ريف حلب – عاصم الملحم
“أؤمن أن التعليم رسالة وأمانة، كما أعرف أيضًا أني إن لم أكن متفرغًا للتعليم لن أبلغ الغاية المنشودة منه، ولكني مضطر للبحث عن عمل آخر لأحصل على ما يسدّ حاجة بيتي بقية الشهر”. يجول أحمد في طرقات مدينة الباب، بريف حلب الشمالي، باحثًا عن عمل إضافي، إلى جانب عمله الأساسي كمدرّس للمرحلة الابتدائية، حتى يتمكن من تأمين قوت عائلته، حسبما قال لعنب بلدي.
يشتكي معلمو مدينة الباب وريفها من ضياع حقوقهم وتدني أجورهم، مع التصاعد المستمر في الأسعار وتكلفة المعيشة، واصطدمت جهودهم مرارًا بالتجاهل والصد من السلطات المحلية والمسؤولين.
أحمد الصالح، ثلاثيني مسؤول عن عائلة مكونة من ثلاثة أطفال، يعمل مدرّسًا للصف الثالث بدوام كامل في إحدى مدارس الباب.
ويتلقى المعلم في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، الخاضعتين للإدارة التركية، 750 ليرة تركية أجرًا شهريًا، أي ما يعادل نحو مئة دولار.
يتسلّم أحمد، المهجر من مدينة دير الزور، راتبه الشهري، ولا يكاد يصل إلى بيته حتى يكون قد أنفقه على إيجار المنزل والكهرباء والماء، ليكمل بقية الشهر بـ”فتات” الراتب أو بالدين، وفق قوله.
ولا تختلف الحال عند مدرّس اللغة العربية إبراهيم قديراني، غير أنه لم يفكر بأي عمل آخر إلى جانب عمله في التدريس، مبينًا أن ذلك لا يعني رضاه بالأجر الذي يتلقاه من عمله، فهو بالنسبة للوضع المعيشي “لا شيء، وبالكاد يكفي بعض أساسيات الحياة”، حسبما قال لعنب بلدي.
منذ عام 2017، نظم معلمو مدينة الباب وريفها عدة إضرابات ووقفات احتجاجية أمام مركز الشرطة في المدينة، مطالبين فيها المسؤول التركي والمحلي بتحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم، وكانت آخر تلك الوقفات في 23 من كانون الثاني الحالي.
تركزت مطالب المعلمين بزيادة الاهتمام بهم وتقدير عملهم وزيادة أجورهم بما يراعي الوضع الاقتصادي في المنطقة، إلا أن أعداد المشاركين كانت تقل مرة بعد أخرى، خشية من التعرض للتضييق في العمل.
برأي المدرّس إبراهيم قديراني، التكاليف المعيشية في المنطقة تماثل التكاليف في تركيا، فـ”الواجب” أن تكون الأجور هي نفسها أيضًا.
كما طالب المعلمون برفع رواتبهم أسوة بالمعلم السوري العامل داخل تركيا، الذي يتقاضى مبلغ 2020 ليرة تركية، ووضع قانون داخلي يثبت حق المعلم بزيادة الراتب بشكل دوري، وفق ما قاله أحد المدرّسين المشاركين بالوقفة أحمد الخلف، لعنب بلدي.
وقد كان أجر المعلم في مدينة الباب 500 ليرة تركية، قبل أن يحتج المعلمون على ذلك في تشرين الأول من 2018، ليرتفع بعدها إلى 750 ليرة تركية.
وحسبما قال أحد المعلمين في المدينة، تحفظ على ذكر اسمه خشية فصله من عمله، لعنب بلدي، فإن الدعوات للمشاركة بالوقفات الاحتجاجية لم يلبها “سوى بعض المعلمين، قد لا يصل عددهم إلى عشرة”، وذلك برأيه “خوفًا من أن يقعوا في دائرة الفصل أو العقوبة بالنقل أو غيرها، كما حدث مع غيرهم”.
ووقفت مديرية التربية “ضد” المعلمين في تلك الوقفات، ولم تلقَ مطالبهم أي استجابة، غير التي حدثت عام 2018، كما كانت هناك تهديدات بالفصل والمضايقة، وتعرض العديد من المدرسين والمديرين للفصل فعلًا من مدارسهم، حسبما قال المعلم.
لا نقابة تجمعهم ولا ممثل للحقوق
تأسيس نقابة تطالب وتضمن حقوق المعلمين، كان من بين المطالب التي رفعها المدرّسون مرارًا.
تم تشكيل أول نقابة للمعلمين في مدينة الباب عام 2017 بعد سيطرة فصائل “الجيش الوطني” المدعومة تركيًا عليها، وكانت تحت رعاية مديرية التربية التي كانت تتدخل بقراراتها وآرائها، حسبما قال معلم من المدينة، فضل عدم ذكر اسمه خوفًا من عقوبة قد يتلقاها، لعنب بلدي.
وأضاف المعلم أنه في 2018، اتخذت “تربية الباب” قرارات “تعسفية” بحق بعض المعلمين الذين طالبوا حينها بزيادة رواتبهم وتحسين الأوضاع التنظيمية في المديرية، نتجت عنها مطالبات وتحركات من معلمين لتشكيل نقابة جديدة.
وبعد تشكيل النقابة، رفضتها التربية والمجلس المحلي السابق، وفُصل أربعة مديرين لمشاركتهم فيها، لكنهم عادوا لعملهم بعد مطالبات بذلك، وبسبب تهديدات الفصل التي تلقاها باقي المشاركين بها تم تعليق عملها ولم يُستأنف حتى الآن، وفق المعلم.
وحاولت عنب بلدي الاستفسار من مديرية تربية الباب، بكتاب رسمي من المجلس المحلي يسمح بالحصول على تصريحات تتعلق بأجور المعلمين وقضية نقابتهم، لكن مدير التربية رفض الحديث عن الأمر، واعتبر موضوع النقابة والأجور خارج صلاحياته.