سامر عثمان
يشغل ملف استقرار الليرة السورية أمام الدولار حكومة النظام السوري وبنكه المركزي منذ بداية انهيارها أمام الورقة الخضراء، جراء الحرب الدائرة منذ نحو 5 سنوات، وتكمن خصوصية هذا الملف من دوره في استقرار الحياة المعيشية للأغلبية الساحقة من السوريين وتأمين التمويل للمستوردات.
دولار الخليج للنظام
ويزيد عدد العاملين السوريين في دول الخليج عن مليون نسمة، وفق تقرير لجريدة الثورة الحكومية في شباط 2012، وسط غياب إحصاءات رسمية من دول الخليج عن عددهم الكلي مع تدفق السوريين خارج البلاد، لكن الزيادة مهملة أمام الرقم إذ تمنع هذه الدول دخول السوريين إلا بإقامة عمل وكفيل، الأمر الذي حدّ من توجههم نحوها. (تقدر المملكة السعودية عدد القادمين السوريين منذ بداية الثورة في آذار 2011 بـ 500 ألف ليصبح عددهم الكلي 750 ألفًا).
ويعمل هؤلاء، وغيرهم من المغتربين واللاجئين حول العالم، بتحويل الأموال إلى عائلاتهم وأقربائهم في سوريا أو لتمويل استثماراتهم الخاصة والتي بدأت تتراجع أو تنعدم مع استمرار الحرب، وقد قدرت المنظمة الدولية للهجرة حجم تحويلات المهاجرين السوريين بحوالي مليار دولار سنويًا (عام 2012)، ما يشكل نسبة حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي السوري.
لكن في الحقيقة هذه الأموال التي تحول لا يستفيد منها المواطن السوري في مناطق النظام كعملة صعبة يحفظها لضمان مدخراته، كون البنك المركزي قرر في شهر أيار من العام 2013 تسليم كافة الحوالات بالليرة السورية، واتهم من يطالب باستلامها بالعملة الصعبة بالإتجار بالدولار وغسيل الأموال، وغير ذلك فالدفع يكون بسعر صرف دولار الحوالات والذي يكون منخفضًا عن سعر السوق الموازية بنحو 5 ليرات أو أكثر.
وعزز قرار المركزي صدور مرسوم بنفس العام حمل الرقم 54 ومنع بموجبه التعامل بغير الليرة السورية، ويعاقب المخالف بغرامة مالية والحبس الذي يصل إلى ثلاث سنوات.
وخلق النظام بهذه القرارات سوقًا سوداء جديدة للحوالات، أبطالها أفراد عاديون يرتبطون بشبكات بالخارج، وتتعهد بتقديم حوالات السوريين في الخارج لذويهم بالداخل بالقطع الأجنبي، لكن مقابل نسبة قد تصل لـ 7% من قيمة المبلغ.
قبل الثورة وبعدها
قدّرت وزارة المغتربين عام 2009 تحويلات المغتربين السوريين بحوالي 2 مليار دولار، أي ما يوازي 16.7% من ميزانية سوريا البالغة حينها حوالي 12 مليار دولار.
في حين أعلن مصرف سوريا المركزي، في نيسان 2014، عن بلوغ تحويلات المغتربين إلى الداخل السوري 7 ملايين دولار يوميًا، ويرتفع هذا الرقم خلال الأعياد إلى 10 ملايين دولار، وتوزع 2 إلى 5 مليون منها لتمويل الواردات، بينما تضخ 1.5 إلى 2 مليون دولار في السوق لدعم استقرار سعر صرف الليرة بشكل يومي.
هل ما قاله المركزي صحيح؟
المحلل الاقتصادي مؤيد عوض، في تصريحه لعنب بلدي، قال «إن إعادة رفع قيمة الليرة السورية اقتصاديًا ضرب من الخيال مهما كانت كمية الدعم وذلك في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام، وكذلك في ظل الأزمة الحالية التي تكلف سوريا يوميًا ملايين الدولارات»، مضيفًا «تحويلات المغتربين يمكن أن تسد جزءًا لا يذكر من متطلبات الدولة والاستيراد».
وتساءل عوض «هل مبالغ التحويلات كافية لتمويل استيراد احتياجات السوريين؟ وإلى متى سيستمر النظام في الاستخفاف بعقول السوريين».
وأوضح «ما يحمي الليرة حاليًا هو ضعف القوة الشرائية لدى السوريين عمومًا، إذ تخلّوا عن معظم حاجاتهم الأساسية وهذا ما يدعم الليرة السورية».
سبب الانخفاض الحاد
لم تكن الحرب وحدها هي السبب الرئيسي في انخفاض الليرة السورية، بل إن هروب رجال الأعمال إلى الخارج، سواء مؤيدو النظام أو معارضوه أو من يعرفون بـ «الرماديين»، تاركين وراءهم قروضًا بمئات المليارات، كرجل الأعمال صائب النحاس، المدين للنظام بأكثر من 300 مليار ليرة.
وليس ذلك فحسب، فالبنوك الخاصة في سوريا بدورها هربت أموالها من القطع الأجنبي إلى الخارج أيضًا وأعلنت عن ذلك رسميًا، بحجة تكوين المؤونات والتحوطات.