الرقة – حسام العمر
عاد خالد من سوق بيع الماشية الرئيس في الرقة، الذي يسمى محليًا بـ”الماكف”، مع الخراف التي أخذها باكرًا للبيع دون جدوى.
يعتمد خالد الراضي على رعي الأغنام لتأمين مصدر رزق دائم له ولعائلته المكونة من سبعة أفراد، إذ يملك قرابة 70 رأسًا من الماشية، يبيع منها الحليب بشكل يومي في السوق الشرقية بشارع القوتلي وسط مدينة الرقة، إضافة إلى بيع بعض الخراف من فترة لأخرى لتأمين العلف، الذي يرتفع ثمنه بشكل سريع، إلا أن ذلك البيع لم يبقَ بلا صعوبة.
تأخر سقوط المطر وتوقف بيع الغنم
بعد هطول الأمطار بداية الموسم الشتوي الحالي، توقفت نحو شهرين، وكان لتأخرها، مع موجات الصقيع المتلاحقة، أثر في نقص النباتات العشبية التي ترعاها الأغنام، ما أجبر المربين على اعتماد العلف مصدرًا أساسيًا لتغذية ماشيتهم.
خالد، الذي يسكن قرية كسرة شيخ الجمعة، في ريف الرقة الجنوبي، كان يخرج يوميًا لرعي أغنامه ببادية القرية وبين حقولها الزراعية، إلا أنه اليوم يتحمل تكلفة “باهظة” للعناية بمواشيه.
“أغلب” المربين وتجار الأغنام يتهربون من احتوائها في أثناء فترة غلاء الأعلاف، حسبما قال الشاب الثلاثيني لعنب بلدي، الذي أشار إلى أن تكلفة كمية العلف المستهلكة من قبل الرأس الواحد تصل في اليوم إلى ألفي ليرة سورية (0.69 دولار).
وشهد سوق “الماكف” توقف حركة بيع وشراء الأغنام لعدة أسباب، بحسب التجار، وأبرزها غلاء الأعلاف التي تضاعف سعرها خلال الأيام الأخيرة.
الدلال نواف القروي، البالغ من العمر 40 عامًا، يعمل صلة وصل بين البائع والمشتري داخل السوق، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع سعر المواد العلفية وتضاعفها أسهم بشكل كبير في توقف حركة البيع والشراء، إضافة إلى انخفاض في أسعار الأغنام.
تحدث نواف عن الأسعار واحتكار التجار للمواد العلفية، إذ بلغ سعر الشعير 500 ليرة سورية، بينما كان منذ أقل من شهر 275 ليرة، إلى جانب غلاء سعر النخالة التي وصل سعرها إلى 475 ليرة، وبرأيه فإن الغلاء لا يرتبط بهبوط الليرة السورية بقدر ما يرتبط بالطلب المتزايد على الأعلاف بعد تأخر الأمطار.
يعتقد أحد تجار الأعلاف في خانات سوق “الماكف” جبر العلي، أن غلاء المواد العلفية ليس احتكارًا بقدر ما هو تماشٍ مع ارتفاع أسعار أغلبية المواد، نتيجة الهبوط الحاد في قيمة الليرة السورية، التي اقتربت مؤخرًا من ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار، إلى جانب غلاء إيجارات المستودعات المخصصة لتخزين الأعلاف، إذ يكلف تخزين الطن الواحد قرابة 20 ألف ليرة شهريًا.
وقال جبر، إن مربي الأغنام لا يدركون حجم تكاليف التخزين والتسويق، التي تضاف إليها تكلفة الهدر في أثناء فترة التخزين، وتعفن بعض المواد أو تعرضها للتلف بسبب الرطوبة أحيانًا أو تمزق أكياسها بسبب القوارض (الفئران والجرذان)، ما يضطر التاجر للتخلص منها، وهذا كله يسبب الغلاء وارتفاع السعر.
ويستخدم أغلب المربين أعلاف النخالة (قشر القمح)، والشعير، والتبن، الذي يتنوع بين تبن القمح أو الشعير والفول، لتغذية مواشيهم.
إجراءات تتخذها “الإدارة الذاتية”
أكد خالد الناصر، العضو في جمعية مربي الأغنام بالرقة، لعنب بلدي، أن مؤسسات “الإدارة الذاتية” اتخذت عدة إجراءات لضبط تناقص أعداد الأغنام، من خلال إنشاء مكاتب لحماية الثروة الحيوانية ودراسة ومكافحة الأمراض السارية والمعدية التي تصيبها، مع قرارات بمنع تصدير أو إخراج الأغنام خارج المنطقة تحت طائلة “المحاسبة القانونية”.
وأصدرت “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” قرارًا، في 6 من كانون الثاني الحالي، بتخفيض سعر مادة النخالة العلفية لـ300 ليرة سورية، في محاولة منها لتدارك الوضع، وهو ما يراه تجار الأغنام “غير كافٍ”، مع ضرورة اتخاذ قرارات أخرى، كمنع تصدير الأغنام ومكافحة طرق تهريبها مع ظهور بوادر “انخفاض” عددها، كما قال الدلال نواف القروي لعنب بلدي.
كما دعا قرار “الإدارة الذاتية” إلى ضرورة إحصاء أعداد الثروة الحيوانية بشكل عام، ويتم ذلك بحسب القرار عن طريق التنسيق بين “لجان الزراعة” و”مكاتب الثروة الحيوانية” و”جمعيات مربي الثروة الحيوانية”.
وتعتبر تربية الأغنام والاتجار بها وبحليبها ومشتقاته إلى جانب الزراعة مهنًا يعمل بها أغلبية سكان أرياف الرقة، ولكن لا توجد أرقام دقيقة تحدد العدد الحقيقي للماشية في الرقة أو عموم مناطق شرق الفرات.