية بشأن العدالة الانتقالية داخل سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع قانونيين وحقوقيين مجموعة من القوانين التي نصت على مصادرة أملاك المعتقلين والمختفين قسريًا في سوريا، وآلية الدفاع عن تلك الممتلكات من قبل أقاربهم.

وتواصلت عنب بلدي مع عائلات مختفين قسريًا في سجون النظام، إلا أنهم تحفظوا على مشاركة تفاصيل ملكياتهم العقارية خوفًا من إعطاء النظام السوري ذريعة للاستيلاء عليها.

اعتقال واختفاء قسري منع التصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة

بعد خروجهم ضد النظام، ضمت قوائم المختفين قسريًا في مناطق سيطرته اعتبارًا من عام 2015، عشرة أفراد من عائلة آية (24 عامًا) من أهالي حي ساروجة شمال غربي مدينة دمشق (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية)، وهم خالان وعم وسبعة من فروعهم وأقاربهم، إحداهم امرأة.

ومع إقرارها الكامل بحق المعتقلين والمختفين قسريًا من أفراد عائلتها بالحياة بالدرجة الأولى، تشارك آية تفاصيل اختفاء عدد من أفراد عائلتها مع عنب بلدي، في محاولة منها لإقرار حقوقهم بالملكية، كما حقهم بالحياة، والمحافظة على أملاكهم العقارية.

اعتُقل خال آية الأول في آذار 2015، في أثناء تأديته عمله المتمثل بتوزيع مادة المازوت على أحياء بمدينة دمشق، بذريعة أنه “إرهابي”، بحسب التفاصيل التي روتها آية لعنب بلدي.

وتحول تدريجيًا إلى مختفٍ قسريًا في سجون النظام السوري، بعد انقطاع أخباره وغياب القدرة على التواصل معه أو معرفة أي معلومات تشير إليه، مع إنكار سلطات النظام الأمنية وجوده في أحد سجونها أو فروعها الأمنية.

إلى جانب غياب الخال الأول، خسرت عائلته سيارته الشخصية، التي وجدوها لاحقًا مع مجموعة من عناصر الأمن التابعين للنظام السوري، والتي تعرفوا إليها من خلال رقم اللوحة التي تحمله.

وقالت آية، إن مطالبات عائلته باستردادها اصطدمت بحجج العناصر الأمنيين التي تتهم مالكها بتهمة “الإرهاب”، ما أجبر العائلة على العدول عن فكرة استرداد السيارة.

موقع لحاجز أمني تابع لقوات النظام السوري بجانب أبنية مدمرة في مدينة حلب- 3 من كانون الأول 2016 (AFP)

منع من التصرف

فصلت أشهر قليلة بين اعتقال الخال الأول واعتقال خالها الثاني أسعد، الذي تتوقع عائلته أنه توفي، لاعتقادها بأنها تعرفت على صورة له بين صور “قيصر” المسربة.

وتسبب استخدامه سيارة توزيع المازوت التي كانت ملكًا لأخيه باعتقاله، فقبل الاعتقال نبهه عناصر على حاجز عسكري بعدم استخدام السيارة لأنها ملك لـ”إرهابي”، لكن متابعته العمل عليها أدت إلى اعتقاله من قبل دورية أمنية بجانب منزله وعلى مرأى ومسمع من أهله.

في 2018، حاولت النساء في عائلة آية (أمها وخالاتها) بيع أراضٍ ورثوها عن والديهم في مناطق مختلفة من دمشق، لكن عمليات البيع لم تتم “لأن أسماء المعتقلين من الأسرة ضمن المالكين للأراضي”.

وتوقفت عملية البيع عند خطوة استخراج بيان قيد عقاري، وعند نصيحة موظف المصالح العقارية بعدم البيع، بحسب آية.

لم تستطع عائلات المعتقلين (أقارب آية) إصدار شهادات وفاة لهم، لعدم اعتراف النظام بوجودهم في سجونه، فاتجهوا إلى القضاء في محاولات منهم للتصرف بحرية بالممتلكات العقارية التابعة للمعتقلين، لكن القاضي اعتبر أن الدعوى “عند جهات أمنية أخرى”، بحسب ما ختمت به آية شهادتها.

ما الفرق بين الاعتقال والاختفاء

يعرّف الاعتقال بحسب منظمة العفو الدولية على أنه اعتقال أشخاص دون سبب مشروع أو دون إجراء قانوني، وهو عادة يسبق الاختفاء.

وتهدف “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التابعة للأمم المتحدة إلى منع الاختفاء القسري المحدد في القانون الدولي.

وتعرفه المادة “2” من الاتفاقية بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.

ويقع على عاتق الدولة اتخاذ التدابير الملائمة للتحقيق في التصرفات المحددة بالمادة “2”، التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة.

أشخاص يسيرون لتفقد منازلهم خلال تواجد لعناصر قوات النظام السوري في حي إبراهيم هنانو في حلب- 4 من كانون الأول 2016 (عمر صناديقي\ رويترز)

قوانين لـ”مكافحة الإرهاب”

 انتهكت حقوق المعتقلين بدلًا من حمايتهم

ترتبط قضية المعتقلين والمختفين قسريًا في سوريا بملف حقوق الملكية العقارية، ولذلك الارتباط جانبان، الأول يتعلق بالمعتقلين الذين تحال أغلبيتهم إلى محكمة “الإرهاب”، وهو ما يعني مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة حين يتم إصدار حكم الإدانة.

والجانب الثاني يتعلق بالمختفين قسريًا الذين تعجز عائلاتهم، خصوصًا النساء، عن التصرف بممتلكاتهم في ظل مصيرهم المجهول.

وفي نيسان 2011، قررت حكومة النظام السوري رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة “أمن الدولة العليا”، وفي تموز عام 2012، أصدرت الحكومة قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19”، وفي الشهر نفسه صدّق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على القانون رقم “22” المؤسس لمحكمة “مكافحة الإرهاب” كي تقضي بذلك القانون، الذي أعطى الحق للنائب العام بتجميد أملاك كل من يرتكب الجرائم المتعلقة بـ”الأعمال الإرهابية” أو أي جريمة بموجب هذا القانون.

وبموجب رفع حالة الطوارئ تم إنهاء العمل بـ“محكمة أمن الدولة العليا”، ولكن كان تعويضها من خلال تشريع قانون “مكافحة الإرهاب”، وإنشاء محكمة استثنائية خاصة بقضايا الإرهاب.

ونصت المادة رقم “12” من قانون “مكافحة الإرهاب” على أنه “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.

وأُصدرت آلاف الأحكام بمصادرة الأملاك العقارية في سوريا بموجب تلك المادة، بحسب ما قاله المحامي السوري أحمد صوان، في حديث إلى عنب بلدي.

“لكن العقارات لا تباع بشكل مباشر، إلا بعد أن يصبح قرار الإدانة قطعيًا غير قابل للطعن”، بحسب ما أوضحه المحامي صوان، إذ إن ممتلكات المعتقلين والمختفين قسريًا لا تتأثر إذا لم يصدر حكم بالإدانة، وتبقى ممتلكاتهم باسمهم وبحيازتهم ويستغلها أقاربهم، إلى أن يصدر حكم الإدانة والمصادرة.

وتتعمد أجهزة الأمن، في بعض الحالات، وضع “علامة أمنية” على أسماء هؤلاء الأفراد كإشارة لمنعهم من تنفيذ أي عمليات نقل الملكية في المستقبل، ما يتيح لحكومة النظام مصادرة ممتلكاتهم حين يصدر حكم الإدانة.

ويصدر قرار الحجز الاحتياطي ضد المحكومين من قبل وزير المالية، بناء على طلب النيابة العامة لدى محكمة “مكافحة الإرهاب”.

ويتحول الحجز إلى مصادرة بالحكم النهائي من قبل المحكمة، إذ تحكم المحكمة بالعقوبة وبالمصادرة، ثم ترسل كتابًا بذلك إلى “إدارة أملاك الدولة” في وزارة الزراعة، التي تخاطب “السجل العقاري” لنقل الملكية إلى اسم “الجمهورية العربية السورية”، ومن ثم تقوم “إدارة أملاك الدولة” بإخلاء العقار وتسلّمه عن طريق الشرطة.

أو يُمكن بيعه بالمزاد العلني وإيداع الثمن لمصلحة “الخزينة العامة للدولة”، وفق ما شرحه صوان.

موقع لحاجز أمني تابع لقوات النظام السوري في حي سكني بمدينة حلب- 8 من شباط 2018 (رويترز)

ما الفرق بين المصادرة والحجز الاحتياطي وتجميد الأموال

عرّف قانون “مكافحة الإرهاب” في المادة الأولى منه المصادرة على أنها: “الحرمان الدائم من الأموال المنقولة وغير المنقولة، وانتقال ملكيتها إلى الدولة وذلك بموجب حكم قضائي”.

ويؤخذ على هذا التعريف أنه عام وشامل لجميع الأموال المنقولة والثابتة سواء استخدمت لارتكاب جرم أم لم تستخدم، وهو ما يعني أن العقوبة أصبحت تطال الشخص وليس الجرم.

أما الحجز الاحتياطي، فهو “وضع مال المدين تحت يد القضاء، لمنعه من القيام بأي عمل قانوني أو مادي من شأنه أن يؤدي إلى استبعاده أو استبعاد ثماره من دائرة الضمان العام للدائن الحاجز”.

وفي موضوع أملاك المعتقلين ضمن محكمة “مكافحة الإرهاب”، يصدر الحجز الاحتياطي كضمان لحقوق المتضررين من “جرائم الإرهاب” في حال ثبوتها على المتهم، ويعتبر تعويضًا إما للدولة وإما للأفراد المتضررين من الجرائم المُرتكبة من قبل المتهم.

ولا يُعتبر الحجز الاحتياطي إجراء تنفيذيًا بل وقائيًا، لأنه لا يمكن التنفيذ على المال المحجوز إلا بعد حصول الدائن على سند تنفيذي بحق المدين، ويتناول الحجز الاحتياطي أموال المدين المنقولة وغير المنقولة.

وتجميد الأموال هو “حظر التصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة أو تحويلها أو نقلها أو تغيير صورتها لفترة معيّنة أو خلال مراحل التحقق والمحاكمة”، وفق ما عرفه قانون “مكافحة الإرهاب”.

إجراءات تبليغ تؤثر سلبًا على عدالة المحاكمة

يبلَّغ المدعى عليه (المعتقل) داخل مركز الاعتقال خلاصة حكم المحكمة شفهيًا، وأحيانًا تُرسل إليه صورة عن الحكم كتابيًا ويُطلب منه التوقيع على التبليغ، “وأفاد بعض المفرج عنهم أن بعض المحكومين يُجبَرون على البصم على تبليغ خلاصة الحكم وهم معصوبو الأعين، فلا يعرفون مضمون التوقيع، وأحيانًا لا يبلغونهم خلاصة الحكم مطلقًا ويعتبرونهم قد تبلّغوا في أثناء النطق بالحكم في قاعة المحكمة”، وفق ما قاله المحامي أحمد صوان.

محكمة “الإرهاب”..

قضاء يتعارض مع إجراءات المحاكمة العادلة

أُنشئت بموجب القانون رقم “22” لعام 2012 المتضمن إحداث محكمة تختص بالنظر في قضايا الإرهاب المنصوص عليها بقانون “مكافحة الإرهاب”، ومقرها دمشق، ويجوز عند الضرورة إحداث أكثر من غرفة، وتشكل هذه المحكمة من ثلاثة قضاة يسميهم رئيس الجمهورية بناء على اقتراح “مجلس القضاء الأعلى” الذي يترأسه رئيس الجمهورية نفسه.

وبحسب ما ورد في دراسة حول “آليات حل النزاعات” ضمن المشكلة العقارية في سوريا، أعدها القاضي السوري خالد الحلو في 2020، يُسمي رئيس الجمهورية أيضًا قضاة النيابة والتحقيق، ولا وجود لقاضي الإحالة في هذه المحكمة، وهذا الأمر لا يتناسب مع قانون “أصول المحاكمات الجزائية” السوري رقم “112” لعام 1950.

كما أن أحكام هذه المحكمة تقبل الطعن فقط أمام دائرة خاصة في محكمة “النقض”، وتُشكل هذه الدائرة الخاصة بمرسوم، ولا تقبل الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الطعن بطريق إعادة المحاكمة إلا إذا كان المحكوم قد سلم نفسه طواعية، وهذا أيضًا مخالف لقانون “أصول المحاكمات الجزائية” في سوريا، الذي يعتبر أن الحكم الغيابي يعتبر ملغى بمجرد إلقاء القبض على المتهم أو إذا سلم نفسه طواعية، ولا تتقيد محكمة “الإرهاب” بالأصول المنصوص عليها في التشريعات النافذة، وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة، وفق الدراسة.

ولم يميز قانون إحداث المحكمة بين المدنيين والعسكريين ولا بين البالغين والأحداث، إنما يُحاكموا على حد سواء، وهذا يعد تعديًا على قانون “أصول المحاكمات الجزائية”، وقانون “الأحداث الجانحين”، وعلى اختصاص قضاء الأحداث، بحسب الدراسة.

وما ورد في قانون إنشاء محكمة “الإرهاب” يؤثر على سلامة الإجراءات والمحاكمة العادلة.

وأغلبية المعتقلين في سوريا متهمون بقضايا بموجب قرارات هذه المحكمة، وبالتالي ملكياتهم تقع تحت طائلة تطبيق قانون “مكافحة الإرهاب”، بالإضافة إلى العدد الكبير للملاحقين غيابيًا، والذين هم إما متوارون داخل سوريا أو خارجها.

دبابة لقوات النظام السوري في حي الصاخور بمحافظة حلب بعد الاستيلاء على الحي- 7 من كانون الأول 2016 (George Ourfalian)

بصلاحيات واسعة.. عناصر الأمن يعتدون على أملاك معتقليهم

منح المرسوم التشريعي رقم “63” لعام 2012 سلطات الضابطة العدلية في أثناء إجراء تحقيقات بخصوص الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وكذلك الجرائم الواردة في قانون “مكافحة الإرهاب”، الحق بمخاطبة وزارة المالية خطيًا، وطلب اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهم، وفق ما قاله المحامي السوري ورئيس “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، لعنب بلدي.

كما مُنح الحق للنيابة العامة ولقاضي التحقيق في أثناء النظر بالدعوى، باتخاذ هذه الإجراءات في مواجهة المتهم أو المدعى عليه، بما في ذلك المنع من السفر، بحسب قرنفل، وذلك إلى حين إصدار حكم قضائي في الدعوى مكتسب الدرجة القطعية، وهذا يعني منح الصلاحيات للضابطة العدلية بمن فيهم عناصر الشرطة والأمن بطلب إلقاء الحجز على أموال وممتلكات الشخص الذي هو قيد التحقيق.

وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن اتساع مجال هذا المرسوم يُظهر شعور حكومة النظام السوري بالتهديد من مجرد العمل الإنساني والتعبير عن الاعتراض، وأوصت المنظمة النظام السوري بالتوقف عن “استخدام قانون مكافحة الإرهاب بطرق تعسفية ترقى إلى العقاب الجماعي”.

ويتنافى هذا المرسوم مع نية النظام في دمشق المعلنة تشجيع السوريين الذين غادروا سوريا خوفًا من النزاع المسلح على العودة، وفق المنظمة.

كما يمثل المرسوم رقم “63” إحدى “أدوات الانتقام الشخصي من المعتقلين والعقاب الجماعي لأسرهم”، وفق تعبير المحامي قرنفل، باعتباره مخالفًا للدستور السوري لعام 2012، بسبب ما تضمنه من اعتداء على حق الملكية الذي يفترض أنه مصون وفق النص الدستوري.

كما أنه مخالف للقوانين السورية العامة، لأن الأصل أن تتخذ الإجراءات التحفظية من قبل القضاء لا من قبل الأجهزة الأمنية، وفق ما أوضحه قرنفل، ويفترض بتلك الحالة أيضًا أن يكون القرار صادرًا عن محكمة تتمتع بالحيادية والاستقلال، ويكون قرارها قابلًا لطرق الطعن المنصوص عليها بالقانون وليس قرارًا نهائيًا لا يقبل المراجعة.

ويوجد 40 ألف حالة حجز احتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لسوريين في عام 2017، و30 ألفًا في عام 2016، معظمها بسبب ما وصفها النظام بـ”التورط بأعمال إرهابية”.

وأعلن معاون وزير المالية في حكومة النظام السوري، بسام عبد النبي، في أيلول عام 2019، عن تنفيذ قرار الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة بحق 10315 شخصًا، منذ مطلع العام نفسه.

اختفاء الأشخاص ليس ذريعة لضياع أملاكهم

وفق المادة “31” من القانون المدني السوري، فإن الشخصية القانونية للإنسان تثبت منذ ولادته حيًا وتظل ملازمة له حتى وفاته، والموت قد يكون حقيقيًا أو حكميًا، أي يصدر حكم باعتبار المفقود ميتًا، ويشترك المفقود مع الغائب بالعجز عن التصرف بأموالهما بسبب الغيبة والفقد.

والمفقود هو الشخص الذي انقطعت أخباره، فلا يُعرف مكانه ولا تُعلم حياته ولا وفاته، وفق المادة رقم “202” من قانون “الأحوال الشخصية” السوري.

وتنطبق أحكام المفقود على عدد كبير من السوريين المختفين قسريًا والمفقودين والمعتقلين بأماكن مجهولة، وإلى أن تثبت وفاته، يبقى الشخص المفقود مالكًا لأمواله حتى يحكم القاضي بوفاته، وفق ما شرحه المحامي أحمد صوان في حديثه، وتترتب للمفقود جميع الآثار القانونية التي يشترط لحدوثها وجود الشخص على قيد الحياة، كحقه في الإرث من غيره مثلًا أو الوصية.

ويسمح القضاء باستخراج وكالة قضائية عن المفقود بتقديم طلب من قبل أحد أقارب المفقود إلى القاضي الشرعي، وترفق الأوراق التالية بالطلب: قيد سجل مدني للطرفين يُحصل عليه من السجل المدني، وخلاصة سجل عدلي للوكيل، بالإضافة إلى صورة مصدقة عن ضبط الشرطة بالفقدان، مع شهادة من المختار، وفق صوان.

ومن خلال ذلك، يصدر القاضي الشرعي الوكالة القضائية عن المفقود في غرفة المذاكرة بوقت يسير وإجراءات بسيطة، وبالتالي تكون النتيجة هي بقاء الشخص المفقود مالكًا لأمواله حتى يحكم القاضي بوفاته، وعند ثبوت واقعة الوفاة، يتم استخراج وثيقة “حصر إرث” له، وتوزيع الأملاك التي كان يملكها على الورثة بشكل رسمي.

وتميل معظم التشريعات إلى تحديد سن معيّنة للمفقود يسمح بعدها باعتباره ميتًا، ولو لم يقم الدليل على موته، وتختلف هذه السن باختلاف النظم القانونية، وهي بحسب المادة “205” من قانون “الأحوال الشخصية” في سوريا سن الـ80 عامًا، فإذا غاب الشخص وانقطعت أخباره ولم تتحقق حياته من مماته، فإن الشك يظل قائمًا حول مصيره إلى أن يبلغ الـ80 من عمره، وعندها يعد في عداد الموتى، (هذا إذا لم يكن فقده بسبب عمليات حربية) وتُقرر حياة المفقود في هذه الحالة بحكم قضائي استنادًا إلى رجحان احتمالها وليس إلى ثبوتها ثبوتًا قطعيًا.

وإذا كان فقده نتيجة لأعمال حربية، أو حالات مماثلة لها مما يغلب عليها طابع الموت، فإنه يجوز الحكم بموته بعد أربع سنوات من تاريخ فقده.

ثلاث فرضيات

في بعض الأوقات، قد يعود المفقود الذي حُكم بوفاته إلى الظهور ثانية، فتتأكد حياته من جديد، ويتعارض بذلك الحكم القاضي بوفاته مع الواقع، وهكذا ستتضمن أحكام المفقود تحديد وضعه القانوني ضمن ثلاث فرضيات، وفق ما أوضحه المحامي غزوان قرنفل.

أن تكون حياة الشخص معلومة لكن مكانه مجهول:
وهذه الفرضية تنطبق على ما يسمى بالغائب، وهو الشخص الحي والمعلوم لكنه مجهول مكان إقامته، وبذلك يختلف الغائب عن المفقود، “فكل مفقود هو غائب ولكن ليس كل غائب مفقود”، وفق تعبير قرنفل.

ويتولى تمثيل الغائب والنيابة عنه في إدارة أمواله المنقولة وغير المنقولة والإشراف عليها وكيل عام لحفظ مصالح الغائب نفسه أو مصالح الغير.

فإذا كان الغائب قد ترك قبل فقده وكيلًا عامًا معيّنًا من قبله، فإن المحكمة المختصة تحكم بتثبيته حين تتوفر فيه الشروط الواجب توفرها في الوصي، وإذا لم يترك وكيلًا تُعيّن المحكمة له وكيلًا تختاره يدعى بالوكيل القضائي، وفق ما شرحه قرنفل.

في ضوء ذلك، تكون مهمة إدارة أموال الغائب وحفظ ممتلكاته مرتبطة بوكيله، وعليه اتخاذ كل الإجراءات التي تضمن حفاظه على أموال موكله ومنها عقاراته، باستثناء تلك التي تتم مصادرتها بموجب حكم قضائي، فلا يستطيع الوكيل أن يفعل حيالها أي إجراء.

أن يكون الشخص متوفى وهناك يقين من وفاته ولكن لا وجود لإثبات يؤكد واقعة الوفاة:
بحسب المادة “205” من قانون “الأحوال الشخصية”، فإن الفقدان ينتهي بعودة المفقود أو بموته أو بالحكم عند انقضاء الـ80 عامًا من عمره.

وبالتالي، يمكن لأصحاب المصلحة اللجوء إلى القضاء لاستصدار قرار باعتبار المفقود متوفى بعد مرور أربع سنوات على فقده، وتسجل واقعة الوفاة القضائية في السجلات المدنية، ثم يتم البدء باستخراج حصر الإرث وتوزيع التركة، كما تعتبر زوجته بدءًا من تاريخ قرار الوفاة أرملة، بحسب ما شرحه قرنفل.

أن يكون الشخص خارجًا من المعتقل لكنه فاقد الأهلية بسبب آثار التعذيب:
تعتبر المادة رقم “115” من القانون المدني السوري المجنون من فاقدي الأهلية، وبالتالي تعد تصرفاته باطلة في حال كانت بعد صدور قرار الحجر عليه وشهره، أما إذا صدر التصرف قبل إشهار قرار الحجر فلا تكون باطلة إلا في حالتين، إذا كانت حالة الجنون واضحة وقت التصرف، أو كان الطرف الآخر في التصرف على علم بحالة عدم الأهلية.

ويُعيّن لفاقد الأهلية قيّم عليه وعلى أمواله، وهو من يتولى إدارتها والتصرف فيها، التصرفات النافعة نفعًا مطلقًا للمحجور عليه لفقدانه الأهلية، أي لا يوجد احتمال لخسارته أمواله، وكل التصرفات التي يجريها القيّم تبقى تحت رقابة القضاء وموافقته، وفق ما أوضحه قرنفل.

عنصر من قوات النظام السوري يقف على حاجز عند مدخل بلدة مضايا في ريف دمشق- 14 كانون الثاني 2016 (لؤي بشارة\ AFP)

لا رقابة دستورية على القوانين العقارية في سوريا

ما آلية الدفاع عن الحقوق؟

يحمي الدستور السوري الحالي لعام 2012 في مواده “15” و”16″ و”17″ الحق في الملكية الفردية ويحترم خصوصيتها، ويعزز تلك الحماية “القانون المدني السوري” و”قانون التخطيط وتنظيم عمران المدن” رقم “23” لعام 2015.

وتتعارض أحكام قانون “مكافحة الإرهاب” مع النص الدستوري، إذ جاء في المادة “12” من هذا القانون أنه: “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها، والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.

ويؤخذ على هذا النص أنه جاء مطلقًا يشمل جميع الأموال والعائدات، سواء استخدمت لارتكاب الجرم أم لم تستخدم، وهو ما يجعله مخالفًا للنص الدستوري الوارد في الفقرة “1/أ” من المادة “15”.

ويعد النص المخالف للدستور باطلًا ومنعدمًا، ويمكن للقاضي الامتناع عن تطبيقه تلقائيًا نظرًا إلى مخالفته النظام العام، أو عن طريق الدفع بعدم دستورية القانون.

كما أن الحكم القضائي المستند إلى قانون مخالف للدستور لا يمنح الشرعية للقانون، وهو يعتبر بحد ذاته منعدمًا حتى ولو كان صادرًا عن قاضٍ في محكمة أيًا كانت.

وعلاوة على ذلك، فإن محكمة “الإرهاب” هي محكمة استثنائية غير مشروعة، ويعتبر وجودها اعتداء على السلطة القضائية، ومخالفًا لأحكام الدستور الذي حصر التقاضي أمام المحاكم بالقضاء العادي الذي تتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة من حيث الإجراءات وحق الدفاع.

ولا توجد رقابة دستورية على القوانين العقارية في سوريا، بحسب ما قالته الناشطة في مجال حقوق الإنسان والباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سارة الكيالي، في حديث إلى عنب بلدي.

ورغم وجود قوانين إجرائية متعلقة بآليات حل النزاعات العقارية، فإن حق استرداد الممتلكات العقارية ليس مصونًا في سوريا، وذلك بسبب عدم وجود محددات دستورية تضمن آلية مضمونة للفصل بين السلطات، أو إصلاح السلطة القضائية وتحريرها من السلطة التنفيذية، بحسب ما أوضحته كيالي.

وبحسب الوضع الحالي بوجود القانون رقم “7” لعام 2014 الناظم لعمل “المحكمة الدستورية العليا”، فإن المحكمة ليست إلا “أداة في يد رئيس الجمهورية، كون الأخير هو من يعيّن أعضاءها، ولا شك أن هذا الأمر خطير للغاية”، بحسب ورقة بحثية قانونية حول الملكية العقارية والدستور السوري نُشرت عام 2020 عن “تجمع المحامين السوريين”.

ومن بين المهام الأساسية للمحكمة، مراقبة مدى توافق القوانين والمراسيم التشريعية مع نص الدستور.

وأوصت الورقة البحثية بالنص دستوريًا على وقف العمل بالقوانين العقارية السالبة للملكية أو المقيدة لها، وكذلك تلك القوانين التي تتيح مصادرة الممتلكات والحجز عليها، مثل قانون “مكافحة الإرهاب”.

ووفقًا لرأي المحامي غزوان قرنفل، فإن المحامي بشكل عملي لا يستطيع تحقيق خطوة ملموسة لحماية ممتلكات موكله التي تتم مصادرتها بموجب قانون “مكافحة الإرهاب”، لعدة أسباب، أهمها أن المحكمة الناظرة بالدعوى وهي محكمة استثنائية، تُعفى من اتباع الأصول القانونية وقواعد قانون “أصول المحاكمات الجزائية” التي نصت عليها التشريعات النافذة، وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والاستجواب والمحاكمة.

ولا يعتبر موضوع الاعتداء على أملاك المعتقلين والمختفين قسريًا في سوريا أمرًا ينتهك حقوق الإنسان ضمن صراع سياسي بين حكومة النظام السوري ومن يعارضها فقط، وإنما يعتبر خطرًا على الاستقرار الاجتماعي في مستقبل سوريا ما بعد النزاع، بحسب ما نوه إليه المحامي أحمد صوان، وبذلك يتعيّن على المنظمات الحقوقية السورية والدولية توقع نزاعات الاستملاك والملكية داخل سوريا، نظرًا إلى أن عددًا كبيرًا من الأشخاص فقدوا الحق في التصرف بأملاكهم العقارية نتيجة عمل النظام السوري بقانون “مكافحة الإرهاب” وقانون “محكمة مكافحة الإرهاب”.

ولا يوجد أي تحرك للأمم المتحدة من خلال أدواتها القانونية أو السياسية للضغط على حكومة النظام السوري لوقف العمل بتلك القوانين السالبة للحقوق العقارية الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسريًا داخل سوريا، وفق ما نوهت إليه الناشطة سارة كيالي.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات