يطرح التعميم الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حول خفض جاهزية قواته المسلحة لتعود إلى طبيعتها كما كانت قبل تسع سنوات، تساؤلات تخص التوقيت والآثار العسكرية والسياسية والاقتصادية.
ووفقًا للتعميم الذي اطلعت عليه عنب بلدي، في 17 من كانون الثاني الحالي، والصادر بتاريخ 10 من الشهر نفسه، فإن نسبة الاستنفار في الإدارات التابعة للقوات المسلحة خُفضت، بحسب كل إدارة، من 66 إلى 33% للمقرات الإدارية، ومن 80 إلى 50% للقطعات التابعة لها.
أما بالنسبة للقوات البرية والبحرية فقد خفضت جاهزيتها من 100 إلى 80%، بينما بقيت جاهزية المستشفيات العسكرية بنسبة 80%.
وأكد مصدر مطلع لعنب بلدي، وهو “صف ضابط في إحدى غرف العمليات التابعة للجيش”، وصول برقية، في 10 من كانون الثاني الحالي، عن طريق الفاكس، تقضي بتخفيض الجاهزية بحسب النسب الجديدة، بينما وصلت صورة عن التعميم موقّعة من القائد العام في اليوم التالي.
وبحسب المصدر، بدأت الثكنات بإعادة ترتيب تعدادها تبعًا للنسب المحددة بالتعميم، كما قال إن “أهم ما يتعلق بهذا التعميم، هو خفض كمية الطعام المخصصة لكل ثكنة بسبب زيادة عدد الإجازات المسموحة، بعد خفض نسبة الجاهزية”.
خدعة عسكرية؟
ونفى المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد في حديث إلى عنب بلدي أن تكون عملية التسريح خدعة عسكرية، وقال إن “النظام السوري أوراقه مكشوفة، ويمر بمرحلة صعبة جدًا وخاصة من الناحية الاقتصادية، كما أن الوضع الدولي لا يسمح بشن أي عمل عسكري أو فتح معارك جديدة دون الاتفاق مع الروس أولًا وميليشيات (حزب الله) ثانيًا”.
وحول تزامن قرار تخفيض جاهزية القوات مع هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” على عناصر النظام في منطقة البادية، يرى حاج عبيد أن “المعارك ضد تنظيم الدولة هي بتحريك إيراني ورضا دولي، إذ لا يستطيع النظام السيطرة على الوضع في البادية السوريّة”
وأضاف حاج عبيد أن “قوات النظام سرحت 5% من التعداد العام للقوات الاحتياطية وقوات الدفاع الوطني التي رفضت القتال في المعركة الأخيرة باتجاه بادية الشام ضد (تنظيم الدولة)، وهذا حصل في مناطق دير الزور والرقة وحلب فقط”، وفق تعبيره.
وتابع أن هذا لا يؤثر على استراتيجية النظام العسكرية، لأنه يجري تعويض ذلك في كل عملية تجنيد إجباري كل ستة أشهر.
أسباب سياسية واقتصادية
مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، قال لعنب بلدي، إن قرار التخفيض يستهدف عدّة أمور، وأبرزها امتصاص الاحتقان الداخلي في صفوف الحاضنة الشعبية التابعة للنظام، التي تتذمر بسبب طول مدة الاحتفاظ والخدمة العسكرية.
إضافة إلى إرسال رسائل داخلية وخارجية قبل الانتخابات، تفيد بأن النظام مسيطر على البلاد، والحرب شارفت على الانتهاء، والمعارضة لم تستطع أن تزعزع سلطته.
وكذلك تخفيف الأعباء المالية على المؤسسة العسكرية، من خلال تخفيض عدد العناصر والضباط المناوبين الذين تتكفل المؤسسة العسكرية بإطعامهم وتنقلاتهم.
ويتفق مع هذا الأمر الإعلامي السوري المعارض أيمن عبد النور، إذ أشار في حلقة “رسالة إلى السوريين” أن القائد العام لجيش النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، خفّض نسبة الاستنفار بسبب نقص الأموال، إذ يحاول النظام عبر تخفيف عدد العناصر الموجودين والعاملين في الجيش خفض التعويضات والأموال التي يجب دفعها، وكذلك مصروفات الإطعام واستخدام الذخيرة الحيّة في التدريبات.
وأضاف أن مجمل الأموال التي يدفعها النظام هي معاشات للقوى العاملة أو المتقاعدة في الجيش تكلف بحدود 40 إلى 45 مليون دولار بالشهر، والنظام لم يعد يملك هذه المبالغ، حسب عبد النور.
وقدر “مجلس العلاقات الدولية الروسي” العدد الإجمالي لأفراد الجيش ما قبل عام 2011 بحوالي 325 ألفًا، بينهم 220 ألفًا من القوات البرية، و100 ألف من القوى الجوية (60 ألفًا منها للدفاع الجوي، و40 ألفًا من القوات الجوية)، وأربعة آلاف من القوات البحرية، مع ثمانية آلاف من حرس الحدود و100 ألف مقاتل من “الجيش الشعبي”.
وكان الجيش قبل الثورة يتألف بالغالب من المجندين الذين كان معدل خدمتهم عامين ونصفًا، ومعدل التجنيد السنوي بلغ 125 ألفًا، مع بقاء 354 ألف جندي من قوات الاحتياط.
ثم تراجع عدد مقاتلي الجيش نحو الثلثين بعد عام 2011، وفي عام 2012، “حالت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام وقواته”، حسب دراسة لمركز “توازن” البحثي، الذي قدر أعداد مقاتلي الجيش عام 2020 بـ169 ألفًا.
وقيّم المركز كفاءة الجيش السوري فيما يخص الاحترافية العسكرية والحوكمة والنظرة الاجتماعية والثقافية والمؤهلات المدنية واقتصاد قطاع الدفاع بـ”المتدنية”.
–