تناول تقرير لبرنامج “GEOGLAM” الدولي لمراقبة الزراعة العالمية، آثار النزاع في سوريا، خلال العقد الماضي، على الواقع الزراعي وإنتاج المحاصيل.
و”GEOGLAM” هو برنامج دولي معتمد من منتدى “مجموعة العشرين” يهدف إلى تعزيز استخدام عمليات رصد الأرض، لتعزيز صنع القرار واتخاذ الإجراءات والسياسات في مجالات الأمن الغذائي والزراعة المستدامة.
وتحدث التقرير الصادر في 21 من كانون الثاني، والذي ترجمته عنب بلدي، عن ثمانية آثار للنزاع على مختلف القطاعات المتعلقة بالزراعة والإنتاج والتسويق الزراعي، وهي:
انخفاض الإنتاج الزراعي
انخفض الإنتاج الزراعي مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011، ما أثر على الزراعة والرعي وعلى معيشة الأسر السورية.
وقُدرت الخسائر المالية الإجمالية في القطاع الزراعي للفترة من 2011 إلى 2016 في ذلك الوقت، بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2016، وشملت المحافظات التي شهدت أكبر خسائر الحسكة والرقة وريف دمشق ودير الزور ودرعا وإدلب.
بحلول عام 2017، انخفضت مساحة الأراضي البعلية المزروعة بنسبة 30%، وانخفضت مساحة الأراضي المروية المزروعة بنسبة 50%، ويرجع ذلك إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للري وارتفاع تكلفة الوقود لتشغيل المضخات.
ومع ذلك، ظلت الزراعة قطاعًا مهمًا في الاقتصاد وكانت ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بعد الخدمات الحكومية في عام 2017.
واعتبارًا من عام 2020، قُدر أن القطاع الزراعي يمثل 26% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر شبكة أمان حيوية لـ 6.7 مليون سوري، بما في ذلك السوريون المقيمون في مناطق المعارك.
توافر محدود للبذور
قبل بدء الاحتجاجات في سوريا، كان القطاع الزراعي شديد المركزية ومدعومًا من الحكومة، وشكل الإنفاق الحكومي على الإعانات الزراعية في ذلك الوقت 3% من إجمالي الناتج المحلي في 2011.
إلا أن قدرة حكومة النظام على دعم المزارعين، بما في ذلك توفير المدخلات المدعومة، كالبذار والسماد تراجعت بعد سنوات من النزاع، على الرغم من أن المدخلات متوفرة بشكل عام في الأسواق، إلا أن المزارعين يواجهون تكاليف عالية وجودة منخفضة.
وأدت المعارك في سوريا إلى تدمير غالبية المرافق المادية التابعة لـ “الهيئة العامة لإكثار البذور” ما أدى إلى انخفاض العاملين فيها بنسبة 50%.
واعتبارًا من 2019، يعمل مركزان فقط من أصل 13 مركزًا تابعين للهيئة، لمعالجة البذور، وتستطيع الهيئة توفير أقل من 20% فقط من متطلبات بذور القمح السنوية للبلاد.
وتشمل المصادر الأولية للبذور، خلال السنوات الأخيرة، تزويدًا محدودًا من “الهيئة العامة لإكثار البذور”، والحبوب التي اشترتها الهيئة من “المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب” لاستخدامها كبذور، والبذور المحفوظة للمزارعين من الموسم السابق، والبذور المستعارة أو المشتراة من الجيران، والبذور المشتراة من الأسواق المحلية، والبذور التي توفرها المنظمات الإنسانية.
توافر محدود للأسمدة
انخفض استخدام المزارعين للأسمدة بشكل كبير بسبب قلة التوافر وارتفاع الأسعار اعتبارًا من عام 2011.
وبحسب تقديرات مديريات الزراعة التابعة للمحافظات لعام 2019، يستخدم من 40% إلى 50% فقط من المزارعين الأسمدة، إلا أن هذه الأرقام قد تكون تقدير “مبالغ به”، والمزارعون الذين يستخدمون الأسمدة يفعلون ذلك بنسب قليلة.
وتفرض العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري قيودًا على تجارة الأسمدة، لإمكانية استخدام مكوناتها الكيماوية لصنع متفجرات.
تدمير الأصول الإنتاجية والبنية التحتية الزراعية
أدت سنوات الحرب إلى نقص كبير في الآلات الزراعية العاملة، إلا أن الوضع تحسن الوضع إلى حد ما في عام 2019، حين زادت حكومة النظام وارداتها من الآلات وقطع الغيار، وأعيد فتح العديد من الورش الميكانيكية مما سمح بإعادة تأهيل آلات الحصادات القديمة.
ويلجأ المزارعون في المناطق التي لا تتوافر فيها آلات الحصاد، إلى أساليب الحصاد اليدوي التي تكون أكثر تكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً ومهدرة للإنتاج.
في عام 2017، قُدرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الزراعية والأصول بنحو 3.2 مليار دولار أمريكي، ما يقرب من نصف إجمالي الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي.
ضرر أنظمة الري
في فترة ما قبل الاحتجاجات الشعبية في سوريا، شكل حوالي 1.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية 33% من إجمالي الأراضي الزراعية و 65% من إجمالي إنتاج الحبوب كانت مروية، لا سيما في محافظات الحسكة وحلب والرقة الشمالية ودير الزور على طول نهر الفرات.
لكن المعارك أدت إلى تدمير أنظمة الري، وانقطاع التيار الكهربائي، وزيادة تكلفة الوقود، ما أدى إلى الحد بشكل كبير من استخدام الري في الزراعة.
وتشير التقديرات لعام 2014 إلى أن 35% من جميع محطات معالجة المياه قد تضررت أو دمرت بسبب القصف، وبحلول عام 2015، تقلصت الأراضي المروية بنسبة 47%، وتناقصت خزانات المياه بنسبة 49%.
وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود لتصحيح هياكل الري، على الرغم من أن الحفر غير القانوني من المحتمل أن يقلل من توافر المياه الجوفية، كما أدى الاستخدام المفرط وغير المنظم للمياه الجوفية إلى زيادة ملوحتها في دير الزور والحسكة وبعض المحافظات الساحلية.
ومن المحتمل أيضًا، أن تكون إمدادات مياه الري قد تلوثت بالنفط والمواد الكيميائية الضارة في مناطق مثل دير الزور والرقة حيث استخدم تنظيم “الدولة” أساليب مدمرة بيئيًا لتكرير النفط الخام.
تدمير البنية التحتية للتخزين
تشير التقديرات إلى أن سعة تخزين القمح انخفضت بنسبة 87% مقارنة بمستويات ما قبل 2011، وتم تخزين 80% من مخزون القمح في أماكن مفتوحة وعرضة لأضرار الطقس، كما تعرضت العديد من مراكز التجميع التي اشترت فيها حكومة النظام الحبوب بأسعار تفضيلية للتلف أو التدمير.
في عام 2018، ازداد عدد مراكز التخزين القابلة للتشغيل إلى 25 مركزًا، أي حوالي ربع مستويات ما قبل 2011.
بالإضافة إلى ذلك، تُهدر نسبة كبيرة من السلع القابلة للتلف مثل الفواكه والخضروات، إذ انخفض التخزين البارد التشغيلي لحكومة النظام بنسبة 90% مقارنة بمستوى ما قبل 2011.
كما ازداد إيجار مرافق التخزين المبردة المتاحة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع أسعار الوقود بالإضافة إلى تعرض مرافق التخزين المتاحة لانقطاع التيار الكهربائي.
ارتفاع تكاليف النقل ومحدودية التسويق
تأثر تسويق المنتجات الزراعية في سوريا بالعديد من القيود التي يمكن أن تثبط إنتاج بعض السلع.
وبينما يتم تنظيم ونقل منتجات مثل القمح والتبغ والقطن بواسطة الخدمات العامة، تترك السلع الغذائية الأخرى للجهات الفاعلة الخاصة لتخزينها ومعالجتها ونقلها.
ودمرت المعارك العديد من مصانع المعالجة، مما قلل من الحوافز لإنتاج المحاصيل التي تتطلب المعالجة، كما أدت زيادة تكاليف الوقود إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل.
ومع انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، يشتري التجار ويبيعون عددًا أقل من السلع لتجنب الخسارة، ويعاني المزارعون من مستويات عالية من هدر المنتجات، لا سيما الفواكه والخضروات القابلة للتلف.
ومع زيادة تكاليف الإنتاج، يزعم العديد من المزارعين أنهم ينتجون بخسارة مالية، لعدم وجود طلب كاف لبيع منتجاتهم، ولذلك غالبًا ما تستخدم الكثير من المواد غير المباعة في أسواق الجملة كعلف للماشية.
انخفاض أعداد الثروة الحيوانية وإنتاجية المراعي
شكلت الثروة الحيوانية في الفترة ما قبل 2011 ما بين 35% إلى 40% من إجمالي الإنتاج الزراعي في سوريا.
في السنوات الثلاث الأولى للحرب في سوريا، قدرت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام السوري انخفاض عدد الأغنام والماعز والماشية والدواجن بمعدل 43% تقريبًا.
وكانت الخسائر في الحيوانات مرتفعة بشكل خاص في الحسكة ودير الزور واللاذقية والقنيطرة وريف دمشق.
وزادت الأعداد الإجمالية للماشية بشكل طفيف في عامي 2016 و2017، على الرغم من انخفاض عدد الأغنام والماعز مرة أخرى بشكل طفيف في عام 2018.
ومع ذلك، قد تعكس التقديرات بعض عدم الدقة بسبب محدودية مصادر المعلومات، مثل عدم وجود سجلات رسمية للماشية وتحركات النازحين بين المحافظات، وعلى الرغم من استقرارها، ظلت أعداد الثروة الحيوانية لعام 2019 دون مستويات ما قبل 2011.
وفي الفترة ما قبل 2011، قامت الحكومة السورية باستثمارات لتجديد الإنتاجية طويلة المدى للمراعي، بما في ذلك شبكة من الآبار عبر أراضي البادية للاستفادة من المياه الجوفية، لكن 90% من مراعي البادية خرجت عن سيطرة حكومة النظام ما أجبر غالبية المربين على تركها.
والبادية هي امتداد من الأراضي شبه القاحلة تغطي 55% من إجمالي مساحة البلاد وتشكل 86% من إجمالي الأراضي العشبية والمراعي الطبيعية.
أدت آثار النزاع وسنوات الجفاف المتتالية إلى انخفاض كبير في إمكانية الوصول إلى حقول الرعي، ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن ما يقدر بنحو 40% من المزارعين قد عادوا إلى أراضيهم السابقة بعد التحسن الأمني الأخير.
واستفادت البادية في عام 2019 من الأمطار، لكن الوصول إليها ظل مقيدًا بسبب التهديد المستمر للألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة.