ذوو الإعاقة في إدلب مُهمَلون
ريف إدلب – إياد عبد الجواد
في مخيمات كفرديان بريف إدلب الشمالي، استلقى عبد الرحمن بارود، البالغ من العمر 50 عامًا، على ظهره داخل خيمته التي لم يغادرها منذ عام بأكمله، عاجزًا عن الحركة، وعن توفير ما تحتاج إليه عائلته من دخل لتأمين مصاريفها.
تعرض عبد الرحمن قبل خمس سنوات لإصابة بالنخاع الشوكي، أدت إلى شلله، نتيجة قصف الطائرات الحربية التابعة لقوات النظام منزله في بلدة خان السبل، بريف إدلب الشرقي، ومنذ ذلك الحين لم يجد من يعينه ويساعده على الحياة الكريمة، مع تجاهل المنظمات دعم ذوي الإعاقة وتركهم بانتظار المحسنين العابرين.
“بطاقات الإعاقة”.. كانت تعول مالكها في مناطق النظام
قبل اندلاع الثورة السورية، عام 2011، كان ذوو الإعاقة يحصلون على بطاقات خاصة بهم، تمنحهم بعض المزايا، من أهمها الراتب الشهري.
بالنسبة لشحادة الطه لم تكن الإعاقة نتيجة قصف أو عوامل جينية، بل نتيجة خطأ طبي سبّب له الشلل والضمور بالطرف السفلي الأيمن، بعد أن حصل على حقنة بالعضل حين ارتفعت حرارته وهو طفل صغير.
الرجل الخمسيني قال لعنب بلدي، إنه حصل على “بطاقة الإعاقة” عام 2007، وكان له من خلالها ميزات متعددة، منها الإعفاء من الضرائب والطوابع والتكاليف الطبية، مع منحه خط هاتف أرضي وراتبًا ثابتًا من مؤسسة الشؤون الاجتماعية والعمل.
كما امتلك شحادة أفضلية التقدم في طوابير كل مؤسسات الدولة، وكان يحق له امتلاك سيارة من فئة “تاكسي أوتوماتيك”، بعد دفع أقساط تقل عن نصف سعرها، مع إعفائه من الضرائب والجمارك الخاصة بها.
ومن الميزات التي كان يحصل عليها ذوو الإعاقة، 300 ساعة مجانية من الإنترنت شهريًا، ورخصة لإقامة “كشك” من الحديد، بعد تسجليه بالدوائر الحكومية، في أي مدينة أو قرية، كما أُعفي أبناؤهم من رسوم المدارس والجامعات.
يقيم شحادة اليوم داخل غرفة واحدة مع أبنائه وبناته، على أطراف قرية باريشا بريف إدلب الشمالي، ومنذ أن ترك قريته في ريف معرة النعمان قبل عام، لم يحصل على أي دعم أو معونة، حتى بالنسبة لرسوم دراسة أبنائه.
تعطل مفعول البطاقات الخاصة بذوي الإعاقة، وضعف الدعم المخصص لهم، كان أكثر وضوحًا في إدلب اليوم، حسبما قال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، لعنب بلدي، مشيرًا إلى حاجة المنطقة للمساعدات الأساسية، خاصة الغذائية منها.
ويقتصر الاهتمام بذوي الإعاقة من بعض المنظمات، على إنشاء مراكز للعلاج الفيزيائي، ومراكز إعادة تأهيل عامة، “لا تكفي”، حسب تقدير حلاج، خاصة مع أعداد مصابي الحرب وذوي الإعاقة نتيجة التشوهات الخلقية، الذين ازدحموا في المنطقة.
دعم حسب الأوضاع الميدانية والإنسانية
تتحرك المنظمات بمشاريعها تبعًا للوضع الميداني أو الإنساني على الأرض، “حاليًا أصبح مجمل التوجه لموضوع فيروس كورونا”، كما قال حلاج، مشيرًا إلى ما يمثله ذاك النهج من تأخير بالاستجابة الخاصة بذوي الإعاقة، الذين يمتلكون ميزات تتمثل بوضعهم ضمن الفئات ذات الأولوية بتلقي المساعدات الغذائية، أما الكفالات فلا توجد جهة دولية أو محلية تقدم لهم مساعدات مخصصة.
مدير جمعية “عطاء” في منطقة سرمدا بريف إدلب الشمالي، معاذ بقبش، أوضح لعنب بلدي آلية تحديد المستفيدين من المساعدات، وقال، “بالنسبة لذوي الإعاقة، وتحديدًا أرباب الأسر، تكون لهذه الحالات الأولوية بالمساعدة”.
وأشار بقبش إلى ارتفاع أعداد ذوي الإعاقة بعد موجات التهجير والنزوح التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين، وخاصة حالات بتر الأطراف أو الإصابة بالشظايا، التي تفقد الحركة وتسبب شبه إعاقة، إضافة إلى من لديهم حالات مرضية، كضعف البصر أو فقدانه، أو ضعف الحركة أو الشلل.
لكن “المشكلة”، حسب تعبير بقبش، تكمن بعدم وجود برنامج مخصص لذوي الإعاقة، وهو ما يقول إن الجمعية تطرقت له في اجتماعاتها الأخيرة مع الجهات الداعمة، أما الآن فيقتصر دعمهم على “صناديق الحالة”، والكفالات المخصصة للحالات الاجتماعية، التي تقدم من متبرعين فرادى شهريًا.
غلاء يمنع المساعدة الفاعلة
تقيم خالدية الياسين مع ابنها أحمد، المريض بالشلل منذ ولادته قبل 35 عامًا، في خيمة مهترئة شرقي قرية كفرعروق، في ريف إدلب الشمالي، وقالت لعنب بلدي، إنها استخرجت له “بطاقة الإعاقة” وهو بعمر 24.
ضمنت البطاقة لأحمد الحصول على راتب قدره ثلاثة آلاف ليرة سورية، كانت تسد حاجياته من فوط عجزة وأدوية، أما اليوم فلا تملك والدته الستينية وسيلة لتأمين مستلزماته، مع مطالبتها العديد من المنظمات والجمعيات، التي اكتفت بتصوير حالته دون تقديم الدعم.
في مركز “الحسن” للأطراف الصناعية بإدلب، تركَّب أطراف وأجهزة تعين مرضى الشلل، كما قال مدير علاقاته العامة، أحمد الداني، لعنب بلدي، “بالنسبة لحالات ذوي الإعاقة لا توجد إحصائيات دقيقة في مدينة إدلب وريفها، ولكن الأعداد كبيرة جدًا، وخصوصًا الإصابات الحربية من بتر وشلل كامل”.
فيما يخص الدعم المادي، والكفالات الشهرية لذوي الإعاقة، لا توجد تغطية كاملة لجميع الحالات، لأن الدعم “قليل”، والمراكز الموجودة في إدلب وريفها “غير قادرة على تغطية جميع الحالات”، حسب تقييم الداني، خصوصًا حالات الشلل التام، لحاجة المرضى إلى أدوية وفوط بشكل شهري ومعالجة فيزيائية.
الخدمات الموفرة للمرضى، من أطراف وأجهزة خاصة بمرضى الشلل، “جمعيها ذات أنواع رديئة”، ولا يؤمّن منها سوى أعداد محدودة شهريًا، وأضاف الداني أنه لا توجد مراكز مجانية توفر أطراف “السيلكون” من النوع الجيد في المنطقة، وإن وجدت تكون بأعداد “قليلة جدًا”.
حسب تقييم فريق “منسقو استجابة سوريا”، فإن الفجوة بين الدعم المقدم والحاجات المطلوبة متسعة، حسبما قال مديره محمد حلاج لعنب بلدي، مشيرًا إلى غلاء الأطراف الصناعية، وقلة توفرها بالمنطقة، بالتزامن مع ازدياد أعداد المصابين عامًا تلو آخر مع استمرار الحرب والعمليات العسكرية، وهذا ما تسبب بـ”عجز كبير”، حسب تعبيره.
وأضاف حلاج أن إغلاق الحدود مع تركيا خلال عام 2020، بسبب الإجراءات الساعية لضبط انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، زاد من مصاعب تأمين مستلزمات المرضى، وبلغ عدد ذوي الإعاقة في المنطقة، وفقًا لإحصائية التركيبة السكانية الأخيرة التي أجراها الفريق في آب من عام 2020، نحو 200 ألف شخص من أصل 4.1 مليون يسكنون في شمال غربي سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :