إدلب – يوسف غريبي
“أولاد الحلال” هم من أنقذوا بدرة حين وقعت على الأرض ما إن غادرت خيمتها ليلًا، “والله عتمة”، قالت المرأة الخمسينية لعنب بلدي، وهي تسترجع الليلة التي كُسرت فيها قدمها.
ليلة إصابة بدرة لم تكن الليلة المعتمة الوحيدة التي شهدتها بمخيمها في معرة مصرين، بريف إدلب الشمالي، فباستثناء الليالي التي ينيرها القمر المكتمل، اعتاد سكان مخيمات شمال غربي سوريا على الظلمة دون القدرة على التكيف مع مخاطرها.
زيارة الحمام.. مهمة جماعية
نوفة الياسين، الشابة الثلاثينية التي تسكن مخيم “الأنوار” في ريف إدلب الشمالي، لا تشعر بالأمان ليلًا بلا “الأنوار” الفعلية بين الخيام، “بلا ضوء لا يمكنك تمييز صديقك من عدوك”، كما قالت لعنب بلدي، وهي تتحدث عن المخاطر التي تواجهها كلما احتاجت إلى مغادرة خيمتها بعد غروب الشمس.
مهمة الذهاب إلى الحمام، الذي يبعد 50 مترًا عن الخيام، تتطلب من النساء والأطفال تشكيل “مجموعة”، على حد تعبير نوفة، للسير معًا وانتظار بعضهم بعضًا.
وصف مدير مخيم “الأنوار”، صالح أبو أمين، مشكلة انعدام الإنارة في المخيم بـ“المأساة”، ولم يجد ما يقوله عن حال النساء والأطفال عند الاضطرار لمغادرة الخيام سوى أنهم يعيشون حالة من “الرعب”، مع تصاعد صوت الصراخ كلما تحرك أمامهم قط أو كلب بشكل مفاجئ.
وأشار صالح إلى أن سكان المخيم تزداد معاناتهم في فصل الشتاء، مع انتشار الطين واحتمالات الوقوع والانزلاق في الحفر، إضافة إلى مخاطر السرقة، “في كل دراسة للاحتياجات نقدم طلبات مشاريع الإضاءة، لكن المنظمات لا توجه لها الاهتمام”، مع تركيزها على “أساسيات الحياة” من السلال الغذائية وتوزيع الخبز، كما قال مدير المخيم وهو يؤكد ضرورة الاهتمام بموضوع الإنارة.
“الوحشة والظلمة” التي يعيشها مخيم “الأنوار” ليلًا، تشاركه بها مخيمات أخرى في المنطقة، حسبما قال مدير مخيم “التح”، عبد السلام اليوسف، لعنب بلدي.
جميع سكان المخيم يخشون الليل، كما أوضح عبد السلام، وخاصة السيدات والمسنين، لأسباب منها حوادث الانزلاق وحالات التحرش ومخاطر الخطف، على حد قوله.
وأشار عبد السلام إلى أن سكان مخيم “التح” حاولوا خلال الأشهر الماضية تطبيق حلول ذاتية لإضاءة المخيم، مع توكيل كل عائلة بمسؤولية إنارة خيمتها، لكن “تردي الوضع المادي” لسكان المخيم أدى إلى فشل المشروع، إذ تبين أن تكلفة الحفاظ على الإنارة لكل خيمة تقارب 100 دولار أمريكي، ما بين أسعار “اللدات” والبطاريات.
وفي استطلاع أجرته عنب بلدي في مخيمات ريف إدلب الشمالي، من خلال برنامج “شو مشكلتك”، اشتكى سكان المخيمات من مخاطر عدم توفر الإنارة ليلًا، التي تقتصر على ضوء الشمعة أو القداحة، والتي أدت إلى حوادث وإصابات متنوعة، وسط عجز عن تأمين التكلفة المطلوبة للحل، ومناشدات لم تُسمع من المنظمات المعنية ولا الجهات المسؤولة بعد.
وتواصلت عنب بلدي مع حكومة “الإنقاذ”، التي تهيمن على إدارة المنطقة، للسؤال عن الجهود والحلول المطروحة لحل مشكلة الإنارة في المخيمات، لكنها لم تتلقَّ ردًا ولا استجابة.
المشكلة تكمن في “الأولويات”
في ظل احتياج نحو ثلاثة أرباع سكان المنطقة إلى الدعم الإغاثي، الذي يعتبر تأمين الأمن الغذائي والمياه النظيفة من أبرزه، تحاول المنظمات التركيز على مشاريع أخرى غير الإنارة، التي تتراجع أمام ضعف التمويل، حسب قول مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، لعنب بلدي.
كل المخيمات العشوائية، التي تعد بالمئات في المنطقة، لا إنارة فيها، في حين تتراجع تلك النسبة، التي قدرها حلاج بـ90%، بالنسبة للمخيمات المنظمة.
وأوضح حلاج أن النازحين في مخيمات شمال غربي سوريا، يعتمدون بشكل أساسي على الطاقة الشمسية أو المصباح الشمسي، بحسب القدرة المادية لكل عائلة، في حين تستمر التأثيرات السلبية لانعدام الإنارة بالضغط عليهم، مثل ضياع وقت تعليم الأطفال، وازدياد حالات السرقة، وما يحصل من أضرار غير مباشرة عند وقوع كوارث في المخيم، كالفيضانات والسيول، أو عند الحاجة إلى سيارات الإسعاف في الحوادث الطارئة.
الاحتياجات “الأهم نوعًا ما”، هي سبب الابتعاد عن الاهتمام بإنارة المخيمات، حسبما قال منسق المشاريع في منظمة “بنيان”، مجد سلهب، لعنب بلدي، مشيرًا إلى خدمات كالصرف الصحي وتمديد شبكات المياه وإصلاح الطرقات والبنى التحتية.
تعمل “بنيان” في الوقت الحالي على مشروع لإنارة المخيمات في منطقتي أطمة وقاح بريف إدلب الشمالي، ضمن مشروع “النقد مقابل العمل”، الذي يقدم عقود عمل مؤقتة للشباب لتنفيذ مشاريع خدمية لقاء أجور مادية، وينقسم إلى قسمين، الأول صيانة الأعمدة الموجودة سابقًا، والثاني إنشاء أعمدة جديدة.
يعمل فريق المنظمة على تجديد وإقامة 239 عمودًا كهربائيًا، حسبما قال سلهب، مضيفًا أن ما يصنع الفرق هو الدعم المقدم، ودرجة الوعي من الأهالي، الذين قد يقومون ببيع ألواح الطاقة الشمسية أو البطاريات من على الأعمدة بسبب الحاجة المادية.
النقد مقابل النور
المرحلة الأولى لإنارة المخيمات، تكون بتوعية العائلات والسكان بأهمية الأعمدة الكهربائية والحفاظ على سلامتها، “هدفنا أن نشعر السكان أنهم أصحاب المشروع”، حسبما قال مدير المشاريع في منظمة “بنيان”، مجد سلهب، قبل أن تنصب الأعمدة الجديدة أو تصان الأعمدة القديمة.
ولا تنتهي مهمة المنظمات الداعمة عند إقامة العمود، أو حتى حمايته، عن طريق رفعه بما يكفي حتى لا يستطيع أحد الصعود إليه، ولكن تبقى عليها عمليات الصيانة الدورية وتجديد المواد المستخدمة عند نفاد صلاحيتها، من المصابيح أو البطاريات أو الألواح.
لجأ سكان المخيمات منذ بداية نزوحهم لاستخدام المصابيح الشمسية، ومن ثم استخدموا ألواح الطاقة الشمسية، لذا لم يكن تمديد الكهرباء إلى المخيمات من أولوياتهم، وكان “غير مجدٍ”، حسب رأي مدير المشاريع في “هيئة ساعد الخيرية”، عبادة عرواني.
قال عرواني لعنب بلدي، إن الأمر اختلف بعد توسع المخيمات وطول فترة إقامة النازحين، إذ أصبحت إنارة المخيمات والطرقات العامة “أمرًا ضروريًا”، لأسباب تتعلق بالحماية للفئات الضعيفة ولسكان المخيمات بشكل عام.
وأما عن سبب نقص الإنارة الآن، فقال عرواني، إن انتشار المخيمات بشكل عشوائي وفي مناطق زراعية وجبلية ونائية عاق إنارتها وتخديمها، وهو ما يحرم السكان من الاستقرار، على حد تعبيره.
الجهات المانحة تشجع مشاريع الإضاءة وتعطيها الأولوية، لكن ومع الاحتياجات الكبيرة في الداخل السوري “نلاحظ عجزًا بالتمويل المخصص لهذه الاحتياجات”، كما قال مدير المشاريع في “هيئة ساعد الخيرية”، مشيرًا إلى وجود أكثر من ألف مخيم، 80% منها بحاجة إلى الدعم، في حين يبقى الدعم المقدم للمخيمات المدعومة بحدوده الدنيا.
نفذت “هيئة ساعد الخيرية” خلال عام 2020، كما قال عرواني، مشاريع للإنارة في بعض المخيمات، إذ أنشأت 150 عمودًا كهربائيًا يعمل على الطاقة الشمسية، والتكلفة التقديرية للعمود الواحد، بحسب المواصفات الفنية بالطول أو استطاعة المصباح أو البطارية، تتراوح بين 250 و600 دولار أمريكي.
ومع استقبال السوريين عام 2021 بأزمة اقتصادية مستمرة، وبارتفاع مستمر لأسعار الغذاء، بلغ 13% مقارنة مع تشرين الثاني 2020، و236% مقارنة مع كانون الأول من عام 2019، وفق إحاطة نائب الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، إلى مجلس الأمن، في 20 من كانون الثاني الحالي، وصلت متطلبات تأمين الخدمات الأساسية والطارئة إلى عشرة مليارات دولار لعام 2021، لا يحسب تأمين الإنارة لسكان المخيمات ضمنها، كما بلغت فجوة تأمين المواد الأساسية العاجلة في شمال غربي سوريا 32 مليون دولار.