انقسام أو إفلاس.. ما الحلول؟
“هيئة التفاوض”.. حكاية أيادي موسكو والسعودية التي دارت في الخفاء
عنب بلدي – علي درويش
عادت الخلافات لتطفو على السطح بين مكونات “هيئة التفاوض السورية” التي انبثقت عن مؤتمر “الرياض- 1” في 10 من كانون الأول 2015، وأضيف إلى مكوناتها منصتا “القاهرة” و”موسكو” بمؤتمر “الرياض- 2” في تشرين الثاني 2017، وذلك في انقسام واضح، تعود جذوره إلى كانون الأول 2019، فيما يسمى “أزمة المستقلين”.
وقاد محاولة استبدال الأعضاء المستقلين في “هيئة التفاوض” حينها كل من “هيئة التنسيق الوطنية” ومنصتي “القاهرة” و”موسكو”، في أزمة اعتبرها المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، “الصاعق الذي نحصد نتائجه الآن”.
وتكمن أهمية “هيئة التفاوض” بأنها المرجعية السياسية للمعارضة السورية، وأُسست لتتولى مهام اختيار الوفد التفاوضي مع النظام، وتكون مرجعية للمفاوضين مع ممثلي النظام نيابة عن المجتمعين في مؤتمر “الرياض”.
وزادت الخلافات داخل “هيئة التفاوض”، بإرسال “هيئة التنسيق” ومنصة “موسكو” وقسم من منصة “القاهرة”، في 17 من كانون الثاني الحالي، رسالة وصلت نسخة منها إلى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، طالبت بالتصرف سريعًا، والدفع نحو التوافق ضمن “هيئة التفاوض”.
كما وصلت الرسالة إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، ما أدى إلى تعليق عمل موظفي “هيئة التفاوض” في الرياض.
واجتمع وزير الخارجية الروسي في موسكو مع رئيس منصة “موسكو”، قدري جميل، وعضو المنصة مهند دليقان، بينما حضر خالد المحاميد وجمال سليمان من منصة “القاهرة”، في 21 من كانون الثاني الحالي.
وبحسب صحيفة “قاسيون“، التابعة لحزب “الإرادة الشعبية”، الذي يرأسه قدري جميل، فقد عرض ممثلو المنصتين على لافروف “الوضع ضمن هيئة التفاوض السورية، ومحاولات بعض الأطراف تعطيل عملها عبر ممارسة عقلية الحزب القائد ضمنها”.
محاولة سعودية لبسط النفوذ
وُجهت انتقادات للسعودية من قبل معارضين سوريين التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق، بسبب دعمها “هيئة التنسيق” ومنصتي “القاهرة” و”موسكو”، في محاولة من المملكة لزيادة نفوذها في المعارضة السورية عبر هذه المكونات، مقابل “النفوذ التركي المسيطر على المعارضة”، حسب الرؤية السعودية.
وتعد تركيا الداعم الأساسي لـ”الائتلاف الوطني” أكبر كتل “الهيئة”، كما تدعم أكبر تشكيلات المعارضة العسكرية المتمثل بـ”الجيش الوطني” شمالي سوريا، وتحظى بعلاقات جيدة مع “المجلس الوطني الكردي”.
وتتألف “هيئة التفاوض” من 36 عضوًا موزعين كالتالي: ثمانية من “الائتلاف الوطني”، وأربعة من منصة “القاهرة”، وأربعة من منصة “موسكو”، وثمانية أعضاء مستقلين، وسبعة من الفصائل العسكرية، وخمسة من “هيئة التنسيق”، ولكل عضو صوت ضمن “هيئة التفاوض” (36 صوتًا).
وبذلك يكون للطرف المعترض (المتهم بتنفيذ الضغط السعودي) والمقاطع لاجتماعات “هيئة التفاوض” منذ أيلول 2019، أي “هيئة التنسيق” ومنصتي “القاهرة” و”موسكو” 13 صوتًا، مقابل 23 صوتًا لبقية المكونات.
وهو ما تحاول السعودية، منذ كانون الأول 2019، تعديله عبر تعيين مستقلين ضمن “هيئة التفاوض”، بدلًا من الموجودين الذين تعتبرهم السعودية محسوبين على تركيا، بحسب المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، في حديثه إلى عنب بلدي.
وأكد المعارض السوري ميشيل كيلو، لعنب بلدي، أن السبب الرئيس في الانقسام داخل “هيئة التفاوض” أن السعودية تريد أن تتولى الإشراف على “الهيئة”، عبر إحداث تبدل في توزيع موازين القوى بداخلها.
ونشأت “أزمة المستقلين” في “هيئة التفاوض” عام 2019، بعد استضافة العاصمة السعودية الرياض عددًا من السوريين لاستبدالهم بمجموعة المستقلين في “الهيئة”، إلا أنها فشلت في تعيين ثماني شخصيات جديدة.
وبحسب ميشيل كيلو، أوضحت السعودية موقفها للمعارضة السورية بأنها إذا استمرت على نفس النهج (التبعية لتركيا) لن تساندها، وبالتالي لن يكون ضمن “هيئة التفاوض” أي من “هيئة التنسيق” ومنصتي “القاهرة” و”موسكو” وربما بعض أعضاء من “هيئة التفاوض”، ما يحدث شرخًا وانقسامًا ضمنها.
ويمكن أن تضيف السعودية إلى المكونات الثلاثة (موسكو والقاهرة والتنسيق) ثمانية مستقلين، وبالتالي تنشأ “هيئتا تفاوض”.
وتساءل كيلو، “ماذا يعني أن تتصل السعودية منذ أكثر من سنة بشخصيات، ومنهم أنا، وتطلب منا أن نأتي إلى السعودية ونشكل هيئة مستقلين”، على أن تكون بإشرافها، وهو ما رفضه كيلو حينها، واقترح إجراء جلسات حوار والاتفاق فيها على مشتركات، والعمل معًا في إطار تنسيقي، حسب تعبيره.
وفي 28 من كانون الأول 2019، دعت “هيئة التنسيق” ومنصتا “القاهرة” و”موسكو” أشخاصًا محددين (أقرباء ومن تربطهم علاقات) وبعض الأشخاص “المحترمين”، وانتخبوا ثمانية مستقلين جدد، حسب العريضي.
ودُعيت المكونات الثلاثة إلى اجتماعات “هيئة التفاوض” لاحقًا إلا أنها لم تحضر، حتى في انتخابات أنس العبدة.
و”حرصًا من الهيئة على البقاء متماسكة بوجود المستقلين القدامى”، لم تنتخب نائبًا لرئيس “الهيئة” (بدل جمال سليمان من منصة القاهرة)، وأمينًا للسر (بدل صفوان عكاش من هيئة التنسيق)، احترامًا لهما وللمكونات في “الهيئة” رغم غيابها، حسب العريضي.
“هيئة التنسيق”: أربعة أسباب للخلاف
أحمد العسراوي ممثل “هيئة التنسيق” في اللجنة الدستورية، والذي يشغل الأمين العام لحزب “الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي” في سوريا، أرجع المشكلة ضمن “هيئة التفاوض” إلى عدة أمور، الأول ما سماه “محاولات بعض الإخوة في هيئة التفاوض التفرد بالقرارات”، إذ جرى الاتفاق منذ أواخر 2017 على أن تؤخذ قرارات “هيئة التفاوض” بالتوافق بين جميع المكونات، وهو ما جعل “هيئة التنسيق” تقبل بالقسمة العددية المتفق عليها في “الرياض- 2”.
وأضاف العسراوي أن المسألة الخلافية الأولى كانت محاولة “الائتلاف” ضم “المجلس الوطني الكردي” كمكون مستقل عن “الائتلاف”، مستخدمًا غلبة التصويت خلافًا للتوافق، إذ يعتبر “المجلس الوطني الكردي” أحد مكونات “الائتلاف الوطني”.
والأمر الثاني، فصل ممثل منصة “موسكو” في “هيئة التفاوض” واللجنة الدستورية، مهند دليقان، على الرغم من كون “هيئة التنسيق” لا تتوافق مع الرؤية الخلافية التي طرحها دليقان، كما لا تتوافق مع طريقة الفصل.
الأمر الثالث هو إدخال أنس العبدة إلى “هيئة التفاوض” دون استشارة مكوناتها، ثم إخراج حواس خليل سعدون منها بالطريقة نفسها.
وفي تموز 2020، تبادل المعارضان السوريان أنس العبدة ونصر الحريري رئاستي “هئية التفاوض السورية” و”الائتلاف الوطني المعارض”، ليصبح العبدة رئيسًا لـ”هيئة التفاوض”.
والمسألة التي “قصمت ظهر البعير”، بحسب تعبير العسراوي، هي فصل أو استبدال قاسم الخطيب، معتبرًا أن ذلك متابعة لمحاولات “الائتلاف الوطني” اختراق جميع مكونات “هيئة التفاوض”.
وكانت منصة “القاهرة” شهدت خلافًا داخليًا مطلع العام الحالي، بعدما عُيّن نضال الحسن ممثلًا للمنصة في “هيئة التفاوض”، وتليد صائب ممثلًا لها في اللجنة الدستورية، بديلًا عن قاسم الخطيب الذي كان يشغل المنصبين.
الذراع الروسية تدور في فراغ “هيئة التفاوض”
انتقدت العديد من الأطراف السورية السياسية والعسكرية والاجتماعية المعارضة للنظام السوري، دخول منصتي “موسكو” و”القاهرة”، في إطار نظرة مسبقة بأن المنصتين “ذراع روسية” داخل المعارضة، وُجدت لتعطيل جهودها وتنفيذ الأجندة الروسية.
وتسعى موسكو بشكل مستمر إلى إفرغ القرارات من مضمونها، وبالدرجة الأولى مسألة وقف إطلاق النار، إذ اخترعت مسار “أستانة” الذي عرقلت بموجبه الوقف الشامل لإطلاق النار، كما دعت القرارات الدولية، واستبدلت بذلك مناطق “خفض التصعيد” سواء في درعا جنوبي سوريا أو شمال غربي سوريا.
وبحسب تعبير يحيى العريضي، فـ”المبني على خلل حتمًا مصيره الخلل”، وعندما بدأت موسكو بإدخال منصتي “موسكو” و”القاهرة”، طالب أعضاء من “الهيئة” المبعوث الأممي حينها، ستيفان دي مستورا، بإدخالهم كمستشارين، لكن طلباتهم لم تؤخذ بعين الاعتبار.
وأضاف العريضي، “عملنا على أن تبقى الذراع الروسية تدور بالفراغ، ولا تنتحل القرار السوري المعبر عن الثورة وحقوق السوريين”، إذ “حُددت الأصوات الممنوحة لكل من المنصتين في الانتخابات، بحيث يتاح لهم التعبير عن رأيهم، لكن ليس في الأمور الحاسمة وما يتعلق بالحق السوري، ليس لأنهم غير وطنيين، ولكن هناك أمور أساسية لا يمكن التنازل عنها”.
ونفى العريضي تبعية المستقلين لـ”الائتلاف” أو لتركيا، مستشهدًا بأنه حين مُدد لنصر الحريري ووافقت عليه “هيئة التفاوض” رئيسًا، عارض المستقلون ذلك، بينما وافقت منصتا “موسكو” و”القاهرة” و”هيئة التنسيق”.
وتضم كتلة المستقلين في “هيئة التفاوض” عبد الجبار العكيدي، وعوض العلي، وفدوى العجيلي ، وبسمة قضماني، وجابرييل كورية، وطارق الكردي، وهنادي أبو عرب.
حلول للخروج من الانقسام؟
يرى ميشيل كيلو أنه يفترض في المرحلة المقبلة أن نشهد محاولة من “هيئة التفاوض” للوصول مع السعودية إلى حل وسط بما يخص مسألة التمثيل بالتناوب على رئاسة “هيئة التفاوض”.
وقال كيلو لعنب بلدي، “نحن على مشارف إفلاس نهائي لكل ما يسمى قرارات دولية وغير قرارات دولية”.
بينما قال يحيى العريضي، إن “هيئة التفاوض ليست كيانًا أو جسدًا مقدسًا، وهناك شيء أكبر منها وأكبر من اللجنة الدستورية، وهو حق السوريين، وهو المبدأ الأساسي الذي يجب العمل عليه”.
فإن لملمت “هيئة التفاوض” نفسها وصححت مسارها فعلى “الرحب والسعة”، وإن لم يكن ذلك، فليقم أي جسد بالتمترس عند هذا الحق، وإذا كان في إطار معترف به دوليًا فهو أفضل، بحسب تعبير العريضي.
بينما نفى ممثل “هيئة التنسيق”، أحمد العسراوي، في حديثه إلى عنب بلدي، وجود أي مشروع بديل لـ”هيئة التفاوض”، مضيفًا أن “هيئة التنسيق” تعمل على المحافظة على جهود “هيئة التفاوض” وموقفها السياسي المعتمد على ضرورة نجاح العملية السياسية التفاوضية المستندة إلى مؤتمر “جنيف” المنعقد في 2012، والقرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية، خاصة القرارين “2118” في 2013 و”2254″ في 2015، وإنجاح العملية السياسية بسلالها الأربع، لكن “هيئة التنسيق” تريد أيضًا إيقاف التجاوزات التي تعطل الوصول إلى تطبيق هذه القرارات الدولية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :