خسارة بلغت نحو 20 مليون ليرة سورية (ما يعادل تقريبًا 6900 دولار أمريكي) تكبدها المزارع ياسر الصفدي بعد رفض السلطات المصرية إدخال شحنة من صادرات التفاح السوري إلى أسواقها، لعدم مطابقة تقارير المنشأ المواصفات المطلوبة.
بعد اصطدامه بالقرار، يخزّن ياسر موسمًا كاملًا من التفاح أنتجه بستانه ويبلغ وزنه 25 طنًا في برادات التخزين طوال فترة الشتاء الحالي، إثر عدم قدرته على تصديره، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ليطرحه في السوق المحلية مع بداية فصل الصيف.
ويتوقع المزارع أن ينعكس الأمر سلبًا على السوق المحلية بارتفاع أسعار التفاح، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد اليوم ألف ليرة سورية.
بدوره، أقدم المزارع رشيد حسان على خطوة تخزين التفاح شتاء لبيعه صيفًا، بعدما قدر خسارته بأكثر من 30 مليون ليرة سورية، وذلك لأن ثمن التفاح يرتفع صيفًا ما يجعله يعوض قليلًا من خسارته، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ويرى رشيد أن إيقاف الشحنة سيؤثر على عموم اقتصاد المحافظة، فالأرباح التي خسرها المزارعون كانت ستدعمها، بحسب قوله.
إنتاج المزارعَين اللذين التقت بهما عنب بلدي، كان من ضمن شحنات التفاح التي وصلت إلى الحدود البرية المصرية ولم تتخطَّ الحدود.
“سُمّية عالية”
أوقفت السلطات المصرية الأسبوع الماضي، حوالي 500 شاحنة تفاح قادمة من مدينة السويداء جنوبي سوريا، ومنعتها من دخول أسواقها، وذلك بعدما تبين أن نسبة المبيدات الحشرية فيها عالية.
وطلب مزارعو السويداء من وزير الزراعة، حسان قطنا، حينها، إيجاد حل جذري لمشكلة برادات التفاح التي توقفت على الحدود، بحسب ما نقله موقع “الاقتصادي” في 14 من كانون الثاني الحالي.
المهندس الزراعي سعد الحلبي من مدينة السويداء رجح، في حديث إلى عنب بلدي، أن يكون سبب رفض السلطات المصرية سياسيًا لا تقنيًا.
وقال الحلبي، إن زيادة نسبة السمّية التي تعلل بها الجانب المصري ليست بهذه الضرر، والرفض جاء لأسباب سياسية.
ونصح الحلبي الفلاحين باستخدام مبيدات ملامسة، والتقليل من المبيدات الجهازية التي تبقى في الثمرة مدة طويلة، وذلك لأن استخدام مركبات “الديمثوات” وهي مركبات فوسفورية جهازية هي “الأكثر خطرًا” على الصحة، وتدوم مدة أطول على الثمار.
وأوضح المهندس أن المزارع في السويداء لا يرش الثمار أكثر من خمس رشات مبيدات في العام، بينما في الساحل يتم رش الثمار ثماني مرات، ورغم ذلك تقول التقارير إن سمّية تفاح السويداء أكثر من غيرها.
وبعد رفض الشحنة الأولى بأيام، رفضت السلطات دخول 130 شاحنة محملة بالتفاح، بقيمة 60 مليون ليرة سورية للواحدة (ما يعادل تقريبًا 21 ألف دولار أمريكي) قادمة من مدينة سرغايا بريف دمشق، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، في 8 من كانون الثاني الحالي.
ونقلت الصحيفة أن عدم استقبال الشحنات كان بسبب اعتبار الجانب المصري أن تقارير المنشأ تخالف المواصفات المطلوبة.
فنسبة السمّية، حسب السلطات المصرية، عالية، وشهادات المنشأ تقول إن نسبة السمّية وصلت إلى ثلاثة بالألف، بينما النسبة المسموح بها عالميًا هي خمسة بالألف، حسب شكوى العديد من الفلاحين.
تقاذف المسؤولية
وبينما انعكست الخسائر بشكل أساسي على المواطنين والمزارعين أصحاب الإنتاج، تبادل مسؤولون في الجهات المعنية التابعة لحكومة النظام أصابع الاتهام حول الخسائر.
ولام عضو مجلس غرفة تجارة ريف دمشق محمد الشيخ علي، غرفة الزراعة، لأنها مصدر شهادة المنشأ، التي لم تكن مطابقة للمواصفات العالمية، بحسب تصريح له لجريدة “الوطن”.
وأوضح أن الفلاحين عرضوا المشكلة على غرفة التجارة، التي تواصلت بدورها مع جميع الجهات المختصة، سواء في مصر أو سوريا، مشيرًا إلى أن الغرفة تنتظر الحل من الجانب المصري.
وقال الشيخ علي، إن عملية تصدير 130 شاحنة تفاح جرت عن طريق وسيط، ولم يُسمح لها بالدخول إلى مصر بسبب عقوبات “قيصر”، ما تسبب بتلف قسم منها وشكّل خسارة “كبيرة” على الفلاح.
وتشمل عقوبات “قيصر” كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، وتستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.
وعن الدعم الذي ستقدمه الغرفة للفلاحين، بيّن الشيخ علي أن مشاكل التجار حاليًا كثيرة، متسائلًا عن قدرة الغرفة على دعم الجميع، بحسب ما نقلته الصحيفة.
واعتبر رئيس مكتب التسويق والتصنيع في الاتحاد العام للفلاحين، خطار عماد، في تصريح لـ”الوطن”، أن معاناة الفلاحين مع فائض الإنتاج هي نتيجة لعدة عوامل، منها ضعف القدرة الشرائية للمواطن، ما يطرح التصدير “كحل أمثل”.
وتحدث عماد عن ضرورة وجود برنامج تصديري موضوع من كل الجهات المعنية المختصة، مشيرًا إلى أن إخراج المواد والعمل بالبرنامج في الظروف الحالية أمر صعب، فكان الحل اعتماد خطة كسر الوسيط عن طريق الأسواق الشعبية.
وأشار عماد إلى ضرورة وجود حقول تعاقدية مخصصة للتصدير من خلال مصدر أو جهة معيّنة تقوم بعملية استثمار عدد من الحقول، وبمتابعة الفلاح لإنتاج مواصفات محددة، بالسعر الذي يحفظ حق الفلاح والتكاليف والهامش الربحي، ما يؤدي إلى تصدير منتج بمواصفات مطابقة للسوق المقصودة.
خسائر اقتصادية
وأوضح الخبير الاقتصادي ماهر سنجر لـ”الوطن”، أن ما حدث مع الشاحنات المبردة التي تحمل التفاح السوري إلى مصر أو غيرها ليس بجديد، منوهًا إلى كميات مرتجعة من الصادرات الزراعية التي لم تتوافق مع المواصفات المطلوبة أو أوقفت لأسباب عمدية مختلفة، أبرزها العقوبات الأمريكية والأوروبية وخاصة قانون “قيصر”، الذي التزمت به بعض الشركات المستوردة وبعض دول الجوار.
وأضاف أن رفض التفاح حصل سابقًا للتفاح المتجه إلى دول الخليج، ما دفع المصدرين باتجاه اللجوء للتصدير عبر البحر، الذي تسبب بإضعاف منافسة المنتج السوري في الخارج، لارتفاع سعره نتيجة لتكاليف الشحن وارتفاع تكاليف التوضيب والتسويق.
وحرم الرفض المزارعين والتجار وأصحاب الشاحنات وشركات الشحن من العائدات المالية، وأدى إلى خسارة نسبة الدعم المقدم للمزارعين من هيئة دعم الصادرات والبالغة 25% من أجور الشحن.
كما انعكس على ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية، فتوجه هذه المنتجات إلى الأسواق الخارجية يعني انخفاضًا في حجم المعروض منها في الأسواق المحلية وارتفاعًا بالأسعار، إضافة إلى تدني النوعية ورواج الأصناف ذات الفئة الثانية أو الثالثة.
وأكد سنجر أهمية التصدير للحصول على القطع الأجنبي، وتشغيل العمالة، والترويج للمنتجات السورية في الخارج، داعيًا إلى إكثار عدد مراكز الفحص في جميع المحافظات، ومن ثم اللجوء إلى جهة مستقلة مقبولة محليًا ودوليًا لإصدار شهادات الفحص والجودة والقيم الخاصة كنسبة السمّية بهذه المنتجات، على أن تكون هذه الشركات معتمدة رسميًا من بلد الاستيراد، ومعترفًا بها من الشركات المستوردة.
–