عفرين.. علاج مرضى السرطان عالق بين الغلاء وبُعد الطريق

  • 2021/01/24
  • 11:07 ص

مريض بالسرطان يتلقى العلاج (صورة تعبيرية)

حكت ملامح وجه كوليز أكثر مما استطاعت كلماتها وصفه. لم تمضِ سوى أشهر قليلة على اكتشافها  إصابتها بسرطان الرحم، لكنها كانت فترة كافية لاختبار آلام لم تعانِ مثلها خلال سنوات عمرها الـ50، “لا مال لدينا، لا أستطيع شراء الدواء، وأنا متعبة جدًا وحالتي النفسية متعبة جدًا، لا أرتاح لا بالنهار ولا بالليل”، كما قالت لعنب بلدي.

عجزت كوليز، مثل غيرها من مرضى السرطان في عفرين، عن تأمين تكاليف العلاج المطلوبة، الذي لا يتوفر المجاني منه سوى في إدلب وتركيا، ويتطلب الوصول إليه مشقة لم تحتملها.

عفرين ليس فيها مراكز

تنقلت كوليز أحمد بين الأطباء والمستشفيات في عفرين، بعد أن ساءت حالتها، من ألم في بطنها إلى نزيف انتهى باستئصال الرحم، دون التخلص من المرض.

بعد استمرار ألم كوليز، وصف لها الأطباء تحاليل ثم أحالوها إلى إدلب لبدء العلاج الكيميائي، وكان ثمن ما دفعته للعلاج حتى تلك اللحظة 300 دولار، فاقت قدرة راتب زوجها التقاعدي، الذي لا يزيد على 40 ألف ليرة سورية (13.6 دولار)، والذي لم يستطع أن يؤمّن لها ثمن الحقن العلاجية.

في سنكرلي بريف عفرين، واجه المدرّس المتقاعد عدنان الأنطاكلي واقعًا مماثلًا، فحين علم أن الكتلة الموجودة في رأسه هي كتلة سرطانية، حاول بدء العلاج ومتابعة نصائح الأطباء، إلى أن عجز عن المتابعة، “لا أستطيع أن أؤمّن العلاج، والعائق الذي أمامي هو الفقر”، قال الرجل البالغ من العمر 83 عامًا لعنب بلدي.

ثلاث سنوات تنقل خلالها عدنان بين المستشفيات في ريف إدلب الشمالي، وهو يحاول متابعة استخدام الأدوية، قبل أن يضطر لقطعها رغم استمرار الآلام التي يشكوها في رأسه وجسمه، “قالوا لي يجب أن تذهب إلى تركيا للعلاج، لكن لا أحد يساعدني”.

يمر المرضى إلى تركيا بـ”سلاسة”، حسب وصف الدكتور ملهم خليل، الطبيب المختص بأمراض الدم والأورام في المستشفى العسكري بعفرين، لكن الأمر محصور بالمرور عبر معبر “باب الهوى” في إدلب فقط.

على عكس إدلب، لا تملك عفرين مركزًا أو مستشفى مختصًا بعلاج مرضى السرطان، ولا تقديم الأدوية الخاصة بهم مجانًا، “يقتصر عملي هنا على التشخيص ومتابعة المرضى الذين يشترون العلاج من حسابهم الشخصي، وغالبًا ما يكون باهظ الثمن”، قال الدكتور ملهم لعنب بلدي.

ينقص عفرين دعم المنظمات الإغاثية المهتمة بمساعدة المرضى، وهو ما يجبر الأطباء على تحويل مرضاهم إلى إدلب، “يقبل بعض المرضى متابعة علاجهم في مركز (سامز) بإدلب، لكن الأغلبية يرفضون من أجل مشقة الطريق أو لأسباب أمنية”، كما أوضح الطبيب.

كم ينقص من متطلبات القطاعات الإنسانية في 2020

“باب الهوى” ليس موصدًا

تخضع منطقة عفرين للإدارة التركية، منذ أن سيطرت عليها فصائل “الجيش الوطني” بالتعاون مع القوات التركية في آذار من عام 2018، في حين تسيطر “هيئة تحرير الشام” على إدلب، لكن معبر “باب الهوى” يسير وفق الشروط التركية، التي تحدد من يمر ومن لا يمر عبره.

قضى ياسين عامًا من أعوام علاجه الأربعة في تركيا، لكنه عندما عاد لقضاء إجازة لمدة شهر بهدف رؤية والده وإخوته من جديد، لم يتمكن من العودة لمتابعته.

بدأت رحلة علاج ياسين وهو في سن 11 عامًا، حين ظهرت عقد لمفاوية في رقبته، وكان لا يزال في الغوطة الشرقية، وتابعها بعد التهجير في عفرين، قبل الاتجاه إلى تركيا للحصول على العلاج المجاني.

طلبت الطبيبة المشرفة على ياسين صورة لرقبته لمتابعة العلاج، وأوصته بالرجوع إلى سوريا لقضاء وقت مع عائلته، لكنه علق بعدها غير قادر على تأمين الصورة، التي لا تتوفر الأجهزة المطلوبة لاستخراجها في المنطقة، ولا مؤهل للعودة إلى تركيا.

لا يوجد مركز لعلاج السرطان في شمال غربي سوريا سوى مستشفى “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز) في إدلب، لكنه لا يضم كل الخدمات المطلوبة، وينقصه التشريح المرضي المجاني والعلاج الشعاعي، وهذا ما يجبر المرضى على محاولة الوصول إلى تركيا لمتابعة علاجهم.

فرض انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) إغلاق المعبر أمام مرضى السرطان مرات عدة خلال عام 2020، إلا أنه كان يعاود السماح لهم بالمرور، مع منحهم “الأولوية”، حسب قول مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام للمعبر، مازن علوش.

وأضاف علوش لعنب بلدي أن مرور المرضى لا يتطلب سوى تقديم الإثباتات الطبية اللازمة لمكتب التنسيق الطبي، والحصول على تحويلة من مستشفى “باب الهوى” إلى تركيا، تخضع لدراسة من لجنة طبية، وتحدد أولويات الدخول وفق تدهور الحالة الصحية، “لا يقصدنا مريض بالسرطان ولا يدخل إلى تركيا”.

لا تمييز في المعاملة بين القادمين من مناطق إدلب أو “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في ريف حلب الشمالي، حسبما قال علوش، مشيرًا إلى أن شروط الدخول والسماح بيد الجانب التركي، الذي منع مرور المرافقين سوى مع الأطفال دون عمر الثامنة.

ووفق إحصائية قدمها علوش لعنب بلدي، انخفضت أعداد المارين إلى تركيا من “الحالات الباردة” خلال عام 2020، لكن مرضى السرطان بقوا الشريحة الكبرى منهم، إذ تراجعت الحالات المارة من نحو ستة آلاف عام 2019، بينها 2014 مريضًا بالسرطان، إلى 3138 مريضًا مروا عام 2020، بينهم 1772 مريضًا بالسرطان.

المرور عبر المعبر أو الانتقال إلى إدلب للحصول على العلاج، لا يمثل الحل الأسلم برأي الطبيب ملهم خليل، الذي أشار إلى أن الأطباء يحاولون تأمين العلاج المجاني لمرضى السرطان في عفرين، “لكن هذا لا يخفف المعاناة، لأن الأساس هو ارتفاع تكلفة العلاج”، حسبما قال، مضيفًا أنه من دون دعم من المنظمات الإغاثية تبقى مساعدات الأطباء قاصرة ومعاناة المرضى بازدياد.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع