“بقيت المعرة مصبوغة باللون الأخضر” حتى سيطرة قوات النظام عليها، في 28 من كانون الثاني 2020، كلمات كانت من حديث يمان حمو من أبناء معرة النعمان لعنب بلدي، في الذكرى الأولى لسيطرة النظام السوري على المدينة.
تتمتع معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، بموقعها الاستراتيجي على الطريق الدولي دمشق- حلب “M5″، وتبعد عن دمشق نحو 300 كيلومتر، وعن حلب نحو 80 كيلومترًا وعن حماة نحو 60 كيلومترًا.
واستطاعت فصائل “الجيش الحر”، في 8 من تشرين الأول 2012، السيطرة عليها، بعد عدة معارك لتكون من أوائل مدن سوريا الخارجة عن من سيطرة النظام.
ولم تسيطر فصائل المعارضة على كامل محافظة إدلب حتى العام 2015، بعد حملات عسكرية لـ”جيش الفتح”، المكون حينها من فصائل معارضة وأخرى إسلامية.
شهران من ذكريات لا تنسى
كان يوم 22 من كانون الأول 2019، عاديًا بالنسبة لخريج كلية الاقتصاد يمان حمو (33 عامًا)، والذي يعمل مع “الهلال الأحمر القطري” في المشفى الوطني بمعرة النعمان، حتى الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم.
وشن النظام حملة قصف على المدينة مستخدمًا الطيران الحربي والمروحي والمدفعية، ووثقت المراصد حينها استهداف المدينة بأكثر من 500 غارة وصاروخ خلال ثلاث ساعات.
وركز النظام وروسيا في القصف على المراكز الحيوية بشكل رئيسي.
لتليها حملة قصف ثانية لمدة ساعتين في نفس اليوم، بدأ النظام بعدها في التقدم باتجاه المدينة، متبعًا سياسة الأرض المحروقة، ما أدى إلى بحث الأهالي عن ملاذ آمن.
“لم يستهدف أي مقر عسكري خلال القصف، إذ كانت الفصائل تمنع إقامة مقرات داخلها، بينما تركز على المدنيين بشكل علني والأسواق”، حسب يمان حمو.
في اليوم التالي، نقل يمان عائلته المكونة من أبيه وأمه وزوجته وطفليه إلى دركوش شمالي إدلب بالقرب من الحدود السورية- التركية، ثم عاد لتأمين بعض الحاجات الأساسية من فرش منزله وحمله إلى دركوش.
يسكن يمان حاليًا مع عائلته في بيت مؤجر “لا يصلح للسكن أصلًا” مع أخويه الاثنين ووالديه، والسبب في ذلك الضغط الكبير على المنازل.
“لغاية الآن أنا مهجر قسرًا، وإذا استمر الأمر كذلك، أفكر في السفر إلى أوروبا عن طريق تركيا”، حسب يمان.
والذكرى التي لا تنسى بحسب الناشط بلال مخزوم، كانت الأربعاء 18 من كانون الأول 2019، إذ قصف النظام وروسيا منذ التاسعة صباحًا المدينة، ولم يستطع الأهالي لمدة ساعة ونصف الخروج من منازلهم.
بعد هدوء وتيرة القصف خرج بلال مع أربع عائلات بسيارة واحدة إلى المناطق الشمالية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
في اليوم التالي (الخميس)، قصف حي واحد في المدينة بأكثر من 400 قذيفة، في رسالة من النظام بأنه يريد تهجير المدنيين.
والجمعة بدأ الأهالي بالمغادرة، بينما استمر القصف يومين أو ثلاثة، وهجر معظم السكان ولم يبقَ في المدينة إلا القلة القليلة، من الناشطين وعناصر “الدفاع المدني”، استمروا في عملات الإنقاذ والإخلاء لمدة شهر تقريبًا.
قضى بلال آخر أيامه في معرة النعمان في 24 من كانون الثاني 2020، قبل أربعة أيام من دخول النظام السوري المدينة.
وقال، “المعرة هي كل شيء، نحن الآن نفتقد لكرامتنا، نتيجة الاستغلال وإيجارات البيوت، لكن الأمر لا يخلو من أهل الخير”.
كيف تخلي 85 ألف مدني
“كانت أيام صعبة علينا، القصف لا يهدأ، دمروا المعرة بشكل كامل. الأمر كان رهيبًا”، اختصر مدير قطاع “الدفاع المدني” في معرة النعمان، عبادة ذكرى، بهذه الكلمات المراحل الأخيرة قبل سقوط المدينة.
وقسم “الدفاع المدني” نفسه إلى فريق استجابة لجميع الحالات في المدينة، وفريق لإخلاء المدنيين، انضم إلى جهود المدنيين ممكن يملكون سيارات والمنظمات الإنسانية، لإخلاء المدنيين.
لكن حتى عمليات الإخلاء ونزوح المدنيين تعرضت للاستهداف من قبل قوات النظام وروسيا، وتعرض مدنيون للقصف خلال نزوحهم مشيًا على الأقدام.
وكان الطيران الحربي والمروحي يستهدف أي حركة في المدينة كما كان يرصد أي تحرك في المدينة من قبل طائرات الاستطلاع، وكان يستهدف مباشرة عبر الطيران أو الرمايات المدفعية، مهما كانت مدنية أو غيرها، حتى الأهالي النازحين مشيًا على الأقدام.
وبلغ عدد سكان أهالي معرة النعمان قبل التهجير أكثر من 85 ألف مدني، وضمت نازحين من المناطق الأخرى.
الثورة والتاريخ
بعد سيطرة “الجيش الحر” على المدينة في 8 من تشرين الأول 2012، شكلت هيئات مدنية، كمحكمة لإدارة الشؤون القضائية، ومخفر شرطة، ومجلس محلي خلفه مجلس شورى (تشريعي)، حسب الناشط بلال مخزوم.
وأطلقت العديد من المشاريع الخدمية في المدينة، منها مشروع تعبيد طرقات المدينة الذي كان من المقرر أن يبدأ في 25 من كانون الأول 2019، ولم ينفذ.
تعاقبت على المدينة سيطرة عدة فصائل من “الجيش الحر”، إلى جانب محاولة “هيئة تحرير الشام” السيطرة عليها لأهميتها.
وارتبطت المدينة بشاعرها البارز أبي العلاء المعري الذي ولد وتوفي فيها ونسب اسمه إليها.
وتحوي المدينة عدة معالم بارزة من خان مراد باشا، الذي يعتبر اليوم متحف المدينة وجامعها الكبير وهو واحد من أقدم المساجد في سوريا، بالإضافة إلى مسجد نبي الله يوشع، والمدرسة النورية، وتمثال المعري وضريحه الذي تضرر بسبب القصف، ويحيط به المركز الثقافي الذي بني في أربعينيات القرن الماضي.
اليوم الأخير قبل الاقتحام
حاصرت قوات النظام مدعومة بالطيران والقوات الخاصة الروسية والميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، من الجهة الشمالية والجنوبية عقب سيطرتها على بلدة كفرومة غربي معرة النعمان.
وشهدت المدينة حرب شوارع في 28 من كانون الثاني 2020، بين الفصائل وقوات النظام، ما أدى إلى مقتل العشرات من قوات النظام والميليشيات التابعة لها، بعد وقوعهم في كمائن، بحسب ما أعلنته هيئة “تحرير الشام”.
وقتل 94 عنصرًا من قوات النظام بينهم خمسة ضباط، وجرح 142 آخرين، كما دمرت الفصائل دمرت أربع دبابات، وثلاث عربات “BMP”، ورشاش 23، حسب مراسلة إلكترونية لمسؤول التواصل الإعلامي في الهيئة، تقي الدين عمر، لعنب بلدي حينها.
المتحدث العسكري باسم “تحرير الشام”، أبو خالد الشامي، قال لعنب بلدي تعليقًا على الذكرى الأولى لسقوط معرة النعمان، إن الروس والنظام استخدموا كل قوتهم العسكرية من طيران وبوارج حربية في الحملة الأخيرة.
وأضاف، “تفاجأ العدو داخلها بكتيبة من انغماسيي العصائب الحمراء (قوات النخبة في نحرير الشام)، الذين رفضوا الاستسلام، وقتلوا العشرات من عناصره وضباطه”.
الحصري.. مقاتل مقابل جيش وميليشيات
بعد انسحاب الفصائل العسكرية من المدينة ودخول قوات النظام وميليشياته إلى معرة النعمان، كان أمام قوات النظام عقبة أخيرة، وهي الشيخ أحمد الحصري، الذي رفض الانسحاب من المدينة.
وحسبما نقله ناشطون، فقد استمرت المعارك بين أحمد الحصري وقوات النظام نحو ثلاث ساعات، انتهت بمقتل أحمد الحصري.
ينحدر أحمد من معرة النعمان، وهو من واليد 1977، وجده العلامة أحمد الحصري.
https://twitter.com/Nabel_othman023/status/1354741827371474949