عدنان كدم – عنب بلدي
أصبحت الهجرة إلى أوروبا حلمًا يراود السوريين، تحت ضغط الحرب الدائرة في البلاد، التي غدت كالنار في الهشيم تأتي على الأخضر واليابس، إذ وصف أنطونيو غوتيريس، رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، الحالة السورية بالمأساة الإنسانية، وقال إن السوريين الآن يشكلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وتعتبر هجرتهم أكبر موجة نزوح شهدتها البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.
كما دفع الآلاف من السوريين حياتهم ثمنًا للوصول إلى القارة الأوروبية، ليكون مصير المئات منهم الموت غرقًا، وسط تقاعس دول العالم عن إيجاد حل جذري للأزمة السورية بعد أن دخلت عامها الخامس.
تدفق الآلاف
قدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين عدد الذين وصلوا إلى أوروبا منذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر آب بحدود 300 ألف نازح سوري، عبر الهجرة غير الشرعية.
إبراهيم جواد، لاجئ سوري مقيم حاليًا في ألمانيا، نزح من مدينة دير الزور بسبب تفاقم الوضع الأمني بداية عام 2013، ويروي قصة هجرته إلى أوروبا ومجابهته المخاطر أثناء رحلته التي بدأت من مصر.
ترك إبراهيم أهله ومدينته بلوعة وأسى وعينه ترنو للعودة إلى الوطن، كما وصف لعنب بلدي، قائلًا «أحد الأصدقاء المقيمين في ألمانيا نصحني بالسفر عن طريق الهجرة غير الشرعية وترك سوريا التي لم يعد فيها فسحة أمل للعيش باستقرار، فقررت التوجه إلى مصر في منتصف عام 2013 باعتبار الهجرة غير الشرعية تنشط فيها، وبقيت لمدة شهرين في الإسكندرية أبحث عن سفينة تقلني إلى إيطاليا، إلى أن عثرت على مهرب أقلني مع 200 مهاجر سوري بمركب صغير لا يتسع لـ 50، مقابل 3000 دولار. رأينا خلال رحلتنا البحرية الأهوال من أمواج البحر التي كانت تتدافع وتضرب المركب، إلى أن وصلنا إلى إحدى الجزر الإيطالية».
وتابع جواد قائلًا «لدى وصولنا بأعجوبة اعتقلتنا السلطات الإيطالية وبقينا في السجن لـ 15 يومًا، بعدها أُطلق سراحنا وقطعنا عدة بلدان عبر القطارات إلى أن وصلنا مدينة درسدن الألمانية، وبعد ستة أشهر حصلت على الإقامة المؤقتة».
وأكد جواد أنه يأمل بلم شمل أهله المحاصرين في دير الزور، كما يأمل باستقرار الأوضاع في سوريا كي يعود كل اللاجئين المقيمين في ألمانيا، باعتبار أن أغلبهم يتمنون العودة إلى وطنهم، رغم حصول الكثيرين منهم على الإقامة المؤقتة.
تهجير قسري
شهدت سوريا موجة نزوح كبيرة لم تشهدها على مدى سنوات الثورة، بسبب تصاعد العنف وانعدام الأمن والأمان والاستقرار وزيادة عمليات القتل العشوائي، التي يقوم بها نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية على حد سواء، هذا ما أكده لعنب بلدي مدير الرابطة السورية للاجئين محمد النعيمي، قائلًا «يوجد نوعان من الهجرة وهي موجة لجوء من سوريا إلى أوروبا، حيث يأمل السوري بالحصول على مستوى معيشة أفضل تقدم من خلال راتب شهري يصل لـ 700 يورو إضافة إلى 300 يورو تقدم له كتأمين صحي وتعليمي وتعويضات النقل، إضافة إلى منحه الإقامة تمهيدًا لدمجه بالمجتمع الجديد وحصوله على الجنسية فيما بعد، ولابد من توجيه الشكر إلى أوربا على المستويين الشعبي والرسمي لرحابة الصدر الذي قاموا به تجاه السوريين».
ويضيف النعيمي «النوع الآخر هي هجرة السوريين المقيمين في بلدان الجوار إلى أوروبا، وذلك لعدم حصولهم على الحد الأدنى من المعيشة، لا سيما أولئك المتواجدون في المخيمات التركية، حيث يحصل الفرد على 25 دولارًا كبدل إطعام، وهو مستوىً لا يمكن مقارنته بمستوى المعيشة المرتفع لدى لاجئي أوروبا، ما سينعكس سلبًا على الحالة الاجتماعية لدى لاجئي تركيا الذي نجم عنه تفكك أسري وأزمات نفسية كبيرة».
تغيير ديموغرافي
أشار النعيمي أن هناك مشروع لإحداث تغيير ديموغرافي يستهدف الأرض السورية، من خلال عمليات التهجير التي يقوم بها نظام الأسد وتنظيم الدولة، خاصة لدى العرب السنة، الذين يشكلون ما نسبته 85 % من نسبة السكان، وهذا المشروع يستهدف كلًا من سوريا والعراق وتركيا، حيث يتم تشكيل ضغط على تركيا أمام تدفق آلاف اللاجئين عبر أراضيها بغية حصرها في الزاوية وإظهار مستوى عجزها أمام تقديم الحد الأدنى من مستوى المعيشة، علمًا أن عدد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها يقدر حتى تاريخ 15 حزيران من العام الحالي بمليون و800 ألف لاجىء، في حين تبلغ نسبة اللاجئين في أوربا 8% من النسبة العامة لعدد اللاجئين، الذين يقدر عددهم حسب إحصائية الأمم المتحدة بـ 4 ملايين و700 ألف.
إدارة أزمة
«لسنا بحاجة لقتل البعوض وإنما تجفيف المستنقع»، هذا ما نوه إليه النعيمي، مؤكدًا أنه يتوجب لحل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا التوجه لحل الأزمة السورية، من خلال القضاء على المسبب في تهجير السوريين المتمثل في نظام الأسد وتنظيم الدولة، ولما كان من الصعب الوصول إلى الهدف في الوقت الحالي لوجود تعقيدات كثيرة، كان من الضروري إدارة الأزمة بإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية ودعوة رجال الأعمال لإنشاء مشاريع اقتصادية تقضي على البطالة وتؤمن فرص عمل للشباب، عندها لن يفكر السوريون بالهجرة إلى أوروبا حتى ولو كانت جنة المأوى، كون الإنسان السوري مرتبطًا بأرضه ولا يرضى ترك بلده والعمل خارجًا، إلا إذا حرم من مقومات الحياة، عندها سيضطر للمخاطرة بحياته وركوب البحر وتعريض حياته للخطر في سبيل البحث عن حياة أفضل له ولعائلته.
منظمة حقوقية
«لسنا منظمة إغاثية تقدم المساعدات للسوريين، نحن منظمة حقوقية تدافع عن حقوق اللاجئين على مستوى العالم وتسعى لحل مشكلاتهم مع الدول المستقبلة»، هذا ما كشف عنه النعيمي لعنب بلدي، مضيفًا « تقوم المنظمة على حل الخلافات المتعلقة بالترجمة والنزاعات مع الأتراك والحصول على هويات اللاجئين والتواصل مع سلطات الدول المستضيفة لحل أي أمور عالقة، مثلما حدث مع عشرات اللاجئين السوريين الذين احتجزهم الأمن التركي منذ أيام في اسطنبول ومدن تركية أخرى، إذ اتصلنا مع السلطات التركية وطلبنا الإفراج الفوري عنهم ولبت الحكومة التركية مطلبنا وقمنا باستلامهم على الحدود السورية».
وتابع قائلًا «نحاول التنسيق مع كافة الأطراف التي لها علاقة بالقضية السورية، حيث اجتمعنا مع الحكومة السورية المؤقتة في غازي عنتاب، كما اجتمعنا منذ يومين مع الحكومة التركية لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية عبر تركيا، وسنحضر المؤتمر الدولي لحل شؤون اللاجئين في اسطنبول الذي سيعقد في الشهر القادم، لنقل آمالهم وآلامهم للدول المعنية بالقضية السورية».
طرق محفوفة بالمخاطر يلجأ إليها السوريون عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوربا من تركيا أو مصر، لعل تقاعس المنظمات الدولية المعنية عن اتخاذ تدابير ناجعة لحل أزمة تدفق اللاجئين هو ما دفع بآلاف السوريين إلى تحدي الموت بقوارب صغيرة، علهم يجدون حياة أفضل ومستقبلًا مشرقًا في بلدان اللجوء بعد أن غابت شمس الأمل في بلدهم.
مجابهة الموت
لماذا قرر والد «آلان» المغامرة بحياة عائلته
أحصت المنظمة العليا لشؤون اللاجئين غرق ما يقارب 1676 شخصًا غالبيتهم من السوريين، خلال تقرير صدر في الربع الثاني من العام الحالي، لقوا حتفهم في عرض البحر أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا، كما أحصت غرق ما لا يقل عن 180 شخصًا خلال شهر آب المنصرم.
الحادثة الأبرز كانت غرق ثلاثة أفراد من عائلة “الشنو” السورية في مركب مطاطي أثناء محاولتهم الهجرة من مدينة بودروم التركية إلى اليونان، أحدهم الطفل “آلان” الذي راجت قضيته في الأوساط الإعلامية الدولية. عنب بلدي التقت بالأب الناجي من الغرق عبد الله الشنو وأجرت معه الحوار التالي:
عرفنا بنفسك وبعائلتك؟
اسمي عبد الله الشنو، أبلغ من العمر 40 عامًا، من مدينة كوباني «عين العرب»، كان لدي زوجة وطفلان، هما غالب (4 سنوات ونصف)، وآلان ويبلغ عامين ونصف.
هلا حدثتنا عن حياتك قبل مجيئك إلى تركيا
سكنت في العاصمة دمشق منذ سنوات طويلة، وكنت أعمل حلاقًا إلى أن اندلعت الثورة السورية في ربيع 2011، أحد المخبرين كتب عني تقريرًا، وكانت وشاية كاذبة فاعتقلت في أمن الدولة لمدة ثلاثة أشهر وتعرضت للضرب والتعذيب إلى أن خرجت في نهاية 2011، قررت على إثرها الخروج من دمشق والذهاب إلى عين العرب مسقط رأسي بداية 2012، وكانت حالتي يرثى لها، فساعدني والد زوجتي وتكفل بنفقات افتتاح محل للحلاقة الرجالية وبقيت أعمل فيه.
لماذا قررت الذهاب إلى تركيا؟
بعد عام ونصف دخلت المدينة في دائرة الصراع بين تنظيم الدولة من جهة وقوات التحالف والحماية الكردية من جهة أخرى، لم يعد بمقدوري العمل جراء تدمير المدينة، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية، فخرجت وعائلتي إلى اسطنبول، وبحثت عن عمل في مجال الحلاقة، إلا أنه لم يكتب لي النجاح لاعتبارات الهجرة غير الشرعية، إذ لم يكن لدي أوراق ثبوتية، لذا عملت بالخياطة وكنت أتقاضى أجرًا لا يتجاوز 650 ليرة تركية، أدفع منها 400 ليرة أجرة منزل.
هل استطعت العيش في اسطنبول؟
لم أستطع العيش بسبب الأعباء الكثيرة، فاضطررت إلى ترك العمل والبحث عن آخر في مجال الإنشاءات، وهو عمل شاق، بأجرة يومية لا تتجاوز 40 ليرة، ولم يكن عملًا مستمرًا، فكنت أعمل يومًا وأعطل يومين.
هل سجلت في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بغية تسفيرك وعائلتك؟
نعم سجلت بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين السوريين، منذ قرابة عام ونصف إلا أن المفوضية لم ترسلني إلى أي من دول اللجوء.
هل حاولت السفر بطرق أخرى غير الهجرة غير الشرعية؟
نعم حاولت السفر إلى كندا من خلال تقديم طلب اللجوء إليها، باعتبار أن أختي مقيمة فيها، إلا أن الحكومة الكندية لم توافق، فبعد أكثر من عام على تقديم الطلب جاء الرد بالرفض القاطع.
كيف قررت السفر؟
تركت أولادي في اسطنبول وذهبت عن طريق التهريب إلى مدينة أدرنة ومنها إلى بلغاريا، ودفعت لأحد المهربين مبلغ 500 يورو كي يهربني إلى بلغاريا، إلا أن المهرب كان محتالًا وتركني قبل أن أقطع الحدود، وعدت إلى اسطنبول للعمل في مجال الإنشاءات.
ماذا فعلت بعدها؟
وصلت وعائلتي إلى مدينة أزمير الساحلية الاثنين 25 آب، واتفقت مع مهرب سوري لنقلي إلى جزيرة تابعة لليونان عبر قارب سريع، كان الاتفاق وصول القارب خلال ساعة لإحدى الجزر مقابل دفع 8000 يورو لكل أفراد عائلتي، على أن أضع المبلغ كتأمين في مكتب بفندق في أزمير، ولدى وصولي أقوم بالاتصال بالمكتب كي يعطي المبلغ المستحق للمهرب.
إلا أنه بعد انطلاق القارب من شاطىء بودروم بـ 10 دقائق، حدث عطل في محرك القارب، وتم الاتصال بخفر السواحل التركي الذي انتشلنا وأعادنا إلى شاطىء أزمير.
المحاولة الثانية كانت عبر قارب مطاطي (بلم) كان يقل قرابة 40 راكبًا، إلا أن خفر السواحل التركي أجبرنا على العودة، باعتبار أن القارب غير مطابق لمقاييس السفر عبر البحر.
كيف غرق أفراد عائلتك؟
المحاولة الأخيرة كانت الرحلة عبر القارب نفسه، ففي يوم الأربعاء 2 أيلول، الساعة 12 ليلًا، انطلق القارب المطاطي وعلى متنه 12 راكبًا من ضمنهم أنا وعائلتي، بعد أن سار القارب مدة 4 دقائق ونصف أتت موجة كبيرة، شعر السائق التركي أن القارب سيغرق فرمى بنفسه في البحر وترك القارب وركابه يلقون مصيرهم بأنفسهم، فأتت الموجة وضربت القارب بقوة لينقلب القارب بمن فيه.
هوى كل من في القارب في عرض البحر، وحاولت إنقاذ ابني الكبير غالب الذي كان بقربي، إلا أنني لم أستطع إنقاذه، فغرق في عمق البحر، وعندما أيقنت أنه مات توجهت لأنقذ ابني إيلان إلا أنه فارق الحياة أمامي، كما رأيت طفلين قد فارقا الحياة، وحاولت البحث عن زوجتي لكنني لم أجدها، وبقيت قرابة ثلاث ساعات في البحر أنادي وأصرخ بأعلى صوتي عسى أن تأتي سفينة للنجاة.
كيف تم إنقاذك والباقين؟
أحد الركاب الذين يجيدون السباحة استطاع الوصول إلى شاطىء أزمير واتصل بأقرب نقطة لخفر السواحل التركي، الذي أنقذني بدوره.
أين أنت الآن وأين جثامين عائلتك؟
أنا الآن في كوباني، قام الأهل بإقامة مجلس عزاء، وأوصلت الحكومة التركية جثامين عائلتي إلى المدينة، حيث تم دفنهم بموكب مهيب حضرته شخصيات تركية رسمية.
برأيك هل ستستمر أزمة تدفق اللاجئين السوريين عبر البحر أم ستتوقف؟
ستستمر أزمة تدفق اللاجئين كون الوضع في سوريا يزداد سوءًا، وسيحاول السوريون العبور نحو أوروبا حتى لو قامت السلطات الأوروبية باتخاذ تدابير صارمة.
ماذا تتمنى لنفسك؟
لم يبق لي أي بارقة أمل بعد موت عائلتي، أما الآن بعد أن بقيت وحيدًا سأبقى في كوباني وأحاول بناء بيتي الذي دمرته الحرب.
ماذا تتمنى للسوريين؟
أتمنى أولًا وأخيرًا أن تتوقف الحرب الظالمة على الشعب السوري، كي ينعم من تبقى منهم بالسعادة والاستقرار، وأتمنى من دول أوروبا أن تهتز مشاعرها لحوادث موت وغرق الأطفال والنساء الذين يبحثون عن حياة أفضل، لتستقبل أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين، ويرسلوا سفنًا أيضًا كي تقل النساء والأطفال بدلًا من ركوبهم الخطر وعبورهم البحر عبر قوارب مطاطية.