عنب بلدي – زينب مصري
تتحدث مقاربات اقتصادية من مسؤولين في حكومة النظام السوري ومحللين وخبراء اقتصاديين، عن وجود مؤشرات قوية لبدء نهوض اقتصادي، على الرغم من تذبذب أسعار صرف الليرة السورية وعدم ثباتها عند حد معيّن.
وإلى جانب التحليلات، يقترح اقتصاديون حلولًا من شأنها تغيير واقع السوريين الاقتصادي والمعيشي المتردي، في حين تتسع الفجوة بين أسعار السوق الرسمية للعملات الأجنبية التي تتحرك الحكومة في إطارها لتحديد رواتب موظفيها وحوالات المواطنين المالية، والسوق السوداء، التي يعتمدها التجار والمضاربون ساحة يتحكمون من خلالها في أسعار المنتجات التي ينعكس غلاؤها على المواطن وقدرته الشرائية.
تعويم العملة (سعر الصرف العائم)، هو نظام من أنظمة سعر الصرف الذي يُسمح فيه بتحرير قيمة العملة من السلطات النقدية في الدولة، والسماح لها بالتغير وفقًا لسوق الصرف الأجنبية، فيتغير سعرها تبعًا للتغير في العرض والطلب. |
مقاربات وتحليلات
واحدة من تلك التحليلات في الأيام القليلة الماضية، تعود لوزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام السوري، لمياء عاصي، ارتبطت بلجوء الحكومة إلى التعويم، بعد إعلان السلطات النقدية اللبنانية إمكانية تعويم عملتها.
في حديث لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في 10 من كانون الثاني الحالي، اعتبرت عاصي أنه من الممكن أن تلجأ حكومة النظام إلى تعويم الليرة السورية، مشيرة إلى أن عملية التعويم “معقدة” لا تجري بسهولة.
وانطقلت عاصي من الاقتراح اللبناني الأخير بتعويم الليرة اللبنانية، وأشارت إلى أن الدولة تحتاج إلى جهة قوية أو اتفاقيات دولية لتحميها عند اتخاذها هذا القرار، ولذلك، ربط حاكم مصرف لبنان القرار بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
فتعويم العملة، بحسب عاصي، يحتاج إلى ضخ كميات كبيرة من الدولار الأمريكي في السوق، للحد من انخفاض قيمة العملة الوطنية.
وقالت الوزيرة السابقة، إن كل الدول التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي، عانت بعد الاتفاق من اضطرابات سياسية واجتماعية، ولذلك، فاللجوء إلى الصندوق ليس أفضل خيار، بحسب رأيها، وخصوصًا في حالة غياب الدعم السياسي من الدول المسيطرة على الصندوق للدولة.
وسيلة إنقاذ بعيدة المنال
بحسب نوعي نظام تعويم العملات، إما أن تلجأ الدولة إلى التعويم الحر، فتمتنع بشكل كامل عن التدخل بسعر الصرف، وتتركه تحت سيطرة آلية العرض والطلب في السوق، وإما تتجه إلى التعويم الموجه، فيُحدد سعر الصرف عن طريق آلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل عبر مصرفها المركزي للتأثير في حجم العرض والطلب على القطع الأجنبي، وتوجيه التغير الحاصل في سعر الصرف بما يخدم مصالحها.
وتسعير سعر الصرف بحسب العرض والطلب أمر غير موجود في سوريا، ولن تتقبله حكومة النظام السوري، بحسب الباحث والدكتور في الاقتصاد فراس شعبو، فعلى الرغم من أن مصرف سوريا المركزي “خارج الخدمة” نوعًا ما، ولا يملك أي أداة فاعلة، ما زالت السطوة الأمنية هي التي تتحكم في البلد، وبالتالي يتحكم النظام بسعر الصرف من خلال عوامل أخرى ليست نقدية في الأساس.
وقال شعبو لعنب بلدي، إن بعض المنظّرين الاقتصاديين دعوا في السابق إلى تعويم العملة، لكنه أمر تلجأ إليه الدول المتقدمة عندما يكون لديها اقتصاد حقيقي يعمل، وحركة تصدير نشطة، وناتج قومي كبير، ومعدلات فائدة قيد التشغيل في البلد.
وهو أمر لا يمكن أن يجري في سوريا التي لا تملك مقومات اقتصادية، كالتصدير والصناعة، فإذا عُوّمت العملة سيكون الموضوع “كارثيًا”، وسوف يكون ارتدادًا ووعكة اقتصادية، في ظل عدم القدرة على ضبط أسعار الصرف في السوق السوداء، وتحكم النظام الأمني بها في محاولات لضبطها.
ويتحكم النظام السوري في سعر الصرف بقبضة أمنية، إذ فرض، في حزيران 2020، إجراءات أمنية مكثفة على مكاتب الصرافة والحوالات المالية بالتزامن مع بدء عقوبات قانون “قيصر” المفروضة عليه.
وهدد المصرف المركزي حينها بمعاقبة كل من يعمل على تسلّم أو تسليم الحوالات المالية الواردة من خارج البلاد، خارج إطار شركات الصرافة المعتمدة، وملاحقتهم قضائيًا بموجب قوانين تمويل الإرهاب، أو ملاحقتهم بجرم الصرافة غير المرخصة والتعامل بغير الليرة السورية.
ارتداد ووعكة اقتصادية
تلجأ السلطات النقدية في بلد ما يعاني اقتصاده أوضاعًا غير جيدة إلى تعويم عملتها الوطنية لدعم الاقتصاد وإعادة التوازن إليه، وإزالة الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار السوق السوداء، وجذب المزيد من الاستثمارات، إلا أن آثارًا سلبية متوقعة لتلك الخطوة من الممكن أن تحدث، وتتمثل في زيادة نسب التضخم في البلاد، وارتفاع الأسعار نحو مستويات غير مسبوقة، وارتفاع تكاليف الواردات.
وأثبتت حالة الاقتصاد السوري المتآكل من حرب دامت نحو عشر سنوات، صعوبة جذب استثمارات أجنبية أو محلية، لغياب البنى التحتية وغياب ثقة المستثمرين بالعملة المحلية، وانعدام الاستقرار الأمني والاقتصادي.
وكوضع راهن قبل التعويم ونتائجه، تعاني الليرة السورية من نسب تضخم مرتفعة، وتشهد الأسواق ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار وسط انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتدني القيم الحقيقية لمعدلات الرواتب، بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية أمام سلة العملات الأجنبية.
ويرى الدكتور فراس شعبو أن قرار التعويم في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، سوف يذهب بالاقتصاد السوري وبالسوريين إلى “ثقب أسود” يمتص كل مدخراتهم وإمكانياتهم.
إذ ستشهد الأسواق ارتفاعات كبيرة في الأسعار لم يكن المواطن السوري يتخيلها، وسينعكس الأمر على النظام بانهيار قدرته على الصمود، وبالتالي سوف يتململ حلفاء النظام من انهيار الاقتصاد السوري، ما قد يشكل “ضربة كبيرة” للنظام.
وما يُطرح اليوم عن تعويم سعر الصرف لا تؤمن حكومة النظام السوري به أو تفكر مجرد التفكير به، بحسب رأي الدكتور، والطرح عبارة عن اقتراحات فقط تأتي من هنا وهناك للخروج من عنق الزجاجة، بحسب تعبيره.
تعويم مبطّن
يتحكم التجار في السوق السورية بأسعار الصرف من خلال تسعير السلع بمختلف أشكالها ومصادرها وفق سعر الصرف في السوق السوداء، بينما تُحسب رواتب الموظفين بحسب أسعار الصرف الرسمية، في وقت تكاد تصل فيه الفجوة بين أسعار السوقين إلى نسبة 60%.
وسجل سعر صرف الليرة السورية الرسمي أمام الدولار الأمريكي، في 15 من كانون الثاني الحالي، 1256 ليرة، بينما وصل سعره في السوق السوداء إلى 2890 ليرة.
وفي حين حذر المصرف المركزي أصحاب الفعاليات الاقتصادية والمواطنين من التعامل مع السوق السوداء، متوعدًا بالمساءلة القانونية، ودعاهم إلى الاعتماد في تعاملاتهم المالية على المؤسسات المالية المرخصة، ضاعف المصرف سعر الدولار الرسمي لدافعي بدل الخدمة العسكرية الإلزامية النقدي، ووصل إلى سعر قريب من السوق السوداء، إذ سجل الدولار الأمريكي 2525 ليرة سورية، بحسب نشرة البدلات.
مضاعفة سعر البدل، والسماح للتجار باعتماد أسعار السوق السوداء في تسعير منتجاتهم، وانعكاسات ذلك على ارتفاع الأسعار، مؤشرات تدل على أن حكومة النظام توجهت بشكل أو بآخر إلى نظام التعويم حتى لو لم تُقر بذلك.
لكن الدكتور فراس شعبو يرى أنه حتى لو أراد النظام السوري اعتماد التعويم “القذر” (التعويم الموجه)، وهو تدخل المصرف المركزي بشكل غير مباشر بأسعار الصرف، من خلال التلاعب بأسعار الفائدة و ضخ كميات كبيرة من الأموال في الأسواق، فهو لا يملك القدرة على بيع وشراء العملات الصعبة أو السندات أو التلاعب بأسعار الفائدة، لأن أسعارها نوعًا ما ثابتة في سوريا، ومهما رُفعت فهي لن تلغي حالة الذعر التي سيشعر بها المستثمر نتيجة تدهور قيمة العملة.
تجربة سابقة
في مطلع 2012، وبعد أشهر على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا، قرر المصرف المركزي اللجوء إلى التعويم الموجه لليرة السورية، بعد ارتفاع معدلات التضخم الذي حصل مع اندلاع المظاهرات.
وخسرت الليرة السورية حينها ما يقارب 40% من قيمتها دفعة واحدة، لكن تلك الخسارة كانت اقترابًا من سعر السوق الحقيقي أكثر من كونها خسارة فعلية.
وعادت حكومة النظام السوري إلى سياسة سعر الصرف الثابت، عبر ضخ كمية من الدولار كل فترة إلى الأسواق النقدية، في محاولة للحفاظ على مستويات سعر الصرف تحت السيطرة.