ضد التنمر في بلاد التنمر

  • 2021/01/17
  • 11:40 ص

نبيل محمد

“قبلني أنا إنسان، متلك إلي بهالأرض، عندي أنا إحساس، طب ليش ما عندك قلب”، بهذه الكلمات التقت مجموعة مغنين سوريين في “كليب” أنتجته مبادرة “الطفولة حياة” الموسيقية، التي يظهر من صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي أنها منظمة ترعى نشاطات فنية وثقافية، وتهتم بالأطفال، وخاصة الفئات المستضعفة منهم.

تدعو الأغنية، وفق ما يتضح من كلماتها، إلى الوقوف ضد التنمر، ورفض عنصرية الإنسان تجاه الإنسان، والتفريق بين البشر تبعًا للون والجنس وما إلى ذلك، فيما يظهر أنها لحاق متأخر بـ”ترند” عالمي، ومحاولة مواكبة قضية إنسانية عالمية، بأدوات ضعيفة وفهم قاصر للقضية ذاتها، ففي الأغنية استجداء وتسوّل من قبل فئة مظلومة تطلب من الفئة الظالمة كفّ الظلم عنها، وتحاول إيضاح مكمن المساواة بين الطرفين، لتذهب عندما يدخلها “الراب” إلى مكان آخر تبيّن فيه كيف أدى المجتمع إلى تلويث البشر الذين يلبسون أقنعة لا وجوه حقيقية.

بين نانسي زعبلاوي وشهد برمدا وغنى بوحمدان وميس حرب، تتنقّل كلمات الأغنية التي كتبتها باسلة الحلو، في “كليب” يستكمل كل مكوّنات الضعف والأداء الفاتر، بما هو أضعف، بينما يدخل مغني “الراب” إسماعيل تمر ليضع لمسته المطابقة لكل محتواه على “يوتيوب”، حيث اليأس من الإنسانية نتيجة اتساخ الإنسان بالمادة. الحضور الذي يبدو أن “الكليب” كان جاهزًا لاستقبال أي مبادرة ضمن جسمه، فاختتم بصوت الممثلة شكران مرتجى في تقريع مباشر لممارسي التمييز والتنمر على ما يبدو، “ما حدا منا نحنا البشر كامل، وحكمك على الضعيف أبدًا مانو عادل، في نقص جواتنا بكون، نقص ما بينشاف بالعيون…” إلى آخره من “أي كلام” يمكن أن يناسب القوافي.

يأتي “الكليب” ليذكرنا بنوع غنائي طالما شهد أردأ نسخه في سوريا، من أغانٍ تحاكي قضايا وطنية وإنسانية تجتمع فيها مجموعة مغنين كأوبريت “وطن المحبة”، الذي أُنتج بالتوازي مع دمار البلاد ببنادق جيشها وغنّته مجموعة من الممثلين والمغنين السوريين، وكررت بثه القنوات الرسمية السورية التي عوّدت جمهورها على هذا الفن الملتزم البعثي الذي يفتقد إلى مكوّنات الفن من الموسيقى إلى الكلمات فالأداء، وبالتأكيد “الكليب” المبتدئ القائم على جهود موظفي البونات في التلفزيون السوري.

يلفت “الكليب” الانتباه أيضًا إلى مقبرة المواهب تلك، التي إن صَدَف وأجاد فيها صوت غنائي أو موسيقي ما في محفل عربي أو عالمي، والمقصد هنا شهد برمدا وغنى بوحمدان، فإن منظومة “الميديا” والثقافة في سوريا سوف تحفر قبر هذه الموهبة بمجرد أن تحطَّ أقدامها في مطار” دمشق الدولي”، بطريقة عرضها على التلفزيون، وإحيائها حفلات المناسبات الرسمية، والمهرجانات الفنية المقامة تحت شعارات سياسية شمولية، وصولًا إلى زجها في أغانٍ مشتركة، وسوء تسويقها. يصبح الموهوبون، أو من أقنعوا قطاعًا من الجمهور بأنهم موهوبون، أدوات باردة تردّد كلمات مرتّبة أشبه بالنشيد، ذاك النشيد الواحد المكتوب من معجم مصطلحات الحزب الواحد، المصطلحات التي تحضر ذاتها في الأغنية الوطنية والإنسانية والرياضية وأحيانًا العاطفية، وتزداد افتقادًا للمعنى مع زيادة استخدامها في السنوات الأخيرة بالتأكيد.

لن يتبع الفن المنتَج داخل سوريا سوى “الترند” العالمي بالتأكيد، مشددًا على مدى تقدم هذه البلاد إنسانيًا وحقوقيًا، وانفتاحها على المشكلات الإنسانية العامة، ووقوفها ضد أي ظلم يستهدف أي فرد في هذا الكوكب، بالتوازي طبعًا مع التعامي التام عن أزمات السوريين في الداخل. مشكلة التنمر تلك التي يواجهها مستضعفون في كثير من البلاد، من ذوي الإعاقة، وصولًا إلى سُمْر البشرة، تتسع في بلاد منتجي “الكليب” ذاته، لتشمل تنمرًا رسميًا يُمارَس ضد شعب بأكمله من بيته إلى شارعه فمكان عمله، وإلى مخيمه أيضًا، وإليه في بلاد اللجوء كذلك.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي