يبدأ المفكر السوري صادق جلال العظم كتابه “في الحب والحب العذري” بتوضيح موضوعات دراسته التي سيرتكز عليها البحث، ممهدًا بذلك للحديث عن مفهوم الحب بشمولية، إذ لا يستطيع شخص ما أن يضع تحديدًا دقيقًا جامعًا مانعًا يعبر عن ماهيته مرة واحدة وبصورة نهائية، فيشمل بذلك جميع جوانب هذا الشعور.
ويعتقد العظم أن من عرف الحب بالتجربة فهو بغنى عن كل التعريفات الفلسفية لماهيته مهما ضاقت في عبارتها واتسعت في شمولها.
والحب الذي بحث عنه المفكر ليس حب البحث عن الحقيقة أو المثل العليا أو حب الوطن والمال، إنما المشاعر والأحاسيس والانفعالات المترابطة في النفس الإنسانية.
ويتضمن الحب من هذا الجانب بفكر العظم، الشهوة والحاجة والميل إلى امتلاك المحبوب، بصورة من الصور، والاتحاد بالحب لإشباع هذا النهم، وتحقيق الشعور بالاكتفاء والرضا.
وبهذا فإن الحب مرتبط ارتباطًا مباشرًا وأساسيًا بالشهوة الجنسية في الإنسان وبسعيه لإرضائها، ولكن هذه المشاعر لا يمكن، بحسب العظم، إدراجها كظاهرة جنسية محضة أو حاجة عضوية تتطلب التفريغ لطاقات مثلها في ذلك كمثل الجوع والعطش، لأن “ظاهرة الحب أشد تعقيدًا بكثير من أن تسمح، لمن يريد فهمها، بتبسيطها إلى هذا الحد”، وفق العظم، لأن الرغبة الجنسية ليست الشرط اللازم لازدهار الحب في قلب الإنسان.
يقول المفكر ابن حزم، في العصر الأندلسي، ضمن كتابه “طوق الحمامة”، عن الحاجة الجنسية كسبب من أسباب الحب، “لو كانت علة الحب حُسن الصورة الجسدية لوجب ألا يُستحسن الأنقص من الصورة، ونحن نجد كثيرًا ممن يؤثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيدًا لقلبه عنه (…) وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها”، والإنسان العاشق حقًا لا يحب أيًا كان، بل يصطفي المحبوب عن بقية الأشخاص ليركز عليه أحاسيسه وعواطفه، كما لو كان هو الشخص الوحيد الكون الذي بإمكانه أن يفي بمتطلبات هواه وحبه دون غيره من بقية الناس.
ويوجب العظم في دراسته التمييز بين حالات الشعور بمجرد الانجذاب الجنسي والميل إلى إشباع رغبة الشخص فحسب، وبين الحب باعتباره حالة تتخطى حالة الانجذاب الأولى، وكثيرًا ما يقع الفرد في حب أول إنسان يبادر نحوه بأي اهتمام عاطفي أو ميل غرامي حتى لو كان ذلك من باب المصادفة أو المودة العابرة، وهذا في الحقيقة بنظر العظم، ليس إلا رغبة مكبوتة كانت ستشعره بنفس الوله والحب نحو أي شخص آخر يعترض طريقه بذلك الاهتمام العابر.
والحب بفكر العظم يعتبر انفعالًا تلقائيًا وعفويًا بالنسبة لمصدره وبواعثه، يوجد في قلب الإنسان دون تكلف أو جهد خاص، وبسبب تلقائية الحب، فإنه لا يتناسب تناسبًا معقولًا مع محاسن المحبوب وفضائله ومفاتنه، كما أن العاشق يميل دومًا إلى صبغ المعشوق بخصال وخصائص لا يتصف بها من وجهة نظر محايدة، وبخلاف الأفكار الشائعة، فإن العظم يعتقد أن الجمال الجسماني، بحد ذاته، لا يلعب الدور الأكبر في الحب.
كما انتقد العظم تصور المفكر المصري عباس العقاد، فيما يخص مبادرة المرأة باختيار الرجل المناسب لها، إذ أرجع العقاد اختيار المحبوب إلى أنه وقف على الرجل دون المرأة، بسبب طبيعتها الأنثوية، ولكن خالفه بذلك العظم، إذ رفض “المنطق التقليدي” الذي يحد من حرية اختيار المرأة في حياتها العاطفية ضمن حدود من يختارونها أولًا من الرجال، لأنها بطبيعتها الإنسانية السابقة على طبيعتها الأنثوية، قادرة على أن تحب وتعشق وتختار في أوسع الدوائر الممكنة، أشخاصًا لم يعيروها أي انتباه سابق على اهتمامها بهم.