خطيب بدلة
الصحفي الأمريكي داري فيليبس، الملقب بلال عبد الكريم، المعتقل عند الشباب الكويسين في إدلب، رجل طيب، أو كما يقول الأشقاء المصريون “على نياته”، بدليل أنه غرد على “تويتر” قبيل ساعات من اعتقاله، بالسؤال التالي: هل التعذيب مسموح به في السجون الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”؟
جاء في السيرة الشخصية لهذا الصحفي الشجاع، وقد نشرتها صحيفة “عنب بلدي”، بمناسبة تمكن أسرته من زيارته بعد أربعة أشهر من اعتقاله، أنه عمل في السودان، ومصر، وغطى الأحداث التي نجمت عن سيطرة فصائل “الجيش الحر” على أحياء حلب 2016. وعليه يمكن القول، إن تساؤله عن جواز تعذيب المعتقلين لدى “هيئة تحرير الشام” ليس بريئًا، الأرجح أنه يعرف، ومتأكد من أن الفصائل الإسلامية كلها تقتدي بنظام الأسد، تعتقل الناس بلا وجه حق، ثم تعذبهم، أو تقتلهم، وبعد قتلهم إما أن تسلم جثثهم لذويهم، وإما تنكر وجودهم لديها، وتدعو الله أن يقتل قاتلَهم.
سوريا الحبيبة، والبلاد العربية الغالية، مصابة، منذ فجر التاريخ، بداء الاستبداد، وإذا نحن فتحنا، بعد الاتكال على الله، هذه السيرةَ، لما اتسعت لحكاياتنا الدفاتر، ولنفد مداد الأقلام، وانتهت السهرة، وجهجه الضوء، وزقزق العصفور، ونحن لا نزال نحكي عن الإنسان الفرد الذي لا قيمة له عند حكام هذه البلاد، سواء أكانوا يحكمون باسم “البعث” والنضال ضد الاستعمار والصهيونية، أو إذا كانوا يزعمون بأن لديهم تفويضًا إلهيًا لا يعرف أحد من أين حصلوا عليه.
لن أحدثك عن براميل ابن حافظ الأسد التي تقتل الناس بالجملة، ولا عن سجونه ومعتقلاته التي يموت المعتقلون فيها من الجوع والتعذيب والقهر، بل سأرجع بك إلى كتب تاريخ أمتنا، افتح أيًا منها، على أي صفحة، ستجد أخبار الموت طافحة فيها، فإذا أردت أن تقوم بتجربة، وهي إحصاء الذين قُتلوا خلال الفترة التي يؤرخ لها كتاب “حوادث دمشق اليومية” للبديري الحلاق، أو كتاب “الاعتبار” لأسامة بن منقذ، لتاه معك العداد، ومللتَ من تسجيل الأرقام، وإذا ذهبت إلى سلسلة الكتب التي أرخ بها يوسف الحكيم للسلطنة العثمانية وبلاد الشام لعثرت على قصص لا يوجد أحلى منها.
يقول أهل حلب عندما يريدون أن يسخروا من نموذج فظيع: خود من هالجبن العزيزي وسَيّخْ، وإليكم هذا النموذج، كتب يوسف الحكيم ما معناه أن فرمانًا جاء من عاصمة الخلافة إلى متصرف اللاذقية، يطلب فيه محاربة الأشقياء. مرسل الفرمان لا يصدق حتى يرى بأم عينه، لذا طلب من المتصرف أن يأتي برؤوس عشرة منهم، وعلى الفور جَنّد المتصرف حملة إلى مرابع الأشقياء، وقطع عشرة رؤوس، بالتمام والكمال، وفي طريق العودة ضاع منه رأس، فوقع في مأزق، فهو يعرف أن الروتين الإداري عسير إلى حد أن قطع رأس جديد أهون من تغيير صيغة الفرمان من عشرة إلى تسعة، ولذلك قدح زناد فكره، ولم يجد مخرجًا غير قطع رأس الجنايني الفقير الذي يأتيه كل يوم بالبيض والقشطة والعسل، فأكمل المطلوب منه على أكمل وجه، والحمد لله!