أوهام “PYD” السياسية.. وسياسة بايدن المحتملة

  • 2021/01/17
  • 10:37 ص

أسامة آغي

قال سيهانوك ديبو، ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في مصر، “إن (مسد) يسعى لتشكيل منصة معارضة جديدة، لتشارك بصفة مستقلة في العملية السياسية للأزمة السورية”.

وأوضح أنهم يهدفون للملمة صفوف المعارضة الديمقراطية، وبرأيه فإن الأزمة السورية ستنتقل من مرحلة إلى أخرى أكثر تعقيدًا، ما لم يشارك “مسد” في العملية السياسية، وإن مشاركة سلطة الأمر الواقع في الجزيرة والفرات في محادثات حل الأزمة مجرد مسألة وقت، وفق تعبيره.

هذه التصريحات تأتي قبيل تسلّم جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة بأيام، وتأتي بعد تعيين بايدن بريت ماكغورك منسقًا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهو يعني استقواء بصيغة غير مباشرة بالإدارة الأمريكية الجديدة.

تصريحات ديبو لا تعني البتة أن الأمور ستذهب في هذا الاتجاه، فالأمريكيون لا يبنون سياساتهم الخارجية، وتحديدًا في الشرق الأوسط، وفق رغبات قوى تتعاون معهم، بل وفق المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجب أن تقرأه بصيرة ديبو قبل أن يقوله لسانه.

إن حديث ممثل “مسد” في القاهرة عن لملمة صفوف المعارضة هو حديث لا ينتمي للواقع الملموس، ومجريات الأحداث في الساحة السورية، أو في منطقة الشرق الأوسط برمتها، فليس واقعيًا أن تتنطع ميليشيا ذات دور وظيفي لدور أكبر من حجمها ووزنها، وتحديدًا بما يتعلق بلملمة صفوف المعارضة، فهذه الميليشيا تعمل وفق توجيهات سياسية أمريكية، رغم أنها تدعي أنها ضد الإمبريالية العالمية ومنها الأمريكية.

الحديث عن لملمة صفوف المعارضة، يراد منه بيان أن هناك مفاوضات بين “مسد” و”هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي”، هذه المفاوضات لم تكتمل فصولها، وهي لن تكتمل دون تغيير مسار حزب “PYD” السياسي، الذي يرتبط بمسار حزب “PKK” غير السوري، المصنف أمريكيًا وتركيًا وأوربيًا كحزب إرهابي.

إن انشقاق منصة “القاهرة”، واحتمال التحاق رمز فيها إلى التحالف مع “مسد”، لا يعني تغييرًا في قواعد اللعبة السياسية بالصراع السوري، وإن مجيء إدارة أمريكية جديدة، يقودها بايدن، لا يعني الانقلاب على سياسة ترامب، أو يعني أنها امتداد لسياسة أوباما، فالمصالح الأمريكية العليا لا يقررها شخص رئيس الولايات المتحدة بمفرده، بل تقررها الدولة الأمريكية العميقة، التي تمتلك دائرة المال والاستثمار الكبيرين العابرين للقارات.

إن ما يصرّح به مسؤولو “مسد”، أو من يتحكم بسلطة الأمر الواقع في منطقتي الجزيرة والفرات، حول آلية الحل السياسي في سوريا، يستند إلى أوهام صالحة للتسويق، لدى من يجهل طبيعة الصراع في سوريا، فهذا الصراع، هو صراع أجندات إقليمية على الأرض السورية، وبالتالي فإن نهاياته السياسية، لا تستطيع قوى ذات دور وظيفي مثل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أن تحدّد أفقه.

إن بايدن الآتي لتسلم سلطة رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، سيجد على مكتبه تعقيدات كبرى، بما يخصّ منطقة الشرق الأوسط والوضع السوري، وهذا طبيعي قياسًا على الوضع الذي كانت عليه المنطقة والوضع السوري أيام إدارة أوباما.

جو بايدن، رغم أنه أطلق تصريحات في حملته الانتخابية ضد تركيا أو أنظمة الخليج العربي، وتحديدًا السعودية، وأظهر نفسه وكأنه سيخرج زير الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” من بئر دفنه فيها ترامب، كان يريد من هذه التصريحات مغالبة سياسية أمام الناخب الأمريكي لا أكثر.

فلو حاول بايدن استعادة الزمن المفقود بمسألة الاتفاق النووي، فلن يكون غافلًا عن دور اللوبي اليهودي وغير اليهودي، المعادي للتمدد الإيراني، في إفشال خططه أو توجهاته نحو إطلاق جديد للأذرع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط أو سوريا.

ولعل الضربات الجوية الاسرائيلية لعدد كبير من المواقع الإيرانية، ومواقع الميليشيات المؤيدة لها، في محافظة دير الزور، في 13 من كانون الثاني الحالي، هي رسالة إسرائيلية صريحة لجو بايدن، تقول فيها إن طرد إيران من سوريا ومن الدول الأخرى كالعراق واليمن ولبنان، هو أمر لا رجعة فيه، وإن بايدن معنيّ بالتعاطي مع هذا التوجه، لا سيما بعد تطبيع بعض الأنظمة مع اسرائيل، التي لن تسمح لإيران بقيادة المنطقة وفرض نفوذها فيها.

جو بايدن وفريق عمله، الذي لا يحمل الود تجاه نهج الحكومة التركية، التي يقودها رجب طيب أردوغان، زعيم حزب “العدالة والتنمية” المنتخب، سيفكّر مليًا بمسألة بسيطة حول واقع تركيا اليوم، وواقعها قبل خمس سنوات، فهو يدرك حجم التطورات والتقدم، الذي أنجزته تركيا اقتصاديًا وسياسيًا وعلميًا وعسكريًا، وبالتالي، فهو أمام دولة أثبتت قدرات كبرى على إدارة الصراعات في حوض المتوسط، وسوريا، وليبيا، وأذربيجان.

جو بايدن لا يملك عصا سحرية لتغيير العالم، لا سيما بعدما أحدثته جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) من تغيرات على مستوى السياسة والاقتصاد الدوليين، ولهذا فهو معنيّ بالبحث عن طريق لإدارته وسط كل هذه التعقيدات والتغيرات الدولية.

على هذه الأرضية، لا يمكن لـ”PYD” أن تذهب بعيدًا في أوهام فكرتها عن قيام سلطتها، التي تطلق عليها مسمى “الإدارة الذاتية”، فعلى الرغم من وجود آبار النفط الرئيسة في هذه المنطقة، فإن هذا لا يعني أنها ستحتفظ بموارد السوريين كغنيمة حرب، ولا يمكنها الذهاب بعيدًا خلف أوهام سياسية يصنعها إعلام جاهل حول دور بريت ماكغورك، فالأخير ليس أكثر من موظف يدير ملفًا متغير الأنساق والمفاعيل.

وفق كل ما تقدم، لا يمكن التعويل على انضمام بضعة أشخاص إلى تحالف مع “مسد” كي نقول، إن تغيرات كبرى ستحدث في معادلة الصراع السوري، وفي نتائج الحل السياسي لهذا الصراع. ووفق ذات المقدمات، لا يمكن تحقيق تحالف بين ميليشيا ذات دور وظيفي خارجي وقوى سياسية ذات جذور قومية وديمقراطية كـ”هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي”.

إن “مسد” معنيّ بتغيير واقع رؤيته السياسية على قاعدة فكّ الارتباط مع حزب “PKK”، وعلى قاعدة الانتقال السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع السوري، فبغير هذا التغيير، لا يمكن القول بتاتًا إنه قوة معارضة سورية لنظام الاستبداد، بل إنه صاحب مشروع عابر للوطنية.

فلو كانت القوى الدولية معنية بانضمام “PYD” إلى أطر المعارضة، كـ”الائتلاف”، أو “هيئة التفاوض”، أو “اللجنة الدستورية”، لفعلت ما يجب فعله، ليكون هذا الحزب جزءًا من العملية السياسية، ولكن قراءة دور “قسد” التي يهيمن عليها “PYD” يقول إنها مجرد قوة ذات دور وظيفي مؤقت مرتبط بالصراع الدولي في سوريا.

فهل سيذهب “مسد” إلى إعادة حساباته السياسية بصورة موضوعية ملموسة، أم أنه سيبقى أسير فكرة لا أرض حقيقية لها، في ظل ميزان قوى إقليمي ودولي، لن يمنحه أي فرصة لتحقيق مشروعه غير السوري؟ جو بايدن قادم وسيكتشف الجميع أن الأمريكيين براغماتيون حتى نقي العظام.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي