ترامب والبيان رقم واحد
إبراهيم العلوش
في 6 من كانون الثاني الحالي، وفي أثناء التصديق على نتائج انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، اقتحم أنصار ترامب مبنى “الكابيتول” بواشنطن في أثناء اجتماع مجلسي النواب والشيوخ، مطالبين بإبقائه في الحكم، رافضين تصديق المجلسين على خسارة ترامب الانتخابات وفوز بايدن، ولعل هذه الخطوة تشبه إعلانات البيان رقم واحد التي كان يقوم بها العسكر الذين يحكمون العالم العربي وسوريا خاصة إلى اليوم.
فقبل 50 عامًا، في سنة 1970، اقتحمت قوات حافظ الأسد اجتماع حزب “البعث” الذي كان يحاول مساءلته عن هزيمة حزيران والتواطؤ في خسارة الجولان كونه وزير الدفاع الذي أعلن سقوط مرتفعات الجولان قبل عدة أيام من احتلالها، واغتصب الحكم في 16 من تشرين الثاني من صلاح جديد والقيادة القومية، وأعلن البيان رقم واحد لانقلابه المشؤوم.
وما إن انطلقت مظاهرات الثورة السورية عام 2011 حتى قام شبيحة الأسد بإعلان الدولة ملكًا لهم ولنظامهم عندما أعلنوا شعارهم “الأسد أو نحرق البلد”، وقد التحق الجيش والمخابرات وجحافل المخبرين والمنظمات البعثية بعملية مصادرة الدولة السورية وتحويلها إلى كائن معادٍ للسوريين، يطلق عليهم النار ويدمّر بيوتهم بالبراميل ويعذّب أولادهم حتى الموت.
وعلى عكس قادة الجيش السوري الذين تحولوا إلى عبيد مأمورين ويلتزمون بنزوات الأسد وعصابته لاستكمال التدمير والتهجير، فإن قائد الأركان الأمريكي أعلن أن الجيش الأمريكي لن ينضم إلى جانب الرئيس، فقادة الجيش يقسمون على صيانة الدستور وحمايته وليس من أجل رئيس أو ديكتاتور، وهذا ما دفع ترامب إلى الاستنجاد بشبيحته الذين اقتحموا مبنى “الكابيتول” الذي يجتمع فيه مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان، ويعتبر رمزًا للديمقراطية الأمريكية والغربية التي تحترم الدستور والقانون، على عكس مجلس الشعب السوري الذي يتخذ من عبادة الأسد منهجا ثابتًا له اعتبارًا من ذياب الماشي وصولًا إلى نجدت أنزور. ولعل النائب الذي أعلن في بداية الثورة أحقية بشار الأسد أن يحكم العالم وليس سوريا والعالم العربي فقط، قد لخص توجه هذا المجلس وتأليهه للأسد.
في البيان رقم واحد الذي يعلنه عادة مبنى الإذاعة والتلفزيون مع موسيقى صاخبة وحظر للتجول، تقوم وحدات من الجيش بالاستيلاء على البلاد لمصلحة مجموعة من القادة المغامرين والخارجين على القانون، لخدمة مصالح دولية اعتبارًا من حسني الزعيم 1949 وصولًا إلى عائلة الأسد.
ويقوم قائد الانقلاب بعمليات التصفية للقادة العسكريين الذين قد يعترضون عليه، بل إنه غالبًا ما يقوم بتصفية جزء كبير من أعوانه ومخبريه الذين قد يتآمرون عليه، ولعل حافظ الأسد كان أبرع هؤلاء الانقلابين، حيث قام بتصفية قادة الجيش المحترفين واستبدل بهم مجموعة من المنافقين والعبيد.
بعد قائد الأركان الأمريكي، رفض نائب الرئيس، مايك بنس، رغبة رئيسه ترامب بإفشال جلسة مجلسي النواب والشيوخ في “الكابيتول” التي تصدق على إعلان الرئيس المنتخب رئيسًا شرعيًا اعتبارًا من 20 من كانون الثاني الحالي، وأعلن بنس التزامه بالقانون وبالدستور، ما جعل ترامب وأنصاره يلجؤون إلى طريقة التشبيح البائسة في اجتياح “الكابيتول” التي انقلبت وبالًا على ترامب وعلى سمعته وعلى سمعة بلاده.
في مقابل موقف النائب مايك بنس، لو استعرضنا نواب الرئيس السوري منذ بداية استيلاء حافظ الأسد على سوريا حتى توريثه الحكم لابنه، سنجد أمامنا لائحة من التابعين، والخونة، والمنافقين، اعتبارًا من عبد الحليم خدام مرورًا برفعت الأسد وزهير مشارقة وفاروق الشرع ونجاح العطار التي لا يعلم إلا الله إن كانت حية أو ميتة وهي لا تزال تشغل منصبها. ولن ننسى مصطفى طلاس الذي كان أكثر من نائب الرئيس رغم أنه لم يشغل ذلك المنصب، بل ظل نائبًا لرئيس الوزراء، وهو من نقل الحكم إلى بشار الأسد عندما سجن قادة الجيش في مبنى الأركان عام 2000 في عملية انقلاب عسكري أبيض قاد بالنتيجة إلى كل هذا الدمار.
وفي مقابل موقف رئيس الأركان وقادة الجيش الأمريكي، نجد أن مؤسسة الجيش في سوريا وعبر 60 عامًا، قامت بكل ما لا يخطر على البال من تخريب للقانون وللدستور في سوريا، ولم ينجُ من ذلك حتى الدستور المكتوب من قبل حافظ الأسد أو بشار الأسد نفسيهما، وتكفي نظرة إلى مصير تلك المبادئ في الوحدة والحرية والاشتراكية وفي الدفاع عن الوطن، والاستقلال، وحماية الملكية العامة، والملكية الخاصة التي تعج بها نصوص دساتير حافظ الأسد ووريثه، فنجدها اليوم ممزقة وسط البراميل المتفجرة وأعمال التعذيب والتهجير والاحتلال الإيراني والروسي للبلاد.
فشل شبيحة ترامب في إلقاء البيان رقم واحد، بينما نجح شبيحة بشار الأسد بتخريب ما تبقى من الدولة السورية، فبعد عشر سنوات من التخريب، حلّ الجوع والبرد والعزلة بالبلاد التي دمروها، وقد لخصت صفحة “شبكة أخبار البهلولية” الموقف وهي تحتج على الوضع المأساوي: لقد حملنا شعار “الأسد أو نحرق البلد” ويبدو أننا حصلنا على الاثنين معًا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :