أثار طرح مصرف سوريا المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية للتداول، تساؤلات حول الآثار المستقبلية لذلك على المواطن السوري وعلى قيمة العملة.
وبدأ تداول الفئة النقدية الجديدة اعتبارًا من أمس، الأحد 24 من كانون الثاني، رغم أنها مطبوعة منذ نحو سنتين، لأن “الوقت أصبح ملائمًا وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح الفئة النقدية الجديدة”، بحسب ما ذكره المصرف المركزي.
وبحسب محللين اقتصاديين التقت بهما عنب بلدي، فإن آثار طرح الفئة النقدية على الاقتصاد السوري يحددها عاملان، الأول سحب الأوراق النقدية التالفة، والآخر عجلة الإنتاج في البلد.
حالة غير سوية
قال الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، لعنب بلدي، إن أرقام العملة المرتفعة تدل على حالة الاقتصاد “غير السوية”، مرجحًا وجود “انعكاسات سلبية على الموطن والاقتصاد السوري بشكل كبير”.
وأوضح شعبو أن الوضع الاقتصادي في سوريا كان “سيئًا جدًا” في أواخر عام 2020، ولذلك طُرحت الفئة النقدية الجديدة في بداية العام الحالي، مشيرًا إلى أن الخطوة “تُعبّر عن معاناة الاقتصاد السوري”.
وكان الإصدار للفئة النقدية “متوقعًا”، مع وجود تسريبات حول الطرح الجديد سبقت الإعلان عنه، بحسب شعبو، الذي أشار إلى أن النظام “لم يعد قادرًا منذ بداية العام على ضبط تكاليفه، ولذلك طرح الفئة النقدية الجديدة”.
سحب الأوراق التالفة
قال الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، إن العملة تشبه السلعة، إذ تتسبب زيادة المعروض منها بتخفيض سعرها.
ولذلك، فإن طرح الفئة النقدية الجديدة سيؤدي إلى “تضخم أكبر من الحاصل في الوقت الحالي، وستنخفض قيمة العملة أكثر”، في حالة لم يتحقق التوازن بين طرح الفئة الجديدة وسحب كميات أخرى تساويها.
وتراجعت قيمة الليرة السورية بشكل طفيف فور الإعلان عن طرح الفئة النقدية الجديدة، وبلغ سعر الدولار الواحد في “السوق السوداء” بدمشق 2960 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم”، المتخصص بمتابعة العملات.
أما الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، فيرى أن سحب الأوراق النقدية المهترئة قد “يُخفف من الآثار السلبية لطرح الورقة النقدية الجديدة”، ولكن “لا توجد أي جهة رقابية تضبط طرح النظام السوري كمية الأوراق النقدية الجديدة في السوق”.
وأوضح قضيماتي في حديث إلى عنب بلدي، أن الفئات النقدية الصغيرة ستخرج من السوق بشكل تلقائي لعدم الجدوى منها، بالتزامن مع انخفاض قيمة الليرة السورية.
وأضاف أن طرح فئة نقدية كبيرة سيؤثر “سلبيًا” على قيمة العملة الليرة السورية لتشهد مزيدًا من التراجع أمام العملات الأجنبية، خاصة مع حالة “انعدام الثقة” بالليرة السورية من السوريين، واعتمادهم في تسعير المواد على سعر الدولار الأمريكي.
وكان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، سامر خليل، قال أمس، إن طرح الفئة النقدية الجديدة “لن يؤدي إلى التضخم”، مشيرًا إلى عدم وجود “زيادة في الكتلة النقدية، وإنما استبدال أوراق نقدية بأخرى”.
واعتبرت وزير الاقتصاد السورية السابقة، لمياء عاصي، أن طرح الورقة النقدية الجديدة مقابل عملة تالفة تُسحب من التداول، لن يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية الموجودة في السوق، وفي هذه الحالة، فإنها “لن تؤثر على سعر الصرف أو أسعار السلع، ولن تزيد من معدل التضخم”.
وفي بيان للمصرف المركزي مع إصداره العملة النقدية الجديدة، ذكر أن “الوقت أصبح ملائمًا وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح الفئة النقدية الجديدة”، للتخفيض من كثافة التعامل بالأوراق النقدية، بسبب ارتفاع الأسعار والتخلص التدريجي من الأوراق النقدية التالفة، لا سيما أن الاهتراء قد تزايد خلال الآونة الأخيرة.
دور الإنتاج
رجّح الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، أن طرح ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية قد يترك “عوامل نفسية” تؤثّر في قيمة العملة السورية.
وأوضح شعبو أن كلًا من المواطن والمستثمر والتجاري والصناعي سيشعرون أن الوضع الاقتصادي “غير سوي”، ما سيدفع إلى ارتفاع في الأسعار لوجود “قبول نفسي” لمثل هذه الخطوة في الظرف الحالي.
وحاليًا “لا يوجد إنتاج في سوريا”، وبالتالي فالدولة “عاجزة”، ولجأت لهذا النوع للتخفيف من أعبائها، خاصة أنها أصدرت موازنة العام المالي 2021 بمبلغ 8.5 تريليون ليرة سورية، وهو “رقم كبير في عامل المال، ولكنه صغير إذا ما قورن بالدولار”، بحسب شعبو.
وأضاف أن “هذا مؤشر أن الوضع الاقتصادي السوري في حالة كارثية”، متوقعًا رفع الدعم عن كثير من المواد كالمحروقات والخبز، وقد يتبعه “خصخصة بعض القطاعات، وأهمها الكهرباء”.
وفي السياق ذاته، يرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، أن طرح الفئة النقدية الجديدة “يتزامن مع تدهور قطاع الإنتاج في سوريا خلال السنوات الماضية، وضعف الموارد التابعة لحكومة النظام، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي، الذي كان يقدر بنحو 20 مليار دولار في عام 2010 بحسب البنك الدولي، إلى أقل من مليار دولار في الوقت الحالي”.
واعتبر قضيماتي أن الأسباب السابقة ستؤدي إلى “ارتفاع جديد للأسعار على المدى المتوسط”.
وأشار إلى أن الدول في بعض الأحيان تلجأ إلى طرح المزيد من النقود في السوق، والهدف يكون إنعاش الاقتصاد وتسريع دوران عجلة الإنتاج والتشجيع على الاستثمار، أما في الحالة السورية، فالاقتصاد السوري يفتقر لأغلب عوامل الإنتاج في الوقت الراهن.
–