حنين النقري – عنب بلدي
على مشارف العام الدراسيّ الخامس منذ بدء الثورة السورية يستعدّ 4 ملايين طالب سوري على أبواب الدراسة، حسب إحصائيات وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، في حين يقف 2.6 مليون طفل ينظرون إليهم بغبطة بعد أن حرمتهم الحرب متابعة تعليمهم، حسب آخر إحصائيات اليونيسف في نيسان 2015، إذ تحوّلت بعض المدارس السورية إلى مراكز إيواء أو معتقلات، بينما تهدّم 20% منها في بلاد خسرت 20% من معلميها أيضًا.
وأمام كل هذه الأرقام وتناقضاتها، ما بين إعلام النظام المهلّل بأن الأوضاع لا زالت بخير، وبين المنظمات الإنسانية والحقوقية المشيرة إلى أن الأوضاع بلغت حدّ الانهيار، حكاية سوريين يعيشون بلدين وواقعين وزمنين مختلفين، فكيف يستقبل السوريون العام الدراسي الجديد في مختلف المحافظات؟
خسرتُ عامًا دراسيًا بسبب الحرب
راما، طالبة من دوما في ريف دمشق، تتهيّأ لدراسة «البكالوريا» في العام الدراسي الجديد، وتتأمل ألا تحرمها الحرب عامًا آخر من مسيرتها الدراسية، وتقول «عندما كنت في الصف التاسع اقتحم النظام دوما ونزحنا وحُرمت من عام دراسي، أتمنى أن تكون هذه السنة هادئة وأن يتوقف القصف حتى ندرس بأمان».
وتشير راما إلى أن اللباس الموحّد غير مطبّق في مدارسهم منذ تحرير المدينة، فلا قدرة لأحد على شراء لباس مخصص للمدرسة، لذا فإن التهيّؤ للعام القادم سيكون بشراء ما يحتاجه كل طالب من قرطاسية، وتأمين الكتب ليستطيع الدراسة منها أثناء العام الدراسي.
وتضيف «العام الماضي لم توزّع كتب على الطلاب كل منا حاول تدبيرها بطريقته، حالفني الحظ بالحصول على نسخة كتب قديمة من ابنة جيراننا لكن الكثير من الطالبات لم يتح لهنّ ذلك، حتى إن البعض يكتب الدروس كتابة على دفاترهم ليتمكنوا من مذاكرتها في المنازل».
لا مزيد من «التعطيل»
وبينما يتمنى طلاب العالم مزيدًا من أيام العطل، يتفرّد أبناء الغوطة في سخطهم عليها، وتشرح لنا راما «العطل لدينا مرادف للتعطيل، وهي تعني المزيد من القصف وسوء الأوضاع الأمنية، أتمنى أن يمر هذا العام دون عطل لنحيا حياة طبيعية آمنة، ولا نضطّر لدوام الطوارئ».
دوام الطوارئ خاص بأيام الأوضاع الأمنية السيئة، حيث يقتصر الدوام الدراسي فيه على ساعتين، من السابعة صباحًا وحتى التاسعة قبل أن يبدأ التصعيد والقصف عادة، بغية تدارك ما يمكن تداركه من تقصير في الدروس.
راما كانت تحلم بالدورة الصيفية التجريبية لمنهاج البكالوريا لكنّ حلمها اقتصر على التسجيل فيها، إذ سرعان ما استأنف النظام تصعيده ليشلّ حركة الغوطة بحظر التجول بعد عدد من المجازر في صيفها الدامي، وتقول «لم تُنظّم الدورة الصيفية.. لا بأس، لكنني أتمنى أن أدرس البكالوريا بهدوء وأن أحقق علامات تتيح لي دراسة المعهد الطبي عوضًا عن الصيدلة، فهو أقرب المتاح لأحلامي وشغفي».
عندما تصبح «الشحاطة» حذاءً مدرسيًا
الآنسة مريم، وهي مدرّسة في قسم إدارة الأعمال بالمعهد المتوسط في الغوطة الشرقية ومديرة سابقة ﻷحد المعاهد، تخبرنا أن التحضيرات لبدء العام القادم تجري على قدم وساق، فالتنظيم والجهود أكبر من العام الفائت والدوام الإداري بدأ من يوم السبت 12 أيلول الجاري تمهيدًا لافتتاح المدارس في الثالث من الشهر القادم.
لكن الظروف الأمنية تحول دون التنفيذ، كما تخطط الفرق الإدارية للمعاهد، وتضيف «من أكبر المشاكل بالنسبة لنا تأمين الكتاب المدرسي، فأغلب الكتب نستخدمها للسنة الثالثة على التوالي في أحسن الأحوال عند توافرها، أما كتب الشهادات فحالها أصعب والكثير منها مفقود ونادر».
تقول مريم إنه لا يمكن الاستفادة من جميع مدارس المدينة بسبب تدمير جزء منها والحالة الأمنية السيئة لجزء آخر، ما يدفع لفتح أقبية كمدارس لا تكفي لأعداد الطلاب، وتضيف «نلجأ في مثل هذه الأحوال عادة إلى الدوام النصفي لتخفيف ضغط الطلاب وليصبح عددهم مقبولًا في الصف، لكن هذا بحد ذاته مشكلة فالدوام المسائي تحدّ يواجه الطلاب، إذ يتزامن مع ذروة القصف والغارات ما يجعله غير ممكن فعليًا».
أسعار القرطاسية «باهظة»، بحسب مريم، بل إنها باتت من الكماليات، إذ يشتري الطلاب «الضروري جدًا فقط» في بداية العام، ويتابعون الشراء ببطء على مدار الأسابيع التي تليه.
أما اللباس المدرسي فقد جعل الوضع أصعب «كان اللباس المدرسي يستر الطالب الفقير؛ اليوم الجميع في حالة مادية صعبة والكثير من الطلاب يأتون بألبسة بالية وبنعال خفيفة (شحاطة)»، تضيف مريم «الحقيبة المدرسية صارت رفاهية فهم يحملون دفاترهم بأكياس بلاستيكية، أحيانًا يأتي دعم من جمعيات إغاثية توزّع القرطاسية والحقائب، لكن هذا هو الحال بالعموم».
طلاب المدارس واقتصاد الحرب
يمنة، في الصف السادس، صارت خبيرة في تدبير شؤونها مع شحّ الموارد في الحرب، تقول لنا عن استخدامها للدفتر المدرسي «أقسم الصفحة طوليًا إلى نصفين لتتسع للمزيد من الكتابة، لا أترك فراغًا بين الأسطر حتى لا أستهلك المزيد من الورق، نصحتنا المعلمة أيضًا أن نكتب بالقلم الرصاص حتى نمحو ما كتبنا ونعيد استخدام الدفتر من جديد».
من أبرز ما واجه الطلاب في العام الفائت البرد في المدرسة بأيام الشتاء، بحسب ما تنقله راما، إذ لا إمكانية لتوفير نظام للتدفئة بالإضافة للنوافذ المشرعة دائمًا، وتضيف «زجاج النوافذ مكسور، وضعوا لنا بدلًا منه نايلون عدة مرات لكن غارات الطائرة القريبة كفيلة بتمزيقه مرارًا، كنا نبرد كثيرًا في الشتاء وأحيانًا نأتي بالحطب من بيوتنا لنتمكن من إيقاد المدفأة».
وفي دمشق عالم آخر
«المدارس في دمشق على استعداد لتفتح أبوابها للطلاب» بهذا تصف (ر. ع)، وهي ناشطة في إحدى المنظمات المدنية بدمشق، التحضيرات للعام الدراسي الجديد، فالدوام الإداري بدأ منذ أسبوعين، والأسواق مترعة بالبضائع المدرسية منذ شهر أو يزيد، تضيف موضحة «لكن هذا لا يعني أن الأمور طبيعية، فالبضائع أقل من المعتاد والإقبال على الشراء أقل أيضًا، الناس يشترون حاجاتهم بحذر بانتظار متطلبات المعلمات، كما أن الأسعار المرتفعة لا تشجّع على الشراء فدفتر الـ 50 صفحة الصغير بـ 75 ليرة سورية، والحقيبة متوسطة الجودة بـ 2000 ليرة…».
تقول الناشطة إن الأوضاع في دمشق لا تشبه أوضاع النازحين في مدارسها، فأولئك صنف آخر يعيشون حياة أخرى، إذ يشهد أبناء المهجّرين نسبًا كبيرة من التسرّب المدرسي نتيجة الفقر بالدرجة الأولى، وتضيف «الكثير من أطفال المهجّرين يضطرون للعمل بكونهم المعيل الوحيد لأسرهم بشكل خاص بعد فقدان الأم والأب، هناك آخرون لا يرسلون أبناءهم للمدارس لأنهم لا يرون دافعًا للتعليم أو فائدة منه».
لكن (و.أ)، وهي ناشطة أخرى من دمشق، ترى أن ثمة سبب ثالث للتسرب من التعليم، وهو الخوف من القذائف العشوائية، تضيف «هناك عائلات لم تسجّل أبناءها في المدارس خوفًا من القذائف التي زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، صحيح أن هذه النسبة ليست كبيرة لكنها موجودة».
مدرسة بمدرستين
الناشطة (ر. ع) تخبرنا أن العديد من المدارس تحوّلت لمراكز إيواء بشكل دائم في دمشق، بالإضافة إلى تزايد أعداد الطلاب كون العاصمة من أكثر المدن استقطابًا للمهجّرين، ما فاقم حالة الصفوف الدراسية.
وتوضح «الصفوف صارت مكتظّة وغير صحية ولا قدرة على ضبطها، تخيلي وجود 50 إلى 60 طالبًا في الصف الواحد، بالإضافة إلى شكوى معظم الأهالي من تردّي مستوى التعليم، الأعداد الكبيرة وخسارة بعض المدارس كمراكز إيواء جعل ظاهرة مدرسة بمدرستين تبرز للعيان».
و»مدرسة بمدرستين» هي ظاهرة تعيشها بعض مدارس دمشق، حيث تداوم بداومين منفصلين وبكادرين منفصلين تمامًا، وتستأنف (ر. ع) «مثلًا تكون إحدى المدارس بمكان غير آمن أو خسره النظام، لذا تلجأ إلى مبنى مدرسة أخرى في غير وقت دوامها، فتكون المدرسة صباحًا مدرسة ابتدائية بإدارة وكادر، وفي المساء تكون مدرسة إعدادية بإدارة وكادر وطلاب مختلفين تمامًا».
نقلنا هنا جزءًا مما يحيط بالطلاب والمعلمين، لكن ما لم يقولوه تراكب بكلماتهم كقطع أحجية مبعثرة، سواء في دمشق أم في الغوطة، في أماكن سيطرة النظام أم الجيش الحر، لا يبدو أن الطالب السوري يعيش أفضل أيامه، بل لعله الخاسر الأكبر في المعركة كلّها.
عدد المدارس الفاعلة في دوما، بحسب مجلسها المحلي، 21 مدرسة، لكن معظمهما متضرر جزئيًا.
عدد الطلاب المسجلين حتى عمر 18، هو 13547 عام 2014.
قبل الثورة كان عدد المدارس 30 مدرسة، وعدد الطلاب بين 60-70 ألف طالب.
في بحثها المقارن الذي نشرته منظمة اليونيسف عن حرمان الأطفال متعدد الأبعاد في سوريا عام 2014، أشارت إلى أن الطفل يعتبر محرومًا من التعليم إذا تجاوز عمر الرابعة عشر دون الحصول على الشهادة الابتدائية، أو إن كان عمره بين 6-17 سنة ولا يداوم في المدرسة.