خليفة خضر
قصة واقعية
يقال في السابق، إن الناس كانوا يتركون الطعام على أبواب المساجد، وتحت شجرة كبيرة يتظلل في ظلها عابر السبيل، وكانت تغرس أنواع معيّنة من الأشجار كالأرك والبطن والتين والتوت، لما فيها من ظل كبير يستريح به عابر السبيل ويتقي حر الشمس، وكانت القرى تتسابق وتتنافس فيما بينها تسويقًا لسمعتها، لما يسببه فعل الخير من ذكر محاسنها.
وبما أن التطور الذي يطرأ على العالم يتناسب طردًا مع تلاشي تلك القيم، نتخبط اليوم إذا حلت بنا مصيبة على الطرقات التي نسلكها، ولا نخشى على صحتنا كما نخشى أن تتعطل الآلية التي نسير بها إلى مبتغانا، سواء أكانت دراجة نارية أو سيارة، لما يسببه لنا العطل من تعطيل وهدر للوقت والوقوف لساعات، تعضّل أيادينا لطلب النجدة من المارة وما من مجيب، إلا بالنادر.
يعود ذلك إلى خوف المارة من كمين محكم لعدد من اللصوص، يتنكرون على هيئة ملهوفين أو خلايا عسكرية لجهات معادية، كما حدث بعدة حوادث في شمالي سوريا.
لكن إن كان هناك مبرر للمارة لعدم الوقوف لطالبي النجدة خارج المدن والتجمعات السكنية، ما هو مبررهم لشخص طلب نجدتهم داخل إحدى المدن المكتظة في السكان، كما حدث مع صاحب القصة الذي سنذكر كيف اضطر في النهاية للكذب في سبيل مساعدته.
قبل ذكر القصة، وبما أن الحدث يدور في سوريا، فيجب إبعاد فكرة الاتصال عن طريق الهاتف بصديق قريب يطلب نجدته، أو يتواصل مع محال تصليح الآليات عن طريق تطبيقات معينة، كما في الدول التي تحيط بسوريا، فلا شبكة الاتصال متوفرة وتغطي كل الأماكن في شمالي سوريا، ولا يوجد تطبيق واحد لعدم توفر الإنترنت، كما تغيب الثقة ويسود التخوف من قبل مصلحي الأعطال باختلاف اختصاصاتهم من اتصال كاذب، أو كمين لمجموعة من اللصوص.
هنا وفي هذه الحالة في شمالي سوريا، إذا تعطلت سيارتك فلك الطريقة التي اتبعها صديق لي، الذي انقطعت به سيارته في مدينة عفرين وسط الطريق، ليظل عدة ساعات يستجدي المارة، حتى تسحب سيارته من وسط الطريق وليحصل على مصدر للطاقة لشحن بطارية السيارة، لتصل به إلى أقرب مدينة صناعية لتصليح السيارات، أو سيارة تتطوع لجر سيارته إلى أقرب نقطة تصليح سيارات، لكن ذلك لم يحدث، وما سأله أحد ما بها سيارتك أو عرض عليه المساعدة. ربما يعود ذلك لعدة أسباب اجتماعية وتَوجس من فعل الخير لا يسعنا ذكرها هنا.
لكن صديقي بحث عن طرق أخرى، حتى انتهى به المطاف لإنكار أنها سيارته، طالبًا من أصحاب المحال التجارية المحيطة به (تلك التي لم تنتبه لوجوده) أن ينتبهوا من السيارة، لأنها تشبه سيارة جرى تفكيكها في مدينة أخرى وكانت معدة للتفجير: يبدو شكلها مفخخة!
بعد نشره للخبر الكاذب بربع ساعة تقريبًا، كانت عدة سيارات لقوات الأمن والشرطة قادمة تعاين السيارة، وتنظر تحتها وتدور حولها لمعرفة أين قد تكون المتفجرات مزروعة، حتى نزع صديقي معطفه من باب التمويه، وابتعد قليلًا عنهم، ليأتي مسرعًا من بعيد، معرفًا عن نفسه ومبرزًا هوية وأوراق السيارة للشرطة، قائلًا لهم إن سيارته معطلة، يريد سحبها إلى أي مصلح سيارات قريب. وعن البلاغ الكاذب حدث عناصر الشرطة وسرية التفخيخ أنه لا يعرف عنه شيئًا.
لكن لو ساعده أحد، وسحب معه السيارة لما حدث ما حدث، ولما وصل إلى مسامع الشرطة وسرية التفخيخ بلاغ كاذب!
–