خطيب بدلة
أخبار المطر الذي ينزل على خيام اللاجئين، والرياح التي تقتلع الخيام وتجعل سكانها قاعدين في الخلاء، نزعت مراقنا، وأفسدت علينا أفراحنا، وطقوسنا المعتادة.
كان المفروض بنا، حينما سمعنا بتعيين الأستاذ عمر الغبرا وزيرًا للنقل في كندا، أن نركض إلى الساحات في المدن، وإلى البيادر في القرى، ونأتي بطبال “أخو حفيانة”، وزمار “مطأطأ ومبنتك”، ونباشر بالدبكة العربية، يكتفي الختيار المكحكح، مثل كاتب هذه الزاوية، بالرقص الثقيل (كوصر وقبقلية وعَ الميج يا بو الميجنا)، ولا يمكن أن نقبل من الشباب الذين تغلي الدماء في عروقهم، بأقل من القفز في الهواء، والنزول على رؤوس أصابعهم، وأما الواقفون حول الساحة، فلا يحق لهم أن يتفرجوا على الدَبيك وهم ساكتون (على الهسي)، على الأقل يسحب كل منهم مشطًا من الرصاص، بالإضافة إلى التصفيق وإطلاق هتفة دوه دوه، وإذا كان الواقفون من جنس النساء اللواتي يصر “الإخوان المسلمون” على تسميتهن “الحرائر”، فلا يجوز أن يرقصن ويهززن خصورهن أمام الجماهير، عيب، ولكن لا بد لهن من إطلاق الزغاريد، فالحدث كبير، محرز. تصوروا، يا سادتي الأفاضل، أن رجلًا من أصل عربي سوري، يعيّن وزيرًا للنقل في دولة كبرى مثل كندا، يعني، اعتبارًا من الآن، لا تتحرك سفينة، أو شختورة، أو طيارة، أو باص هوب هوب، أو كرنك، أو تكسي، أو طريزينه، دون أمره وإمضائه. قليلة هذه بالله عليكم؟
لا يظنن أحد أننا، نحن السوريين، ندبك في ذكرى ميلاد حزب “البعث”، والثامن من آذار، والحرب التحريرية التي خسرنا فيها بعض القرى والأراضي، والحركة التصحيحية التي حصلنا من خلالها على أكبر جزار مجرم في تاريخ الشرق كله، فقط، أو أننا نكتفي بالدبيك عندما يتزوج أحد أبنائنا، أو يحصل آخر على الشهادة الإعدادية، أو حينما ينزل اسم أحدنا في قائمة الجبهة، أو يحصل على وظيفة فيها لحس إصبع، بالعكس، نحن نحتفل بكل ما من شأنه أن يفيد أمتينا العربية والإسلامية، وإذا أردتم دليلًا على كلامي أقدم لكم عشرة، فنحن نفرح، ونملأ صفحات “فيسبوك” احتفالًا كلما سجل محمد صلاح هدفًا لمصلحة الفريق الإنجليزي ليفربول، ومن فرط تضامننا مع صلاح أصبحنا نحب فريق ليفربول نفسه، لا يهمنا إن كانت إدارته ومدربه ولاعبوه معادين لقضايانا، أو كان الفريق الذي دخل فيه الجول مؤيدًا لنا، (متل إجرنا)، المهم عندنا أن محمد صلاح عربي مسلم، تأييده يعني انتصارًا لقضايانا الكبرى، فنحن أصحاب مبدأ، أحببنا، إذا كنتم تذكرون، الملاكمَ الأمريكي كاسيوس كلاي الذي أسلم وصار اسمه محمد علي، وأصبحنا نعتبر كل بوكس يخلع به خصمه الحقير على نيعه نصرًا مؤزرًا لقضيتنا، حتى إن بعض شعرائنا الكبار مدحوا كلاي بقصائد لم يمدحوا بمثلها عظماء الأمتين العربية والإسلامية الحقيقيين، على الرغم من قلة هؤلاء العظماء.
أخي، من الآخر، نحن لا نريد أن نسمع مَن يتحدث عن الرقي والتقدم والتعقل ومحاولة اللحاق بركب الحضارة، وعندنا بوكس من كلاي، ونطحة من صلاح، وتشفيطة من عمر الغبرا، أحسن من كل هالعلاك.