ازدادت التوترات الأمنية بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والنظام السوري خلال الأسابيع الماضية في المناطق التي تشترك بها القوتان.
ويتجلى ذلك بتضييق كلا الطرفين على بعضهما باعتقالات متبادلة وحوادث إطلاق نار وقنابل، ووثقت منظمات حقوقية انتهاكات من “قسد”، وهي الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، بحق مدنيين عبر سلسلة متزايدة من الاعتقال والتجنيد الإجباري.
ومع عودة الحزب “الديمقراطي” إلى الرئاسة الأمريكية، توجد مؤشرات على زيادة الدعم الأمريكي للقوات عبر تعيين الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، بريت ماكغورك (الداعم لـ”قسد”) مستشارًا في مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
توتر.. روسيا تهدئ الخلاف وتعزز وجودها
أعلنت ميليشيا “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام السوري، السبت 23 من كانون الثاني، إصابة عنصرين باشتباكات مع قوى الأمن الداخلي (أسايش) في شمالي وشرقي سوريا بمدينة القامشلي شمالي الحسكة.
وذكرت صفحة تتبع لـ”الدفاع الوطني” في “فيس بوك“، أن عنصرين من “الدفاع الوطني” جُرحا خلال الاشتباكات بعد هجوم “أسايش” على نقطة في حي حلكو بالقامشلي بشكل مباغت.
بينما قالت “أسايش”، في بيان، إن القوات الروسية عملت بالتنسيق مع مكتب العلاقات التابع لها، على تهدئة الوضع في المدينة بعد تعهد من القوات الروسية بـ”عدم تكرار ميليشيا الدفاع الوطني هذه الأفعال”.
كما سيّرت القوات الروسية دورية شمالي الحسكة، في 21 من كانون الثاني الحالي، في محيط بلدة تل تمر، إذ انطلقت الدورية المؤلفة من ثلاث عربات عسكرية من مجمع “مباقر تل تمر”، شرق البلدة، وهو المكان الذي اتخذته روسيا قاعدة لها في منطقة تل تمر وريفها.
وذكر موقع “Rusvesna” الروسي، في 22 من كانون الثاني الحالي، أن طائرات تابعة لسلاح الجو الروسي تواصل نقل قوات روسية إلى مطار “القامشلي العسكري” في سوريا.
ووصلت قبل ذلك (الخميس الماضي) رحلة من الطيران العسكري الروسي تقل جنودًا روسيين خضعوا لتدريبات خاصة في وقت سابق.
وكان طيران النقل العسكري التابع للقوات الجوية الروسية بدأ الأسبوع الماضي بنقل قوات إضافية لتعزيز الشرطة العسكرية الروسية في شمال شرقي سوريا.
ومهمة تلك القوات، بحسب الإعلام الروسي، ضمان الأمن في شرق الفرات، وحماية حركة المدنيين والبضائع على طول الطريق السريع “M4” الذي يربط القامشلي بحلب.
ما أصل الخلاف
وبدأ الخلاف، في 2 من كانون الثاني الحالي، بإلقاء شخص، قالت “قسد” إنه تابع لـ”الدفاع الوطني”، قنبلة على دورية للأمن الجنائي، في ساحة العمال بحي فلسطين وسط الحسكة، ما أدى إلى مقتل شاب وإصابة 20 آخرين، كما أُصيب عناصر من الدورية، حسبما ذكرت شبكة “نورث برس” المحلية.
وفي 12 من كانون الثاني الحالي، حاصرت “قسد” حيي طي وحلكو في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.
واعتبر النظام ذلك ضغطًا عليه لتنفيذ شروط “قسد” بالإفراج عن معتقلين لديه، وفق ما تحدثت به وسائل إعلامية مقربة من الطرفين.
وخرجت مظاهرة من أبناء الأحياء المحاصرة ذات الأغلبية العربية، في 9 و10 من كانون الثاني الحالي، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، وذلك نتيجة “منع دخول المواد الغذائية إليهم أو نقل الحالات الإسعافية الحرجة”.
وذكرت “سانا” أن حصار “قسد” للمدنيين يأتي في سياق الضغط على قوات النظام لتنفيذ مطالبها.
وردًا على ذلك، ضيّق النظام السوري على نفوذ “قسد” في حلب عبر تمركز عناصر حواجز “أمن الدولة” في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية الخاضعين لسيطرة “الإدارة الذاتية” داخل مدينة حلب، على المدنيين الداخلين والخارجين.
وقال مراسل عنب بلدي في مدينة حلب، في 15 من كانون الثاني الحالي، إن عناصر حواجز “أمن الدولة” و”الفرقة الرابعة” بدؤوا بتفتيش السيارات واعتقال بعض المدنيين من داخل الحيين، منذ بداية كانون الثاني الحالي، بالإضافة إلى مصادرة بعض البضائع الداخلة إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية.
لماذا الآن؟
حول دلالات وتوقيت هذه التوترات، قال الباحث السياسي أنس شواخ، في حديث إلى عنب بلدي، إنه “بعد الضغط الذي تعرضت له (قسد) في عين عيسى نهاية عام 2020، تحاول الآن اتباع سياسة الهجوم أفضل طريقة للدفاع”.
وأوضح أن القوات “تحاول الضغط على قوات النظام، وتذكير الروس بقدرتها على إزالة مربعات النظام الأمنية أو على الأقل الضغط عليها في حال تعرضت للضغط مجددًا، في عين عيسى أو أي من مناطق سيطرتها الأخرى”.
لكن النظام لم يقف مكتوف اليدين أمام هذا الضغط، حسب شواخ، بل ضيّق على المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في محافظة حلب، ومنع مقاتليها من استخدام مستشفياته العسكرية كما كان سابقًا.
وحول احتمالية صدام عسكري بين الطرفين، رجّح شواخ أنه صعب في الوقت الحالي على الأقل، وقال إن “وجود التعزيزات العسكرية الروسية والنظام في الحسكة هو محاولة من روسيا لتعزيز مواقعها واستقطاب العشائر العربية في المنطقة إلى جانبها لتكون أوراق قوة بيدها بعد تسلّم الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، الحكم”.
وجود أمريكي داعم
الكاتب والباحث السوري مهند الكاطع، قال لعنب بلدي، إن تعويل الكرد كثيرًا على وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإدارة البيت الأبيض يفسر جانبًا من تصاعد التوترات، وبالمقابل حاول النظام استغلال المرحلة الانتقالية في البيت الأبيض للضغط مجددًا على “قسد”.
وتابع الكاطع أن “التهديد التركي حاليًا هو أكبر معضلة تواجهها (قسد)، وحتى الآن بايدن لم يقم بأي خطوة فعلية ضدّ تركيا تخفف من مخاوف القوات بشكل حقيقي”.
ويدعم بايدن ونائبته، كاملا هاريس، “الإدارة الذاتية” بشكل واضح، إذ انتقدت الأخيرة قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية من سوريا، معتبرة أنه “أعطى تركيا الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري ضد الكرد السوريين”، وذلك حين أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” في مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات.
وفي إحدى مناظراتها بعد اختيارها نائبة لبايدن، انتقدت هاريس موقف ترامب “المتذبذب” من دعم الكرد في سوريا، واعتبرته “من الأمور المخزية التي شوّهت صورة الولايات المتحدة على المسرح الدولي”.
غليان شعبي
الباحث السياسي أنس شواخ قال، إن “حالة التوتر شبه الدائمة في الحسكة والقامشلي ستؤثر بالتأكيد على قدرة (قسد) على إدارة هاتين المنطقتين أمنيًا وخدميًا، بالإضافة إلى الفلتان الأمني المتزايد في مناطق سيطرتها، وعدم قدرتها على ضبطه أو السيطرة عليه، رغم حملات الاعتقال الواسعة والدائمة التي تقوم بها منفردة أو بمساندة التحالف أحيانًا”.
وأشار إلى عمليات الاغتيال التي تحصل في مناطق سيطرة القوات، وآخرها تبني تنظيم “الدولة” مداهمة وقتل قياديين من “الإدارة الذاتية” في منزلهما، الأحد 24 من كانون الثاني، وسط “حالة من الغليان الشعبي بسبب شروع (قسد) في فرض قانون التجنيد الإجباري (الدفاع الذاتي) في مناطق سيطرتها بمحافظة دير الزور”، حسب شواخ.
وبرأي الكاتب والباحث السوري مهند الكاطع، فإن الوضع الاقتصادي وتفاقم مشكلة المياه في الحسكة والاغتيالات والاعتقالات كلها تسهم في زيادة “السخط الشعبي”.
وعلل الكاطع الظهور المريب لخلايا تنظيم “الدولة” في مناطق سيطرة “قسد” بتورطها بهذا الظهور، وقال إنه “كلما دعت الحاجة أو تفاقمت الأصوات الرافضة لـ(قسد)، تقوم بتنفيذ عمليات المستهدف فيها غالبًا من العناصر المدنيين، وهذا يثير العديد من إشارات الاستفهام حول الجهة التي تقف وراء إظهار (داعش) كلما دعت الحاجة إليه”، حسب الكاطع.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 21 من كانون الثاني الحالي، اعتقال عشرات المدنيين بريف دير الزور خلال يومين.
وذكرت أن “قسد” داهمت واعتقلت مدنيين في قرى وبلدات عدة بريف محافظة دير الزور الشمالي والشرقي، خلال يومي 19 و20 من كانون الثاني 2021، إذ تم اعتقال 31 مدنيًا واقتيادهم إلى جهة مجهولة.
وأضاف التقرير أنه “لم يتم إبلاغ أحد من ذويهم بذلك، وتمت مصادرة هواتفهم ومنعهم من التواصل مع أقربائهم، ونخشى أن يتعرّضوا لعمليات تعذيب، وأن يُصبحوا في عداد المُختفين قسريًا كحال 85% من مُجمل المعتقلين”.
كما وثقت صفحة “نهر ميديا“، في 22 من كانون الثاني الحالي، اعتقال أكثر من 20 شابًا من أبناء قرية رويشد بريف دير الزور الشرقي، بعد حملة دهم واعتقالات شنّتها على القرية.
وأوضح المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، في حديث إلى عنب بلدي، أن “الاعتقالات التعسفية للمدنيين ستسبب نقمة وعدم قبول، إذ يجب أن تكون هناك شفافية وتبرير ومحاكمات عادلة، وهذا من المؤكد سيؤثر على الحاضنة الشعبية، وخاصة في الظروف الاقتصادية السيئة”.
–