“موت مدرّس التاريخ العجوز” مجموعة قصصية لحاتم علي عناصرها متاعب الناس
تستند المجموعة القصصية “موت مدرّس التاريخ العجوز” لكاتبها المخرج الراحل، حاتم علي، على التأمل في واقع وتفاصيل المجتمع السوري خصوصًا، والعربي عمومًا.
حاتم علي الذي اعتاد وعوّد المشاهدين على الصورة الواقعية الحقيقية غير المقطوفة من شجرة الخيال، قدّم محتوىً أدبيًا ينسجم مع رؤيته للمجتمع السوري، الذي يتفاوت طبقيًا واجتماعيًا، وتكمن مسؤولية الكاتب في رصد التفاصيل والشخوص التي لا تلفت كاتبًا غيره، لكنها بنفس الوقت تلفت القارئ وتستوقفه.
قامت المجموعة على سبع قصص، وكل قصة لها بطل ضحية، ويبدو ذلك جليًا عبر تصوير الملامح العملية للشخصيات، فهناك قصة تحمل اسم “العلبة” بطلها عامل في مصنع لبيع العصير، يفقده الفقر لذة عيش اللحظة والتنعم بها.
في القصة الثانية يقدّم حاتم علي خطوبة تقليدية، يستنكر من خلالها البيع والشراء الذي تقوم به بعض العائلات لتسبغ الرضا على العريس، وتمنحه اليد التي طلبها، فالعريس هنا عامل نظافة، ويسميه الكاتب “زبّال” ليكون عاكسًا لصوت الآخر، الصوت الذي يصدح به الناس بين بعضهم متناسين أن هذه الكلمة اسم مهنة، فتحولت مع الوقت لإهانة وشتيمة، ودلالة على الانحطاط الاجتماعي بنظر البعض، سيما في البلدان التي لا تقدّر قيمة البيئة، ولا تحترم أو ترحم تعب مواطنيها.
وتقدّم قصة “ذوو الياقات البيض” مظاهرة نفسية على لسان بطلها التوّاق للعيش، لاستبدال القديم بالجديد، واختبار متع الحياة عن كثب، فيكشف الحوار “من جانب واحد” فيما يشبه “المونولوج”، والذي يقوم به الشاب الطموح، آثار ما يتركه الفقر واشتياق الحياة، وما يحرض على هذه المشاعر من رؤية الآخر، والذي رمز إليه الكاتب بـ”الياقات البيض” كناية عن الأشخاص الذيت يتشاركون الحياة مع البقية من الزاوية النظرية فقط، لكن الحقيقة خلاف ذلك، فلهؤلاء عالمهم الخاص، وحياتهم المختلفة التي لا تتقاطع مع حياة الأشخاص العاديين، وهذه الحياة بالذات يتوق إليها بطل هذه القصة.
وهناك ممثل قليل الحظ، يشتري مديح النقاد واطراءهم، يستيقظ على سؤالي وجودي خطير، وهو هل الناس في الشارع والحياة وقبالة خشبة المسرح، وخلف الكاميرا، يمثلون أيضًا كما يمثل من يقف أمامها؟
تسير القصة على هذه المنوال من الشك عن طريق الاستشهاد بمواقف يومية عابرة يمر بها هذا الممثل، والذي يشك للحظة أنه هو وحده الجمهور أمام عالم عريض من الممثلين، فيستخف بهزلية الحياة، ومفارقاتها العجيبة.
اللغة عند حاتم علي سهلة طيعة وابنة الناس العاديين ورفيقتهم، إذ استطاعت المجموعة القصصية ككل النجاة من فخ التصنع، واللغة الخشبية، والمشاعر المفتعلة، ربما لأنها تشبه الواقع، وربما لأن الكاتب اختار جمهوره بعناية وحدد وجهة بوصلته، فجاءت قصص حاتم علي المكتوبة منسجمة ومتناغمة مع القصص المصوّرة التي أخرجها، وطبعها في ذاكرة جمهور عريض، بكاه في موته، وبكا فيه فقدًا لناقد دون تجريح ومؤرشف لآلام الناس الذين انحاز إليهم موليًا ظهره للقصص الخيالية التي تسخر من مآسي الواقع المعاش، ففي الواقع اليوم مالم يكن في الخيال أبدًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :