على الرغم من تريث إدارة تطبيق الدردشة “واتساب” (Whatsapp) في تطبيق خطوتها بتحديث سياسة الخصوصية، التي تسمح من خلالها بمشاركة معلومات عملائها مع “فيس بوك”، تبقى بعض الأسئلة جديرة بالطرح، هل فعلًا سياسة الخصوصية التي كادت أن تطرح بهذه الخطورة، أم أنها محض تجييش إعلامي من شركات منافسة استطاعت تخويف جمهور “واتساب”؟ وهل البدائل آمنة بالفعل؟
ففي 15 من كانون الثاني الحالي، أعلن تطبيق “واتساب” أنه أجّل تطبيق سياسته الخاصة بحفظ بيانات مستخدميه، ووعد بشرح المعلومات الخاطئة المنتشرة حولها، ولم يعلن عن إبطال هذا التحديث بشكل جذري.
وذكر “واتساب”، في مدونته الرسمية، “سنمدد التاريخ الذي سيُطلب فيه من الأشخاص مراجعة بنود سياسات الخصوصية وقبولها”، مطمئنًا بأنه لن يعلّق أو يحذف حساب أي شخص في 8 من شباط المقبل، حتى في حال عدم موافقته على الرسالة الخاصة بتحديد شروط الخصوصية.
“واتساب”.. إمبراطورية تحكم التواصل لسنوات
يود الشاب السوري عماد عبيد المقيم في ألمانيا، حذف تطبيق “واتساب” من هاتفه من فترة ليست قريبة، فهو يرى أن التطبيق يتجسس على بياناته، لكنه يجد صعوبة في اتخاذ هذا القرار، لأنه التطبيق الأكثر شيوعًا واستخدامًا بين معارفه، بحسب ما قاله في لقاء مع عنب بلدي.
وأضاف عماد الذي يعمل في مجال البرمجة، “نحن لا نعلم ماذا يجري وراء كواليس هذه التطبيقات، فـ(واتساب) يتبع نظام المصدر المغلق (Closed Source)، لذا لا نعرف ماذا يفعلون ببياناتنا في الخفاء”، وأكمل، “ففي حال طبق هذا التحديث يمكن لمعارفي على (فيس بوك) معرفة رقم هاتفي، وهذا انتهاك للخصوصية وغير مقبول”، وفق حديثه.
وتساءل، “كيف للمستخدمين أن يعرفوا أو يطمئنوا على بياناتهم وصورهم بعد هذا التحديث، وما الضمانات من أن (فيس بوك) سيئ الصيت، لن يخترق خصوصياتهم؟”.
ويرى عماد أن البرامج البديلة مثل “سيجنال” آمنة أكثر من “واتساب”، لأنها تتبع في برمجياتها نظامًا مفتوحًا (Open source)، موضحًا أنه يمكن لأي مبرمج الاطلاع على الشيفرة الخاصة بالبرنامج والتحقق من أمانها.
حتى لو تراجعت إدارة التطبيق عن خطوتها الأخيرة، فإن استخدام التطبيق لا يزال مقلقًا، بالنسبة لعماد، الذي اعتبر تراجع “واتساب” المؤقت يهدف للحفاظ على العملاء وليس التغيير في سياسته.
وكانت شركة “واتساب” أعلنت، في شباط 2020، أن عدد مستخدميها بلغ ملياري شخص، بعد أن كان عددهم 1.5 مليار في بداية 2017.
وأطلق التطبيق في عام 2009، لتستحوذ عليه بعد ذلك “فيسبوك” في 2014، بموجب صفقة قدرت قيمتها بـ19 مليار دولار، إذ تعد هذه الصفقة أكبر عملية استحواذ تنفذها شركة تواصل اجتماعي عملاقة حتى الآن.
مظاهرات إلكترونية تقودها شركات منافسة
أشعل فتيل قرار “واتساب”، في بادئ الأمر، عدة أشخاص وجهات مهتمة بالشأن التقني، وأمن المعلومات والخصوصية، الذين أشاروا بدورهم إلى جدلية هذا التحديث، وغذت هذه الشرارة شركات منافسة أطلقت شعاراتها وروجت لتطبيقاتها كملجأ للقلقين على بياناتهم، بحسب رؤية الخبير السوري في الأمن الرقمي علاء غزال.
من بين هذه الشركات كانت “سيجنال”، التي أطلقت تغريدة “Use Signal” (استخدموا سيجنال)، ونشرها أيلون ماسك، المدير التنفيذي لشركة “تسلا” و”سبيس إكس” عبر حسابه في “تويتر”، إذ انعكست بأثر كبير على الحملة ضد “واتساب”.
Use Signal
— Elon Musk (@elonmusk) January 7, 2021
ولفت مستشار الأمن الرقمي في مؤسسة “سيكدف” المتخصصة بتقديم الحلول البرمجية مهران عيون، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أنه حتى قبل تحديث “واتساب” والتحذير منه، لم يعتد المستخدمون على قراءة شروط الخصوصية للتطبيقات التي يثبتونها، سواء كانت “واتساب” أو “فيس بوك”…
الانجراف في “القيل والقال”
ويرى علاء غزال أن الأخبار غير الدقيقة التي تداولها رواد مواقع التواصل حول تحديث “واتساب” الأخير، أدت إلى فهم خاطئ للتحديث، ما جعل عددًا كبيرًا من المستخدمين يعتقدون أن التحديث الأخير سيؤدي إلى مشاركة رسائلهم وصورهم وأرقام هواتفهم على “واتساب” مع “فيس بوك”، “علمًا أن هذا الأمر غير صحيح”، وفق قوله.
في ذات الصدد بيّن غزال أن هذه المعلومات المغلوطة ناتجة عن أن أشخاصًا ليست لديهم معرفة أو خبرة تقنية، تحدثوا عن الأمر ومن دون اطلاع تفصيلي على بنود السياسة الجديدة لـ”واتساب”.
هل التحديث بهذه الخطورة؟
التحديث سيئ من ناحية الخصوصية، ومن ناحية اشتراط الموافقة عليه لمتابعة استخدام التطبيق، وفق غزال، الذي أوضح أن مشاركة واستخدام “واتساب” لبيانات المستخدمين، “سيكون له أثر سلبي على الأفراد والمجتمعات على مدى ليس ببعيد”.
وتساءل قائلًا، “ولكن، هل سيكون له أثر مباشر وفوري على المستخدمات والمستخدمين؟ لا أعتقد ذلك، خاصة مع زيادة تورط الأشخاص باستخدام وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي في ظل غياب الوعي حول الأمن الرقمي والخصوصية”.
ويعيد الحديث عن اختراق “واتساب” للخصوصية، فضيحة شركة الاستشارات السياسية المعنية في دراسات الرأي العام والتأثير على الناخبين في الحملات الانتخابية “كامبريدج أناليتيكا”، التي لعبت دورًا أساسيًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، عندما استفاد ترامب من بيانات المستخدمين على مواقع التواصل لصناعة الرأي العام والتحكم بالخيارات، وبالتالي فاز على منافسته هيلاري كلينتون حينها.
وكانت “كامبريدج أناليتيكا” حصلت على بيانات نحو 87 مليون مستخدم لموقع “فيس بوك” خلال عام 2018، منهم 1.1 مليون مستخدم للموقع في بريطانيا، وأفضت هذه الفضيحة إلى خضوع مؤسس “فيس بوك”، مارك زوكربيرغ، لجلسة استجواب في الكونجرس الأمريكي، وانتهت بموافقته على دفع غرامة بنحو 500 ألف جنيه إسترليني (640 ألف دولار أمريكي).
بدوره، أشار مستشار الأمن الرقمي مهران عيون لعنب بلدي، إلى أن التغير الأكبر الذي جاء مع سياسة الخصوصية الجديدة هو زيادة حجم المعلومات التي يجمعها “واتساب”، والأهم هو مشاركتها مع “فيس بوك” والشركات التابعة له.
وضرب مثالًا على ذلك بالقول، “إذا أردت شراء منتج معيّن أو زيارة متجر معيّن، سيحلل (واتساب) اهتماماتك ويرسلها إلى (فيس بوك) والشركات التابعة له ليتمكن من عرض الإعلانات بشكل أكثر دقة”.
احذر في انتقاء البدائل.. “تلجرام” ليس آمنًا!
ويرى عيون أنه من الطبيعي أن يقلق المستخدمون على بياناتهم ومشاركتها دون موافقتهم، ولكنه حذر من استخدام البدائل الخاطئة التي تجمع ذات الكم من المعلومات وتشاركها مع جهات أخرى.
واستشهد عيون بتطبيق “تلجرام”، الذي قد يلجأ إليه المستخدمون لسهولة التعامل معه فضلًا عن الميزات التي يقدمها بتفرد، محذرًا من أن هذا “التطبيق خيار غير موفق، فهو لا يدعم التشفير إلا في المحادثات السرية وما تبقى من (محادثات، مجموعات، قنوات) لا توفر التشفير خلالها”، وفق حديثه.
وبيّن في السياق أنه ما من فائدة من ترك “واتساب” والذهاب إلى “تلجرام” إلا في حالة أننا لن نجري أي محادثات غير مشفرة من خلاله، واعتبر ذلك أقرب إلى الخيال “لأنه لا يمكن أن نلزم جميع جهات الاتصال لدينا أن تبدأ بمحادثات مشفرة دائمًا”.
أين نلجأ إذًا؟
الخيار الأكثر أمانًا هو “سيجنال”، بحسب مستشار الأمن الرقمي مهران عيون، إذ يوضح أن التطبيق مفتوح المصدر، ومملوك لمنظمة البرمجيات “أوبن وسيبر سيستم” (Open Whisper Systems)، وهي مؤسسة غير ربحية هدفها جعل الاتصالات الخاصة في متناول الجميع.
ويعمل التطبيق على جميع أنظمة التشغيل للهواتف الذكية وكذلك الحواسيب، ويدعم ميزة التشفير من طرف إلى طرف (End to end Encryption)، ولا يحتفظ بالمعلومات على أي خدمات سحابية أو مخدمات خاصة به، كما يقدم معظم الخصائص التي تقدمها تطبيقات التواصل الأخرى، وفق ما قاله عيون.
معلومات يجمعها “واتساب”
وأعد موقع “واتساب” الرسمي قائمة بالمعلومات التي يجمعها عن مستخدميه، وهي كالآتي:
- نوع الجهاز
- بيانات الاستخدام
- المشتريات
- الموقع
- معلومات الاتصال
- جهات الاتصال
- المعلومات المالية (عندما تستخدم WhatsApp Pay)
- صورة الحساب
- أنماط الاستخدام وتشمل:
- الميزات التي تستخدمها في التطبيق
- المجموعات التي انضممت إليها
- كيفية تفاعل المستخدم مع الآخرين في التطبيق
- استخدام ميزة الحالة
10. معلومات تسجيل حسابك: (مثل رقم هاتفك، وبيانات المعاملات، والمعلومات المتعلقة بالخدمة، ومعلومات حول كيفية تفاعلك مع الآخرين ومنها: الشركات، وعنوان IP الخاص بك)
11. رقم هاتفك، ومعلومات الجهاز الذي تستخدمه، مثل: نوع الهاتف ومفتاح البلد، ونظام التشغيل، وبعض معلومات الاستخدام الخاصة بك، التي تشمل: متى قمت بالتسجيل في
“واتساب”، وآخر مرة استخدمت فيها التطبيق، وعدد مرات إرسال الرسائل، إذ يتم مشاركتها مع التطبيقات الأخرى، والخدمات الخارجية التي تساعد في تشغيل خدمات “واتساب” وتوفيرها وتحسينها وفهمها وتخصيصها ودعمها وتسويقها، مثل “جوجل درايف” و”آي كلاود” (iCloud) التي تحفظ فيها النسخ الاحتياطية من بياناتك.
خارج مجال الرؤية
وبعد الدعوات على مواقع التواصل إلى التخلي عن “واتساب”، أصدرت إدارة التطبيق بيانًا عددت فيه المعلومات التي لا تشاركها مع مواقع أخرى ولا تجمعها، وهي:
- لا يستطيع “واتساب” ولا “فيسبوك” الاطِّلاع على رسائلك أو الاستماع إلى مكالماتك الشخصية
- لا يحتفظ “واتساب” بسجلات لهويّات الأشخاص الذين تراسلهم أو تتصل بهم
- لا يستطيع “واتساب” ولا “فيسبوك” معرفة موقعك الذي تشاركه
- لا يشارك “واتساب” جهات اتصالك مع “فيس بوك”
- لا مساس بخصوصية المجموعات
- يمكنك تفعيل خاصية “الرسائل الذاتية الاختفاء” لتختفي رسائلك
- يمكنك تنزيل بياناتك.
هل يعزف “واتساب” عن قراره؟
لا يرجح غزال أن يستغني الجمهور عن “واتساب” نهائيًا، لا سيما وأنه يمتلك نحو ملياري مستخدم، ويرى أن الضجة الحالية تجاه التطبيق، “لن تكون أكثر من موجة استياء آنية، تنتهي مع ظهور موضوع جديد يشغل الرأي العام”، وفق رأيه.
واستدرك أنه لن يروق لـ”واتساب” أن يعتمد المستخدمون تطبيقات بديلة، مشيرًا إلى أن التراجع أو تعديل السياسة مرهون بشعوره بتهديد حقيقي بخسارة عدد كبير من المستخدمين.
–