كيف يقيّم سكان شمال شرقي سوريا تجربة الإدارة الذاتية؟

  • 2021/01/31
  • 11:36 ص

مقاتلون أكراد يرفعون أعلام وحدات حماية الشعب وعلامات النصر - 2017 (رويترز)

الرقة – حسام العمر

لم يستطع “أبو محمد”، من سكان مدينة الرقة، وصف “الإدارة الذاتية” ومؤسساتها، إلا بأنها “أفضل السيئين”، كما قال لعنب بلدي، موضحًا رأيه بالسلطة الحاكمة في ذكراها السنوية السادسة.

“نعم هم أفضل السيئين الذين تعرفنا إليهم بعد انطلاق الثورة السورية، التي كشفت الوجه الحقيقي للنظام السوري، وأظهرت فشل كل الفصائل في حكم المناطق الخاضعة لها، محاولة القيام بما تقوم به الإدارة الذاتية”، كما قال الرجل الأربعيني، متحفظًا على ذكر اسمه الصريح.

التقت عنب بلدي بسبعة أشخاص أعطوا رأيهم بالدور الذي لعبته “الإدارة الذاتية” في حكم شمال شرقي سوريا، وما كان أثره على حياتهم، مقارنة بما تعيشه بقية المناطق السورية تحت حكم النظام وفصائل المعارضة.

الذكرى السابعة

في 21 من كانون الثاني عام 2014، أُسست “الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة”، لتتبعها “إدارات ذاتية ومدنية”، توحدت في 6 من أيلول عام 2018، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، حسبما أعلن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذارع السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

تعاقبت فصائل متعددة على حكم المنطقة، التي كانت الرقة أولى المحافظات التي خرجت فيها عن سيطرة النظام السوري، في آذار من عام 2013، و”لم يتمكن” أي منها أن يكون بديلًا حقيقيًا عن مؤسساته، حسب رأي “أبو محمد”، مشيرًا إلى فصائل المعارضة المنوعة، التي تضمنت “جبهة النصرة”، ثم تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي أعلن المدينة عاصمة لـ”خلافته”، قبل سيطرة “قسد”.

سيطرت “قسد” على مدينة الرقة، في 17 من تشرين الأول عام 2017، بعد معارك دامت 166 يومًا ضد التنظيم، بدعم من “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يوفر الغطاء الجوي والدعم اللوجستي للقوات المقاتلة على الأرض.

وبعد تمكن “قسد” من إبعاد قوات التنظيم عن المنطقة، أُعلن قيام “الإدارة”، التي ذكر “مسد” أن الهدف منها هو “تشكيل هيكل إداري ينسق الخدمات بين المناطق، ولملء الفراغ الإداري والأمني”.

وتتضمن هيكلية “الإدارة” مجلسًا تنفيذيًا مشرفًا على عمل “إدارات مدنية ديمقراطية”، تتكون من “مجالس عامة وتشريعية” في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، بينما تعتبر “المجالس المدنية” للمنطقة بمثابة حكومات تدير الشؤون المحلية.

الرقة.. حياة بعد الخراب

يدير “مجلس الرقة المدني” شؤون المحافظة الواقعة شرق نهر “الفرات”، وأُسس في 18 من نيسان عام 2017، في عين عيسى بريف الرقة الشمالي، لينتقل لاحقًا إلى المدينة بعد سيطرة “قسد” عليها في العام ذاته.

تعرضت منازل مدينة الرقة، البالغ عددها 151 ألف منزل، للدمار بنسبة 40% بشكل كامل، و60% بشكل جزئي، خلال المعارك التي شنتها “قسد” للسيطرة على المدينة وانتزاعها من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويقوم مكتب “الخدمات الفنية” بترحيل ألف متر مكعب يوميًا من الأنقاض، وما مقداره 25 ألفًا كل شهر، بتكلفة تقدر بـ65 مليون ليرة سورية (نحو 22 ألف دولار)، على نفقة “المجلس المدني” عوضًا عن دفعها من قبل الأهالي، إلى جانب نمو ملحوظ شمل أغلب قطاعات الحياة في المدينة.

ويرى “أبو محمد” أنه على الرغم من كون “الإدارة الذاتية” و”قسد” من المشاركين في الخراب والدمار الذي تعرضت له الرقة في أثناء “تحريرها”، استطاعت بمؤسساتها المدنية والخدمية” إعادة شكل الحياة والمدنيّة إلى الرقة نوعًا ما، بعد أن فقدته المدينة خلال الفترة السابقة”، على عكس المناطق التي سيطر عليها النظام السوري، والتي لا تزال تعاني “الأمرين”، حسب تعبيره، بسبب تسلط عناصر النظام والميليشيات الإيرانية على السكان، وعدم قدرته على إعادة الحياة إلى طبيعتها.

و تسيطر قوات النظام السوري على مناطق في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، تبدأ من حويجة شنان حتى مدينة معدان والقرى والبلدات المحيطة بها، إلى جانب سيطرته على ريف المنصورة الجنوبي بغرب الرقة ومنطقة دبسي عفنان.

سلطة “الأمر الواقع” المفروضة على دير الزور

مسلط النايف، من ريف دير الزور الشرقي، لم يجد لـ”قسد” سيطرة “حقيقية” على الأرض، التي يستمر فيها نشاط خلايا تتبع للنظام السوري و تنظيم “الدولة الإسلامية”، في حين يتابع الأهالي “دفع الثمن”.

برأي مسلط فإن مناطق دير الزور تتعرض “للتهميش الدائم” من قبل “قسد” و”الإدارة الذاتية”، مع تسليم الإدارة في المنطقة لغرباء عنها، إلى جانب “إهمال” القطاع الصحي والخدمي، حسبما قال لعنب بلدي.

وأضاف الشاب الثلاثيني أن “التهميش” الذي وصفه “يشرّع” عدم قبول الأهالي بسلطة الأمر الواقع التي فُرضت عليهم بعد القضاء على التنظيم، على حد تعبيره.

وكانت آخر المعارك المباشرة بين “قسد” وقوات التنظيم، في 23 من آذار عام 2019، بعد أن أعلنت القوات ذات القيادة الكردية إنهاء “الخلافة”، عقب سيطرتها على بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.

لكن تلك السيطرة لم تكفِ لوقف عمليات الاغتيال، التي ما زالت تتبناها خلايا نائمة للتنظيم، مستهدفة موظفين مدنيين في قطاعات “الإدارة الذاتية” ومؤسساتها، وحتى قادة من “قسد”.

إذ نجا قائد “مجلس دير الزور العسكري”، التابع لـ”قسد”، أحمد الخبيل، الملقب بـ”أبو خولة”، في 31 من تشرين الأول 2020، من محاولة اغتيال بانفجار استهدف سيارته في حي النشوة بمدينة الحسكة، اقتصرت أضراره على الماديات.

كما استهدف “مجهولون”، في 29 من تشرين الثاني 2020، مسؤول مكتب المحروقات بـ”مجلس دير الزور المدني”، خالد خليف، وشقيقه، ولكنهما تمكنا من النجاة، على عكس قائد “فوج البوكمال”، التابع لـ”قسد”، شعبان المعاط، في آب من العام ذاته.

الحسكة.. خارج “المستنقع” السوري

في مناطق الجزيرة السورية، يرى موسى زينو، من قرية التنورية، بريف مدينة القامشلي الشرقي، أن “الإدارة الذاتية” و”قسد” حفظتا المنطقة من الدمار الذي تعرضت له أغلبية المدن السورية بعد عام 2011.

“الإدارة الذاتية” لم تعطِ الفرصة للكرد فقط لإدارة المنطقة، حسب رأي موسى، “نحن اليوم نتشارك مع العرب والعشائر العربية، لا بحكم المنطقة فحسب، وإنما تشاركنا حتى بقتال الإرهاب”، حسبما قال لعنب بلدي.

تعيش المنطقة، حسب وصف موسى البالغ من العمر 40 عامًا، “تشاركية” بين العرب والكرد، عكس “الاحتقان” الذي كان خلال حكم النظام للمنطقة، الذي كان يبقي التوتر قائمًا بين العرب والكرد “بشكل دائم”، على حد قوله.

لا يجد موسى أن “الإدارة الذاتية” منحازة للقومية الكردية، كما يقول منتقدوها، مستشهدين بمنهاجها التعليمي الكردي والاتهامات الموجهة لها بطرد العرب من قراهم، وقال إن تلك الأطراف “خارج الحدود ولا تعايش الواقع”، على حد تعبيره.

ومن جانبها، وصفت “الإدارة الذاتية” نفسها بـ”المسار نحو سوريا الديمقراطية التعددية”، ملقية اللوم على سياسة حزب “البعث” والنظام السوري “القمعية” في إشعال الثورة عام 2011.

وجاء ذلك في بيان نُشر على معرفات “الإدارة الذاتية” الرسمية، بمناسبة مرور سبع سنوات على تأسيسها في منطقة الجزيرة، ذكر أنها “مشروع أُسّس على أسس متينة ومبادئ الشراكة المجتمعية”، وتحول اليوم إلى “بوصلة الحل الوحيد” للمستقبل السوري.

وارتفعت حدة لهجة بيانات “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” ضد النظام السوري، خلال كانون الثاني الحالي، إذ يرى النظام في “الإدارة” مشروعًا يهدد وحدة الأراضي السورية، بينما تصفه بـ”الإقصائي”، إلا أن ذلك لم يمنع تحالفهما في وجه “المخاطر المشتركة”، مثل التقدم التركي عند الحدود الشمالية.

واتفقت أغلبية من التقت بهم عنب بلدي على أن مناطق “الإدارة الذاتية” تعيش وضعًا “أفضل” من مناطق النظام السوري، مفضلين استمرار وجوده في المنطقة على أن تقع من جديد في يد النظام، الذي رأوا فيه “خطرًا” يهدد “الاستقرار”، خصوصًا مع وجود آلاف المطلوبين للنظام في شمال شرقي سوريا.

لكن الحال الاقتصادية لم تكن مرضية بتقييم سكان المنطقة، الذين أشاروا إلى ضرورة تحقيق الوعود التي قدمتها “الإدارة” طوال الأعوام السابقة، بإنعاش الحركة الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية، خصوصًا مع سيطرتها على “أغلبية” منابع النفط السورية، مع ضرورة القضاء على الفساد في مؤسساتها.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا