هل يستطيع الروس إزاحة الأجهزة الأمنية في سوريا؟

  • 2021/01/17
  • 9:30 ص

زيارة فلاديمير بوتين مركز قيادة القوات المسلحة الروسية في سوريا - 7 كانون الثاني 2020 (الرئاسة الروسية)

عنب بلدي – أمل رنتيسي

أثارت الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دمشق، في 7 من كانون الثاني 2020، استغرابًا في الأوساط السورية، وذلك لعدم إطلاع الجهات الأمنية السورية على تفاصيل التحضيرات الأمنية.

وبعد عام من هذه الزيارة، كشف رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، عن التحضيرات الأمنية التي سبقت زيارة الرئيس الروسي، إذ قال غيراسيموف إنه تقرر إشاعة الزيارة وكأنها لوزير الدفاع، سيرغي شويغو، وليس لبوتين، مبررًا ذلك بأنه كان على الروس اتخاذ إجراءات تضمن سلامة الزيارة.

وأضاف غيراسيموف أن الاستعدادات لزيارة بوتين جرت بشكل سري، على الرغم من ضرورة التحقق من مسار التنقل في دمشق بالكامل، ومن إمكانية الحرب الإلكترونية، وإزالة الألغام من الطريق والمباني المجاورة، وتفتيش المباني من قبل المتخصصين في الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، وأردف أنه وفقًا لوزير الدفاع الروسي، فإن الروس حرصوا على إجراء تقييم كامل وعميق لجميع التهديدات المحتملة.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط وسوريا في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، آرون لوند، في حديث إلى عنب بلدي، أن “الزيارة كانت على نطاق ضيق جدًا من الأجهزة الاستخباراتية والمسؤولين السوريين، لأسباب سياسية، ولضمان تنسيق أمني سلس”.

ومع ذلك، تسلّط تصريحات غيراسيموف الضوء على الوضع الأمني الصعب في سوريا وفي مناطق سيطرة النظام السوري، كما لا تثق روسيا بقدرة شركائها السوريين في الحفاظ على الأمن والسرية الكاملة، حسب لوند.

تجاهل وتهميش روسيا لأجهزة النظام السوري الأمنية

تجول بوتين في آخر زيارة لدمشق في المعالم السياحية للعاصمة مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعدما التقيا في مقر تجمّع القوات الروسية بدمشق بحضور ضباط ومسؤولين روس، وبوجود مسؤول سوري واحد هو وزير الدفاع، علي عبد الله أيوب.

وفي كانون الأول 2017، وفي أثناء زيارة بوتين إلى قاعدة “حميميم” الجوية (جنوب شرق مدينة اللاذقية)، قام ضابط روسي بإيقاف الأسد لمنعه من السير بمحاذاة بوتين، ما يعكس تحكم الروس بالترتيبات الأمنية والبروتوكولية في سوريا.

وفوجئ الأسد بزيارة وزير الدفاع الروسي، في حزيران 2016، إلى دمشق، إذ قال حينها، “أنا سعيد جدًا بلقائكم اليوم، مفاجأة سارة”، وتابع “لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيًا”.

وأخذ الدور الروسي في إزاحة وتهميش الأجهزة الأمنية بالتزايد مع عدّة حوادث وثقت تعامل الجيش الروسي كضابط أمن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ففي أيار 2018، ألقت الشرطة العسكرية الروسية القبض على مجموعة من عناصر يتبعون لقوات النظام السوري بعد قيامهم بعملية سرقة في بلدة ببيلا جنوب دمشق، إذ تداولت شبكات محلية حينها صورًا لجنود روس يفتشون عناصر تابعين للنظام السوري، ويجبرونهم على الانبطاح أرضًا.

وفي 2019، أرسلت روسيا لجنة تحقيقات في “الجرائم” المرتكبة ضد القوات الروسية في سوريا، ورفعت “التدابير الأمنية” في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام حينها، وكانت لجنة التحقيقات الروسية برئاسة ألكسندر باستريكين.

وكان باستريكين التقى في زيارة إلى دمشق، سبقت زيارة قاعدة “حميميم”، كلًا من رئيس مكتب الأمن القومي، علي مملوك، ووزير العدل السوري، هشام الشعار.

شركات خاصة بمثابة أجهزة أمن

الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي الدكتور محمود حمزة، قال لعنب بلدي، إن “روسيا أسست عدّة فروع أمنية مهمتها حماية المطار والقصر الجمهوري والوزارات والمؤسسات، ففي حال حصول أي حادث مفاجئ تقوم بدور الحماية، كما أن هناك ضباط أمن أصبحوا يتحدثون علنًا أنهم يعملون لمصلحة روسيا”، ما يعتبره حمزة دليلًا على مدى اختراق الروس للأجهزة الأمنية.

لكن لا توجد معلومات دقيقة حول تفاصيل الأفرع الأمنية التابعة لروسيا، إذ يحظى أفراد الشرطة العسكرية الروسية ببطاقات على أنهم “مخابرات سوريّة”، وذلك ليتمكنوا من التجول بحرية مطلقة، كما أسسوا شركات أمنية خاصة من السوريين في مناطق مختلفة، وتهتم هذه الشركات بحماية المؤسسات الحكومية، حسب حمزة.

ورصد بحث لـ”برنامج مسارات الشرق الأوسط“، أعده الصحفي السوري منهل باريش، تعاظمًا لأدوار الشركات الأمنية الخاصة في سوريا، من بينها شركات ممولة بشكل مباشر من روسيا، كـ“صائدي الدواعش” و”سند للحراسة والخدمات الأمنية”.

وتحدثت صحيفة “القدس العربي“، في 18 من حزيران 2019، عن تأسيس النظام السوري فرعًا أمنيًا جديدًا بأوامر روسية، بهدف حماية المنشآت والهيئات الحكومية والدبلوماسية، ومنعًا لتنفيذ أي انقلاب في سوريا.

وقالت الصحيفة، إن وثيقة مسربة حصلت عليها من مصدر في إدارة المخابرات التابعة للنظام السوري ومصدقة من الأسد، في 17 من نيسان 2020، تظهر أوامر روسية بتأسيس “الفرع 108″، ومهمته حماية المنشآت والهيئات الحكومية والدبلوماسية، ومنع تنفيذ أي انقلاب في سوريا، على أن يتبع لإدارة “أمن الدولة” في سوريا، الأمر الذي يمثل “حجم سلطة الجانب الروسي على أفرع النظام الأمنية وإدارة أمن الدولة، وقرار رئيس الجمهورية”، حسب الصحيفة.

تغييرات بأيدٍ روسية

في تموز 2019، أجرى النظام السوري تغييرات أمنية جديدة، إذ عيّن الأسد اللواء علي مملوك نائبًا له للشؤون الأمنية، واللواء محمد ديب زيتون، المقرب من روسيا، رئيسًا لمكتب “الأمن الوطني”.

وبحسب مركز “COAR“، جرت هذه التعديلات بجهود روسية لتقليل قبضة العلويين على أجهزة المخابرات، وبالتالي، رفع التأثير المباشر لإيران، وهو ما أكدته صحيفة “إندبندنت“، التي قالت إن مراقبين مطلعين على تفاصيل هيكليات الأجهزة الأمنية السورية وعلاقاتها وارتباطاتها الداخلية والخارجية، أكدوا أن كل التغييرات التي حصلت كانت بتوجيه وإشراف روسيين مباشرين.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط وسوريا في “الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع” آرون لوند، في حديثه إلى عنب بلدي، أن روسيا تحاول بالتأكيد تنمية نفوذها داخل حكومة النظام السوري، فالمساعدة التي قدمتها روسيا للنظام منذ عام 2011، وخاصة في 2015، زادت من نفوذها بشكل كبير.

لكن حسب لوند، فإن الدائرة المقربة من بشار الأسد حريصة جدًا على السيطرة على سلطاتها الأمنية والتحكم في القرارات، إذ يعتمد حكم الأسد على كل من الوسائل الرسمية للسلطة، كمؤسسات الدولة الأمنية، وكذلك الوسائل غير الرسمية، كارتباطاته الشخصية والعائلية.

ويتعامل الأسد مع الأمن الداخلي مثل والده الرئيس السابق، حافظ الأسد، إذ يعطيه أولوية على حساب بقية مؤسسات الدولة، لذلك ليس من السهل على روسيا أو أي حكومة أخرى أن تخترق نظامًا كهذا بسهولة، فعلى الرغم من وجود عملاء روس وإيرانيين ضمن قوات النظام، فإن تأثيرهم غالبًا من النوع غير المباشر، وفق لوند.

تمكين روسيا لأمنها يكمن بالتنافس الروسي- الإيراني في سوريا

ذكر مركز “مالكوم كيركارنيغي” للشرق الأوسط، في تقرير نشره في آذار 2020، حول دور روسيا في إصلاح الخدمات السورية الخاصة، أنه “يجب على موسكو أن تهتم بإصلاح الخدمات السورية الخاصة، إذ ستؤمّن موقعها في البلاد ومواجهة نفوذ إيران على وجه الخصوص، كما يعتمد أمن المنشآت العسكرية والاقتصادية الروسية، بالإضافة إلى أمن المواطنين الروس في سوريا، بشكل مباشر على نوعية مجتمع الاستخبارات السوري”، حسب التقرير.

ولفت التقرير إلى أنه لا يتضح بعد ما الذي ينبغي أن تفعله روسيا لإصلاح القطاع الأمني في سوريا، فمجتمع الاستخبارات السوري قريب بشكل خاص من القيادة السورية، وتعيينات المناصب العليا تجري داخل الدائرة المقربة لعائلة الأسد، وبينما تسمح علاقة الثقة بين دمشق وطهران بمشاركة إيران في الأحداث، فإن نظام بشار الأسد أكثر حذرًا من المشاركة الروسية في مثل هذا المجال “الحميم والمُغلق”.

من جهته، أوضح الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي الدكتور محمود حمزة، أن “الروس لديهم تغلغل كبير وهيمنة على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما توجد لإيران أدوار مشابهة، لكن باعتبار أن روسيا لها قاعدة جوية وطيران وهيمنة على الجو السوري، وبسبب إنقاذها للنظام السوري من السقوط في 2015، فهذا يجعل وجودها الأمني قويًا”.

وأشار تقرير مركز “مالكوم كيركارنيغي” إلى أن أجهزة الأمن العسكرية، أي الاستخبارات العسكرية واستخبارات القوات الجوية، أكثر توجهًا نحو إيران منذ بداية الحرب في سوريا، وقد اتضح هذا في معارضتها المبادرات الروسية في درعا. ومن ناحية أخرى، فإن مديرية الاستخبارات العامة ومديرية الأمن السياسي لديهما علاقات أوثق مع روسيا، ومع استمرار التنافس الروسي-الإيراني في سوريا، ستزداد أيضًا المنافسة بين الخدمات الخاصة الموالية لإيران والخدمات الخاصة الموالية لروسيا.

ثلاث مقاربات للحركة الأمنية الروسية

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، يرى في حديث إلى عنب بلدي أنه “لا يمكن فهم الحركية الأمنية الروسية في سوريا من خلال مؤشرات متعلقة بالانتهاكات التي تقوم بها روسيا، سواء مقصودة أو غير مقصودة، للمراسم والتقاليد والأعراف فقط، سواء بالزيارات الدبلوماسية، أو حتى بالتأمين والتغطية الأمنية لزيارات بوتين”.

فالأمر مرتبط بثلاث مقاربات تعمل عليها موسكو في سياق الحركة الأمنية برأي طلاع، وهي:

المقاربة الأولى نتجت لحظة تدخل القوات الروسية في قيادتها العمليات الأمنية والعسكرية في سوريا، وكذلك إعادة ترتيب القوات السورية، لأن بنية الجيش والأمن مستنزفة خلال سنوات الصراع، ويتمثل ذلك باستنزافين، هما البشري الذي استوجب تدخل الميليشيات الإيرانية، والثاني هو النوعي المتمثل في السلاح والعتاد الذي استوجب تدخل روسيا.

وبالتالي فإن قيادة وهندسة العمليات والأهداف والخطط الاستراتيجية (رئاسة غرف العمليات) كانت روسية، ولذلك فإن التدخل الأمني فرضه التدخل العسكري.

المقاربة الثانية، هي ترميم البنية المؤسساتية العسكرية والأمنية بطريقة تجعلها تحد من استنزاف هذه الأجهزة، وهذا استوجب إعادة ترتيبات معيّنة في البنية الرسمية لأجهزة الأمن والجيش، سواء عبر دعم فكرة “الفيلق الخامس” و”السادس” لتجميع هذه الميليشيات وصهرها لاحقًا في الجيش أو حتى إخراجها بإطار من إطارات الجيش، وأيضًا بدء العمل على محاولة إرجاع الوظائف الأمنية إلى تخصصاتها، وكمثال على ذلك، أعاد الروس تغليب الأمن العسكري على الأمن الجوي (المسيطر سابقًا)، باعتبار الأمن الجوي جزءًا من الأمن العسكري.

أما المقاربة الثالثة فلها علاقة في قيادة روسيا بذاتها عمليات المصالحة وما تستلزمه من ترتيبات أمنية ولوجستية، سواء في القلمون (شمال دمشق) أو حتى في الجبهة الجنوبية.

التدخل الروسي كان يستلزم تدخلًا في السياق الأمني، كالحفاظ على بنية الدولة مع إجراء بعض الإصلاحات الشكلية، بحسب الباحث معن طلاع، ولكن هذا يشير إلى خلل في الاستراتيجية الروسية، إذ تعوّل على ترميم أو بناء أجهزة الدولة سواء الأمنية أو غيرها وإعادة شرعيتها أمام المجتمع المحلي أو الدولي، دون مراعاة المؤشرات التي تحكم المشهد السوري سواء السياسية أو الاقتصادية.

ولذلك تسعى روسيا للسيطرة على القرار الأمني، سواء في العمليات العسكرية أو الميدانية أو حتى في رؤية الإصلاح والتغيير، كتغييرات في جيش النظام السوري والأجهزة الأمنية، بحسب طلاع، وبذلك تحاول السيطرة على القرار وليس على الأجهزة الأمنية بحد ذاتها.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا